الشاعر :أحمد يوسف داود
ـ 1 ـ
في الطريقِ إلى عِشقِ ما تُخرِجُ الأرضُ
كيف نعانِقُها خاشعينَ لِما أبدَعتْهُ..
وكيف نُباركُ روحَ التُّرابْ؟!.
حينَ ضاقتْ خُطانا بِنا ذَبُلتْ روحُ أقوالِنا..
هل سنُدركُ ما تَفعلُ الأرضُ
حين تُعِدُّ لَنا بجُمانِ النّدى وكؤوسِ الرُّؤى
مَجلِساً للشّرابْ!.
ـ 2 ـ
مَنْ يُعيد علينا دُروسَ الفَراشاتِ والزهرِ؟!..
ليستْ تَطيرُ الفَراشاتُ حينَ يُشيرُ إليها الرَبيعٌ..
وتَخطِفُها رِقّةُ الحُلْمِ بالزّهرِ..
إلّا وَحيدَةْ!.
وأنا أتراكضُ كالطفلِ مُنخَطِفاً:
كيفَ لي أن أُرافِقَها في دُروبِ هَواها؟!..
فأمضي وَحيداً وقد ضاع مني طريقي
وأزعُمُ أنّي أصيدُ طُيورَ الرِّضى
في شِعابَ الجُرودِ البَعيدةْ؟!.
فجأةً أستَفيقُ على وَجعٍ..
كيف لي أنْ أُحمِّلَ قَلبي جِراحَ نَسيمٍ
يُحدِّثُ عن وَطنٍ كانَ..
والآنَ صارَ..
وصِرنا نُفسِّرُهُ بالمَذابحِ والتُّرّهاتِ
ونقسِمُ أنْ نَستَعيدَهْ؟!.
كيفَ لي أنْ أُبلِّغَ حُزنَ الأحبّةِ آلامَ روحٍ
ترى ماترى..
والعَصافيرُ ترحلُ بينَ الرّصاصِ
الذي اغتالَ تَغريدَها؟!..
صارتِ الأرضُ بَحرَ كَمائنَ
تَلهو بوَعدِ السّلامِ
ونحنُ غَدَونا عَبيدَهْ!.
لاتبوحُ الفَراشاتُ تحتَ الرّصاصِ
بأنّاتِ حَسرَتِها..
رُبّما تتَفجّعُ سِِرّاً على وَطَنٍ نازِفٍ
يَذبَحُ القاتلونَ وُرودَهْ!.
وهيَ تعجَبُ من أنّ صَوتَ الأزيزِ يمرُّ..
فتَسقُطُ مَذبوحةً وَهْيَ تَنزِفُ عِطرِاً
وَتهذي بعِشقِ البلادِ السّعيدةْ!.
ـ 3 ـ
في مدى حُزنِهِ يترنّحُ سِربُ الفَراشِ
ويَغدو صَدى مأتَمٍ!..ِ
ما لهذي الرِّوايةِ لا تَستقيمُ؟!..
على اسمِ الألوهةِ تُوأدُ روحُ التُّرابِ..
وباسمِ حَياةِ البِلادِ يَطيبُ الخَرابْ؟!.
ثمّ صارَ على الماءِ في العَطَشِ الأبديِّ
وَداعُ مناهِلهِ..
والتّخفّي إلى آخِر الدّمِ في الصّلواتِ
بزِيِّ السّرابْ!.
ـ 4 ـ
كانَ ماكانَ: راحَ الفَراشُ إلى مَوتِهِ!..
كيف لانَرسِمُ الآنَ أزهارَ أعْمارِنا بالشظايا..
ونكتُبُ ألواحَ أقدارِنا في التّكايا؟!..
وهل نحنُ إلّا أقاويلُ عابرَةٌ
تَتخاطَفُها خُطَبِ المارقينَ البَليدَةْ!.
كانَ كُلُّ الذي كانَ
حينَ اختفى من دفاتِرِنا المَدرسيّةِ:
عِطرُ الحُقولِ..
وروحُ البيادِرِ..
ما كانتِ الأرضُ تُعلنُ من فَرحٍ في المواسِمِ!..
ياربُّ كم صارتِ الأرضُ ثكلى..
فهل ظلَّ مُتَّكأٌ للنُّشورِ سِوى أن نُفيقَ؟!..
وأنْ يَتبرْعَمَ في رَحِمِ النّارِ، بالنّارِ،
فَجرُ الحَياةِ الجَديدةْ؟!.
ـ 5 ـ
للفَراشِ الوَديعِ الذي غابَ أرفَعُ تَعزيَتي..
للعَصافيرِ أرفَعُ شُكري..
فقد تَركتْ إرثَها من بَديعِ الغِناءِ..
وغابتْ على الظّنِّ:
ما من دعاءٍ لنا يُستَجابْ!.
للحَياةِ وللكائِناتِ التي لم تعُدْ حَولَنا:
ـ ستَعودينَ!..
مازالتِ الأرضُ فينا ونحن عليها لتَحيا..
وهاهوَذا قمرُ الحُبِّ يُشرِقُ
ماقيلَ في نُورِهِ أنّهُ شَحًّ يَوماً..
ولا أنّهُ قد هوى في مَحاقٍ وغابْ!.