هـــــــل المـــــذاهب تحـــــــرك التــــــــاريخ أم المصـــــالح ؟…………….
………..الحـــروب المذهبيـــة كانـــت أداة في حــــــروب المصــــــالح ……………
………..هـــزيمة آخــر الحــروب المذهبــية هذه ستفتــح بوابة التــاريخ …………..
بقلم المحامي محمد محسن
حركةُ التاريخ ليست مستقيمة ، بل تتعرض إلى انهدامات وهزات زلزالية ارتدادية تدميرية ، بحيث يصبح التغيير واقعاً لامحالة تفرضه الضرورة ، كانهيارات الامبراطوريات التي سادت ثم بادت ، أو إلى قفزات وانتقالات نوعية ايجابية تجديدية نحو المستقبل ، وفي كلا الحالتين تكون تلك التحولات استجابة لمقدمات تراكمية وتفاعلات اجتماعية كمية متعالية على الواقع ، فالتاريخ يغير الظروف تحت ضغط الظروف الذاتية والموضوعية المحيطة بكل مجتمع من المجتمعات ‘ بحيث تصبح الأطر التي تحيط بالواقع المتناقض والمتصارع والمتفاعل ، بجميع تمظهراتها السياسية والاقتصادية حتى والفكرية ضيقةً ولا تستوعب الجديد ، مما يستدعي تمزقها ، إيذاناً بولادة جديدة من رحم الماضي ، ، لأن التراكم يفيض ،مما يقف الواقع الراهن عاجزاً عن استيعاب ذلك الكم الهائل من التراكمات ، فتحدث النقلة النوعية ، التي هي بنت الواقع الماضي ، ولكنها تتمايز عنه ، ولا تشبهه حد التضاد .
.
على ضوء هذه القوانين التاريخية ، التي حكمت مسيرة جميع الحقب التاريخية ، وايماناً منا بأن تطور كل مجتمع من المجتمعات ، يتحدد بفعل التطور المنطقي وفق قوانينه الخاصة وشروطه الذاتية والموضوعية ، والأزمات الدورية التي تواجهها المجتمعات البشرية ، ومن هذه الأرضية الفكرية سنحاول استشراف مستقبلنا على ضوء هذه القوانين التاريخية التطورية ،
وعليه سنطرح تساؤلين ، ؟؟ هل نحن في حالة استمرار تكراري لواقعنا الذي حكم مسيرتنا عبر عقود ، وأتشجع وأقول بل منذ قرون ، والتي كانت تحكمنا فيه الصراعات المذهبية عبر التاريخ الاسلامي ، التي كانت تخفي وراءها مصالح أخرى لا علاقة لها لا بالدين ولا بالمذاهب ، ، أم هل نحن على بوابة نقلة نوعية تشبه الطفرة نحو المستقبل ، ؟؟.
.
وسنذهب عميقاً في التاريخ الاسلامي ، لنستكشف طبيعة وبواعث الحروب التي تأسس على كوارثها تاريخنا ، ونسأل هل كان هدف أولى الحروب التي استعرت بين الأمويين والعباسيين ، كان هدفها تنقية الاسلام وتطبيق الصفحة الناصعة من قيمه ، ؟؟ أم كان الباعث قبائلياً ؟؟ ، وكان الاسلام مجرد راية لتحقيق السيطرة والتحكم ، فالكل يدعي أحقيته في الحكم باسم الاسلام ، ولكن هل كان الاسلام في العصرين الأموي والعباسي ممثلاً لقيم الاسلام ومثله التي جاء من أجلها الرسول العربي ؟؟، أم كان الكل ضد الكل ولكن الكل يزعم أن الهدف اعلاء كلمة الاسلام ، وهل كان الخلفاء جميعاً عدى استثناءات قليلة ، منصرفين لخدمة الاسلام أم كانوا منصرفين لتحقيق رغباتهم وملذاتهم ، التي فاقت التصور ؟؟، والتي لاتزال الكتب تعج بما كانت تحويه قصور الخلفاء والأمراء ، من نساء وغلمان ، ومن محدثين كاذبين ، ومن شعراء منافقين ، وكم قتلوا من الخصوم باسم الدين ، حتى أن الخليفة معاوية كان يصفي خصومه بزريعة أن الله هو الذي أمره بالقتل ، لأن الخير والشر من الله ، وما أنا إلا منفذ لإرادة الله .
.
وكان المتوكل الخليفة الماجن ، الذي ذكرت كتب التاريخ الكثير الكثير عن حياته الماجنة ، وأن قصره كان يضم أربعة آلاف محظية فقط ، مع الكثير من الغلمان ، والذي كان يعتبره فقهاء عصره زنديقاً ، ولكنه وبعد أن قَتَلَ المعتزلة وحارب فكرهم ، وحرقَ كتبهم ، [ والذين كانوا يعتبرون أول نزوع عقلاني في الاسلام ] ، أصبح عند فقهاء الأمس الذين كانوا يعتبرونه زنديقاً ( خليفة للمسلمين رضي الله عنه وأرضاه ) لأنه قتل العقل والعقلانية وانتصر للنقل العتيق ، والأحاديث المنسوبة للرسول كذباً ، ولم يكن سلوك هذا الخليفة متفرداً ، فمن الصعب بل من المستحيل أن تقع على سيرة لا تقارب سيرة المتوكل ، طبعاً مع بعض الاستثناءات وعلى رأسها سيرة الخليفة الصادق عمر بن عبد العزيز .
.
وسأطرح مثلاً فاقعاً من صفحات تاريخنا المظلم القريب نسبياً ، هل كانت الحروب العثمانية التوسعية في الغرب والشرق ، من أجل نصرة الاسلام واعلاء شأنه ؟؟ أم كانت حروباً استعمارية ، سادت فيها روح السيطرة والتوسع التي تحكمت برغبات السلاطين العثمانيين الذين أخذوا الدين الاسلامي راية ووسيلة لتحقيق غايات غير اسلامية ، ويكفيهم أن القرون الأربعة التي حكموا فيها امبراطورية مترامية الأطراف باسم الاسلام ، سميت بعصور الانحطاط ، عصور الظلام الأسود ، وما زلنا نحن العرب نحصد العقابيل التي تركتها تلك الحقبة ، وما الواقع الذي نواجهه الآن إلا أثراً خبيثاً من مخلفات تلك العصور السوداء القاتلة ،
.
وقس على ذلك وقبلهم فتوحات المغول والتتار ، الذين رفعوا سيف الاسلام وهم لا يعرفون من الاسلام إلا البسملة . لكن المحزن والذي يفقأ العيون أن أولئك الخلفاء والسلاطين ، الذي ابتلي بهم الاسلام ، لم يشوهوا صورة الاسلام المحمدي فحسب ، بل نصروا النسخة السوداء منه ، التي تعتمد وتهتم بطقوس الفرائض الخمسة بشكلياتها ، فمن ينهض بها تطوب له الجنة ، بما فيها من أنهار وحوريات ، وكأن مفاتيح الجنة في جيوبهم ، ثم انطلقوا لمحاربة القيم والأخلاقيات التي جاء بها الاسلام السمح في نفس الوقت ، ثم عززوا السلفية الجهادية العمياء المتوحشة ، التي غيبت العقل ، وأمرت بالرجوع إلى طوباوية الماضي ، والتكور والتقوقع والرجوع إلى الخلف ، وجعلوا الاسلام يعيش في مأزق أبدي ، لأنه يجعل الفقه الديني الماضوي ، سلاحه في مواجهة قضايا عصره الحاضر .
.
ولما كان الغرب الاستعماري ومن خلال أطماعه القديمة في منطقتنا العربية ، قد أدرك بسهولة ويسر أن المذهبية هي الداء القاتل ، والسلاح الفتاك الذي يمزق مجتمعاتنا مزقاً ، لديمومة سيطرته واستغلاله ، فكان السلاح الأهم الذي يستخدمه متى أراد وفي كل حين ، فساهم عملياً ببناء [ الوهابية ] المذهب الاسلامي التحريفي ، والتي زاوجها مع قبيلة بني سعود ومكنها من السيطرة على الأراضي المقدسة ، لتكون قادرة دوماً على القيام باي دور يسند لها في خلق الصراعات في المجتمع الواحد على أسس مذهبية ، كما ساهم وشجع ولادة [ الحركة الدولية للإخوان المسلمين ]، كرد عملي ضدي يواجه الدعوة المتصاعدة في حينه للوحدة العربية .
واستكمالاً للتوظيف الكامل لهاتين القوتين ، راح يستقبل ويكرم قيادات جميع الحركات الاسلامية في عواصمه ، ويحسن وفادتها ، ليستخدمها في جميع معاركه الكبيرة والصغيرة .
.
نعم ادخر الغرب الاستعماري الوهابية والاخونجية ، وجميع الحركات الاسلامية ، ( ليوم كريهة ) فكان ( الربيع العربي الأسود ) ضد سورية ، حيث استنفر من خلالها كل السلفيين الجهاديين من مشارق الأرض ومغاربها ، وشكلوا قطعاناً من المتوحشين ، وحملوهم المال والسلاح ، وأغلقوا عقولهم على مقولة واحدة اقتل ثم اقتل ، مقابل بيع هذه القطعان المتوحشة الجنة في كل ما فيها من حوريات ، لمن يدمر الشجر والحجر والبشر من جميع المذاهب الأخرى ، ومن لا يقدم الولاء والطاعة للفقه السلفي الظلامي الأسود ، تنفيذاً لأوامر أمريكا والدول التابعة لها والعميلة ، وبخاصة ممالك النفط المحمية التي كانت وظيفتها دائماً التآمر على المنطقة وتفتيتها ، ومن يُقتَل من القطعان الارهابية سيجد النبي في انتظاره على وجبة غداء ساخنة ، [ انه الغباء المستحكم في عقول الملايين منذ عشرات القرون ] .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السؤال الأهم الذي نجد الاجابة عليه ، من موقف الغرب الاستعماري الذي سخر السلاح المذهبي في جميع معاركة السابقة والحالية :
هل أدرك هذا الغرب أن السلاح المذهبي ، لم يثبت عدم جدواه فحسب ، بل انتقل من خلال هذه الحرب المديدة ، من سلاح بيد الغرب ‘ إلى سلاح سيوجه للغرب ، وبات يشكل خطراً داهماً للدول التي استخدمته ضد سورية ، ولقد سمعنا اليوم بعضاً من تجلياته في باريس .
لذلك يمكن أن نعتبر نصرنا ليس عسكرياً على دول العدوان فقط ، بل هو نصر على السلاح المذهبي ، الذي كان سلاحاً قذراً لهذه الحرب [ حربه الأخيرة ]، مع ادراكنا أن الحركات الاسلامية السوداء لن تتخلى عن كل مواقعها بسهولة ، ولكن من المعروف أن السلاح الذي أثبت عدم جدواه ، سيتم تنسيقه والتخلي عنه حتى من أصحابه ، لا بدافع ذاتي بل بضغط من الواقع .
لذلك فأنا أحتسب أن نصرنا سيكون مزدوجاً ، ضد دول العدوان ، وضد المذهبية البغيضة ، التي كانت سلاحاً قذراً بيد أعدائنا ، وثبت فشله ،
لذلك ولأن النصر سيجب ما قبله ، لأنه هزم العدوين معاً ، فأنني أبشر أن النصر سيحقق النقلة النوعية وسيفتح لنا بوابة باتجاه المستقبل الواعد .