.الآن صفقتنا نحن : خسـرانٌ للملوك، واسرائيل، وأمريكا، وانتصـارٌ لشعـوب المنـطقة
.تخـوم المعـركة تتطـلب منـا : الفصــل بيـن شعــوب الجـزيرة العربية، وبين ملوكــها
المحامي محمد محسن
قبل وبعد النكبة، ومنذ ( سايكس بيكو ) وبعدها، وحتى الاستقلال وبعده، وجميع الحروب التي تلت، ومنذ أن أجروا فلسطين للصهاينة، وحتى يومنا هذا، كلها كانت صفقات، تهدف تمزيق شعوبنا، وتركها في الدرك الأسفل من الشعوب، ( حتى بات البعض من “المتغربين ” يصرح أن التخلف مزروع في جيناتنا )، وحتى نقترب من الموضوعية أكثر، سنذهب أبعد ونقول : بل منذ تنصيب بني سعود ملوكاً على جزيرة العرب، ومنذ ( العقد ) الذي أبرم بين بريطانيا المستعمرة، ( وإمارات الخليج المتصالحة،) أن تبقى هذه الامارات تحت الحماية البريطانية، [ حتى يفنى التراب ويشيب الغراب ]، ومنذ أن أسست بريطانيا المذهب الوهابي، وصاهرته مع بني سعود، وأَمَّرتهم على الأراضي الاسلامية المقدسة، وصنعت ( حزب الاخوان المسلمين ) في مصر، وشجعت وآوت جميع القيادات الاسلامية المنبوذة في عواصم الغرب، والتي كانت تهيؤها لحربها الأخيرة هذه، كل هذه المعارك والحروب، كانت خطوات لتحقيق [ صفقات قرون، وليست صفقة قرن واحدة ] .
.
ثم جاءت حروب ( الربيع العربي الأسود ) متنقلة من العراق، والجزائر، وليبيا، واليمن، وسورية، ليستكملوا ما عملوا عليه قروناً، ولتكون الصفقة الخاتمة، التي تدمر الشعوب والبلدان، وتمزق المنطقة كلها إلى دويلات مذهبية متصارعة حتى يوم الدين، وملاحقة واجتثاث حركات المقاومة في كل أرض، عندها تحقق الغاية الأخيرة ( صفقة القرن )، ولك بتنصيب ” اسرائيل ” وكيلاً حصرياً مفوضاً على المنطقة، يلعب بكياناتها وممالكها، عندها تفرض أمريكا وصايتها على المنطقة كلها، وتستكمل برامجها بشأن دول الشرق، التي تحاول منافستها، وتحقيق طموحاتها التاريخية في تشكيل القطب المنافس .
.
ولكن وعلى الميدان السوري، وبشجاعة جيشه العربي السوري، وصمود شعبه، وبعون من الأصدقاء، والحلفاء، كسرت الهجمة، وخابت الآمال، والأحلام التاريخية، وبدأ التاريخ يكتب من جديد، وهزم معسكر العدوان بكل دوله، ومؤسساته المشتركة في الحرب، العسكرية وغير العسكرية، وسحقت أدواته الارهابية القاتلة، المصنعة خصيصاً لإنجاز الحرب الخاتمة، فوقف العالم على قدم واحدة مذهولاً، لأن ما حدث لم يكن في حسبان أحد عدواً كان أو صديقاً، فدول العدو المتوحش المهاجم، كانت تدرس كيفية توزيع الغنائم، وإذا بها ” تفلت الصيدة ” ويتحاصر الصياد .
.
إذن الخسارة كانت مدوية بحجم الهجمة وتزيد، والأحلام تبخرت، لذلك يمكن اعتبار ما حدث وبكل المعايير خسارة تاريخية، مفصلية، لقطب متفرد، بكامل دوله، وملحقاته، وعلى رأسه أمريكا، قاتلة الشعوب، ومفجرة الحروب، يقتل من يشاء ويستعبد من يشاء، بدون رادع، ولكن ومهما كانت الخسارة الأمريكية كبيرة، كانت خسارة الكيان الاسرائيلي أكبر بكثير، ( بصفته كياناً ) أعد ليوم كريهة كهذا اليوم، و( بصفته دوراً ) و( ذراعاً قاتلة )، ونحن نبشر أبناء المنطقة كافة، الأعداء قبل الأصدقاء ، أن الكيان الاسرائيلي ولو بدى بغير هذا، هو في أسوأ ايامه، منذ تأسيسه وحتى الآن .
.
من هنا ومن فوق، يمكن أن نطل على مؤتمرات مكة، وعلى اجتماع المنامة، لنسخر منها بادئ ذي بدئ، ونعتبرها مجرد لملمة للملوك العملاء والرؤساء التابعين الأذلاء، الذين يدينون بالولاء لأمريكا، ومن يقدم الولاء لأمريكا لابد وأن يكون في خندق واحد مع اسرائيل، وأن نعتبر هذه المؤتمرات هي مجرد مؤتمرات نواح على ما فات، وعلى ما سيأتي، متحدثون مترجرجون، وعلى رأسهم ( خادم الحرمين ) مليك متلجلج لا يجيد القراءة بالعربية، يندبون أحلامهم التي ماتت، بعد أن كانت آمالهم بتحقيقها في أعلى العليين، .
.
أما البيان الختامي، فلقد عبر عن الخيبة في كل كلمة، رغم ختامه بالدعوة بطول العمر، للملك المعظم الذي أكرم وفادة المجتمعين، فبدلاً من أن تكون هذه المؤتمرات المزدحمة، شد عصب للمشاركين، لابد وأن يكون البعض قد لعن نفسه لأنه ربط قيادته مع هذا القطب المهزوم، وراح يفكر بكيفية لملمة خسائره، وخيباته، ولكن وبموضوعية كان لهذه المؤتمرات، التي حضرها العراب ( كوشنير ) والذئب الأغبر ( جون بولتون )، فائدة كبرى ألا وهي : خروجهما منها بخفي حنين، وبمظهر المتغطرس الخائب، الذي سقط حلمه دفعة واحدة، ولا بد وبكل تأكيد أن ينعكس هذا الخسران المبين ، على علاقتهما بسيدهما، وقد يخسران مواقعيهما كمستشارين فاشلين .
.
كل من ظهر في الصورة من المؤتمرين، حتى وممثل ” اسرائيل ” الذي كان خارج اطار الصورة، كنا نتمنى أن يرتب لهم زيارة رسمية لمرفأ الفجيرة، في الامارات المتحدة البلورية، لرؤية ناقلات النفط التي دمرت على أرض الواقع، ليلعنوا القواعد الأمريكية ، والفرنسية التي تحمي تلك الامارات(!!)، وللعبرة كان من المفيد أن يطلب المؤتمرون ، من المليك المعظم، استحضار بعض من بقايا الطائرات اليمنية المسيرة التي فجرت خطوط الأنابيب في السعودية أيضأ، عندها فقط تكتمل صورة ( هشاشة الحامي والمحمي ) .
.
……………ولكــــــــن الضــــــدَ يُظــــــهر حســــنه الضــــــــدُ……….
.
قبل أن تنطفئ نار المؤتمرات، وتتداول وسائل الاعلام خيباتها، جاء الرد سريعاً من محور المقاومة، من اليمن الجريح، من العراق الذي يتعافى، ومن سورية أرض التحدي، ومن كل أرض عربية أو عالمية لم تتمكن أمريكا من اغتيال روح المقاومة فيها، وعلى وجه الخصوص من البحرين، وايران، جاء الرد بمظاهرات ، ومسيرات مليونية حاشدة، بيوم القدس، يقولون فيها للملوك وأسيادهم، ولإسرائيل، تباً لكم ، نحن هنا نحن المنتصرون وأنتم الخاسرون، وستعود القدس وما بعد بعد القدس إلى أصحابها، وستغادر اسرائيل، لأن الملوك حماتها كما قال ترامب، سيغادرون قبلها .
.
لكن الجواب الكافي، والوافي، والذي قطع بين الماضي والحاضر، جاء من لبنان من سيد المقاومة، السيد حسن نصر الله، الذي أعلن : أننا نملك صواريخاً دقيقة، تصيب جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن نار جهنم ستصب على رؤوس الإسرائيليين، من غزة، وجنوب لبنان، ومن سورية، ومن العراق، ومن ايران، وحتى من اليمن، ( وسنرد الصاع صاعين ) وختم السيد [ أما الوجود الأمريكي في المنطقة كلها، جنوداً، وقواعداً، وأساطيلاً، ستدمر بالكامل ] .
.
[ نحن نعترف بقوة أمريكا ، وحليفتها اسرائيل، التي لا يمكن تقديرها، والتي من الممكن أن تدمر العالم .
[ ولكن لم تعد العبرة للقوة النارية، بل باتت العبرة للأقدر على التحمل ]…
.
هل بعد كل الذي حدث لايزال البعض يشكك في عمالة الملوك لإسرائيل، فالصانع واحد والحامي واحد، والمستثمر واحد، ولكن كانت اسرائيل والغرب يستفيدون من هؤلاء الملوك العملاء، بصيغتهم ( المموهة عربياً ) أفضل بكثير مما لو أفصحوا عن عمالتهم بشكلها السافر، كما هو عليه الآن .
.
ولقد اوجدوا لهم الجامعة العربية، لتكون لهم غطاءً تمتص الأنظمة العميلة من خلالها الروح العدائية لإسرائيل، وتسريب أي جهد جدي في زواريب البيانات الجوفاء، وأنا أرى أنه من الآن فصاعداً، لم يعد ممكناً الاجتماع تحت سقف واحد، وتحت راية واحدة، بين عملاء اسرائيل، وبين أعدائها، لذلك ومنذ سنوات طرحنا البديل [ جامعة الشعوب العربية ] .
.
لذلك ولما أظهرته المعركة، لابد من التفريق بين شعوب الجزيرة العربية المستعبدين قروناً، وبين الملوك والأمراء العملاء، وأن نعمل على استنهاضها من غفوتها، معتبرين أن جميع الشعوب العربية، معنية بهذه الحرب الحسم، وتوحيد الجهود، لنواجه معاً الملوك والأمراء، وشيوخ السلفية الوهابية، والاخوانية، ونحملهم مسؤولية تخلف المنطقة، وتمزيقها، وهذا النضال لا يتعارض أبداً، بل يرفد نضالنا الوطني الأهم، [ (هزيمة سايكس بيكو ) والنضال من أجل توحيد سورية والعراق الشقيق، ]
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم دمرت بلداننا، واستشهد الكثير من شبابنا، ولا زلنا ندفع، فكان مهراً غالٍ لا يوازيه أي مهر، ولا يمكن تقديره، لأنه أغلى من أي ثمن في الكون، لذلك علينا أن نجعله مَهراً للحرية، فالحرية نحن نصنعها بأيدينا، لذلك علينا أن نجعلها حرية تاريخية، حرية الخلاص، أي ان نحولها إلى [ صفقة لحريتنا الأخيرة نحن ]، وهذا يقتضي أن نقف وراء جيشنا، وأن نضمد جراح شعبنا، وأن ندعم مؤسساتنا، بالموقف، بالكلمة .
لذلك كان على العقلاء منا : مثقفين، وسياسيين، وأخلاقيين منتمين لقضايا مجتمعنا العادلة، أن يمثلوا ضمير شعبنا في هذا المفرق الكبير، والامتحان الصعب، وأن يكونوا حراساً أمناء للنقلة التاريخية، التي نعاني الآن من مخاضها، والتي دفعنا ثمنها، وأن نصغي إلى أصوات الحاضر، ونداءات المستقبل .
.
………………….. وأن تكـــــــون ثقـــــــتنا بالنـــــــصر مؤكـــــــــدة .