لا تخـافوا عـلى العـراق ، الـذي استــولد [ الحـشد الشـعبي ] مـن أعمــاق التــحدي
حـولت أمريكـا العـراق القـوي ، الغـني ، المـوحد ، إلـى عــراق جــائع ، مشــرذم
من هــزم قطـعان داعش ، وحَـجَّمَ الوجود الأمريكي ، سيـعيد العـراق إلى محـوره
المحامي محمد محسن
من الخطأ أن نُقَيِّمَ الواقع العراقي الآن بشقيه : الموضوعي ـــ والذاتي ، قياساً على ما كان عليه في عام 2003 / ، ساعة الغزو الأمريكي ، حيث كان النظام محاصراً من جميع دول الأرض ، وكان لا يزال يداوي جراحه من حربه الذي دُفع إليها من أعدائه الآن ضد ايران ، وكانت أمريكا في أوج غطرستها ، كالوحش المسيطر في غابة ، وكانت محميات الخليج ، واسرائيل تتربص بالعراق شراً ، أما روسيا بإدارة ( يلسن السكير ) فكانت قد تخلت عن جميع ادوارها ، حتى الصين كانت في حالة انكفاء على الداخل .
فما هو الحال الآن : ممالك الخليج مهيضة الجناح ، لا اقتدار، ولا مال ، حيث كشف عريها حفاة اليمن ، وهي في حالة ترنح في ما قبل السقوط ، وروسيا يحكمها رجل قوي ( بوتن ) الذي أخذ جزيرة القرم ، أهم قاعدة استراتيجية عسكرية لروسيا ، أما الصين فلقد خرجت من عزلتها وباتت رقماً صعباً في المعادلات الدولية ، مع روسيا ، ومن خلال الحرب على سورية شكلا القطب المشرقي الشاب .
وتبقى أمريكا الخاسر الأكبر ، فمهما استقوى بها عملاؤها ، وأجراؤها ، فهي في أزمات وليست في أزمة واحدة ، يحكمها تاجر يتعامل في السياسة الدولية كمن يلعب بالقمار ، ارتجالي ، متردد ، فتح حرباً اقتصادية مع حلفائه قبل أصدقائه ، وأخيراً كشف اليمنيون الحفاة ، والإيرانيون الغطاء عن قدراتها .
نعم أسخنت أمريكا العراق الغني ، القوي ، بالجراح ، سرحت جيشه الوطني ، جوعت شعبه ، مزقته إلى مذاهب ، وقوميات . وعندما تمكنت المقاومات الشعبية من تحجيم الدور الأمريكي ، جاءت بداعش التي كادت أن تحتل بغداد ، والتي تنبأ أوباما بأن العراق لن يتمكن من دحر هذه القطعان بثلاثين عاماُ ، ولكن الشعب العراقي البطل ومن خلال كل ذلك الواقع المرير ، ومن خضم المواجهات استولد [ الحشد الشعبي ] الذي ضم جميع قوى المقاومة ، عندها تغير وجه العراق .
وها هي أمريكا ، ومحمياتها في الخليج تحاول الاستثمار في التحركات الشعبية المطلبية ، المحقة ، مستفيدة من تجاربها الماضية ، حيث أرسلت القناصين لقتل المتظاهرين ورجال الأمن ، كما أرسلت من قام بحرق مؤسسات الدولة ، ورفع شعارات معادية لإيران .
ولكن شعب العراق العظيم ، لن يسمح بالعودة إلى الوراء ، واغتيال منجزاته التاريخية ، بل سيتخذ من هذه التحركات السبب ، والحجة ، التي تدفعه للمطالبة بإخراج أمريكا ، من العراق ، وتصفية كل ذيولها .
عندها سيأخذ العراق شقيق سورية ، دوره الأساس كرافد أساسي لمحور المقاومة ، الممتد من طهران حتى جنوب فلسطين ، وسيفتح معبر التنف بالقوة ، كما فتح معبر القائم .
وعلينا أن نذكر واشنطن أن لا تنسى العمق التاريخي للعراق ، الذي من الممكن أن تهزه ريح صرصر ، ولكنها لا تسقطه ، وإن سقط سرعان ما سينهض من كبوته ، ويأخذ زمام المبادرة ، ــــ هذه خصيصة لا يجوز اغفالها ، كما هي عليه سورية ، ومصر ـــ .
من هنا نؤكد أن استخدام أمريكا لخطتها / ب / الاحتياطية ، القائمة على زرع ألغام داخل التحركات الشعبية المحقة لحرفها عن مسارها ، ما هي إلا دليل افلاس ، وإعلان نهائي على نفاذ جميع أدواتها .
وأنا أبشر أن عراق المستقبل سيستأصل كل العقابيل ، والدمامل ، التي زرعها الأمريكي ، وعملاؤه ويعود إلى مساره الوطني ، التقدمي ، العقلاني ، ومحوره المقاوم .