ما بين خضرة وماء كاد الأخير يتنفَّس الصعداء اختناقاً مما يصبُّ فيه ، ما بين تمايل خجول لأغصان الشجر أمام حالة إبداعية متميزة ، وتفوق في أداء العين التي غدت رافداً ومنبعاً لأطياف جميلة لا تنتهي ، رحلة من حلم طفولي ، نطقٌ عذبٌ تنزُّ منه موسيقا دفينة أطربت الجماد فكيف يكون فعلها في بقايا خلايا جسد حاصرته الغربة والهم ، وكثرة الألوان في الوجوه التي أصبح جلَّ اهتمامها طمس كل ما هو جميل في الوجه الإنساني الذي كوَّنه الإله فأبدع في تصويره .
تتلعثم الكلمات في حضرته وترتجف أوتار الروح كأنها تعزف لحناً مقدَّساً في مكان مقدس يستدعي كل الخلايا التطهر تطهراً كاملا ً لا رجس فيه لأنك في لحظة ذوبان وسمو وترفع وعلو عن منطقة تلوَّن فيها البشر بألوان الزيف والرياء ، وكأنك تحاسب ذاتك وأنت ماثل أمام ملامح طفولية لا لون فيها سوى لون واحد هو البياض الداخلي الذي عكسه على الملامح الخارجية ليعطي صورة رائعة عن الذات الحقيقية لون الضياء والبراءة الدائمة التي لا تقبل ولا تساوم مطلقاً على تغيير اللون لأن تغييره هو تغيير للذات .
ركضت عيناها بخجل عذري نحوي قائلة : أعرفتني ؟ !
– كيف لي أن أعرف أو أبصر بعد أن دهمني شعاع قوي غطى الساحة البصرية بالكامل وقتها أدركت أن شيئاً ما حصل ، حركة الجسد ارتبكت وكأني أمام قوس ينتظر نطقاً بالحكم كل مسامات الجسد امتلأت رجفاً عذباً لا خوف فيه وغابت الروح في أسطورة الحلم من فوق جدار الكلمات حروفاً تخلَّت عن موطن إقامتها الحقيقي معلنة الرحيل نحو دفء لم تحلم به ، تمردت الكلمات حين أطلقت العنان لعينيها مرسلة تباشير أجمل ابتسامة وكأنها ابتسامة يتيم في لحظة أخذه هدية أو لباساً غير متوقع لينطلق كبقية الأطفال نحو مراجيح الأمل جيئة وإياباً متناسياً ولو بشكل وقتي لحظة اليتم وما تحمله هذه الحالة .
لم تعد تقوى قدميه على حمل لحظة مداهمة الحلم له فأرسل البقايا المتبقية من سنا عينيه نحوها ليكوِّن سوراً يحميها ، حتى أنه تمنى أن يتحول إلى شوك قاس ٍيحيط بها كي يُبعد أو يجرح أي جزء من لحظ يدنو منها . . نطقت عيناها قائلة : ألم تعرفني ؟ ! أنا . . .
فتورَّد الحلم لحظة نطقها في جنبات قلب طالما احتله ظلام دامس مع زمهرير مزمن رافقه طيلة سنين عمره العجاف ولم يهجره إلا لحظة دخوله عبر بوابة روحها ( عينيها ) التي تفوَّقت فأبدعت وكبُرت فأينعت ونشرت عبير أريجها في دروب القلب فأزاحت تعبه ، وبددت همّه ، وقتها فقط أدرك عذوبة وجمالية لحظة الحلم.
*خلف عامر
/24/8/2009 صحيفة الفرات