اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- تضم محافظة ادلب سهولا فسيحة, سميت باسمها, مشكلة الجناح الغربي من هضبة حلب.
*- تعلو مدينة ادلب 446 م عن سطح البحر, وتمتاز بموقعها ضمن غابة من الزيتون حيث اشتهرت بمنتوجها منه حتى أن الأخوين رسل Rassel سمّياها عام 1772 بلد الزيتون, وهو محصولها الأول الذي نتج عن انتاجه عبر التاريخ انشاء المئات من المعاصر وورش صناعة الصابون.
*- حسب احصائيات العام 2010, قدّر عدد أشجار الزيتون فيها 14 مليون شجرة, وأشهر أصنافها القيسي والصوراني. وبالمناسبة فان مكتب الزيتون التابع لوزارة الزراعة, وهو المكتب المسؤول عن زراعة الزيتون في سورية, مقره مدينة ادلب.
*- محافظة ادلب, شأنها, شأن جميع المحافظات السورية, تعيش في مدنها ونواحيها وقراها مختلف أطياف المجتمع السوري.
*- أصل التسمية بإدلب :
– تعددت آراء مصادر التسمية, وكلها بحسب الدارسين, كان لها أسبابها وجذورها في الزمان والمكان التاريخيين :
1- في الآرامية, إدلب اسم مركب مؤلف من أدد وهو اسم الآلهة المشتركة عند الآراميين، الذي هو إله العاصفة والرعد هدد… ليأتي الشق الثاني لب ويعني بالآرامية والسريانية قلب الشيء أو مركزه لتغدو التسمية بمجملها مركز أدد أو مكان عبادة الإله أدد.
2- يقترح الباحث والمؤرخ فايز قوصرة, التالي : لا يختلف حال مدينة إدلب عن حال الكثير من المدن والقرى التي نشأت حول المعابد الدينية. فقرية لوبان وهي التسمية الإبلائية (من ايبلا) لإدلب التي تشكلت في حدود منتصف الألف 3 ق.م حول معبد نيداكول الإبلائي. وفي منتصف القرن 6 الميلادي، تحوّل المعبد إلى دير سرياني حمل اسم دير دْلبين, وحول هذا الدير تكونت قرية (النواة لمدينة ادلب) مكان حي الصليبة الحالي. وثبت اسم هذا الدير عند العرب باسم دير لِبْ تحريفا للاسم السرياني القديم. ويمكن أن نلخّص نشوء المدينة بالمراحل التالية : معبد وثني ثم دير سرياني فجامع في قرية “دير ليب”، وفي النصف الأول من القرن 15 الميلادي أصبحت تسمى قرية إدليب, ، ومنذ حوالي 150 عاماً اقتصرت التسمية رسمياً على إدلب.
3- يقول خير الدين الأسدي، أن الاسم من الآرامية أسوة بكل مكان عرف قبل المد الإسلامي، وهو مركب من أد ويعني هواء، و لب وتعني القلب فتصبح تسميتها هواء القلب.
4- جاءت التسمية من لفظة آرامية (إدلبو) وتعني مكان تجميع وتسويق المحاصيل الزراعية، وهذا ما يمكن أن يطبق عليها إذ يحيط بمدينة إدلب وبقطر 10 كم 34 قرية ومزرعة.
5- ذكر البستاني أن تسميتها جاءت من لفظة (دلبات) وتعني باللغة القطلية القديمة إله الزراعة.
6- يقول المؤرخ الغزي, أنها قرية سريانية تدعى وادي ليب وضبطها الشيخ شعيب الكيالي بالذال المعجمة إذلب وبنتيجة التشظيف والتصحيف أصبح اسمها اليوم إدلب.
7- إيد لب أتت من السريانية, وبالتفصيل إيد تعني اليد ولب تعني القلب… لتصبح يد القلب, روح اللب, روح المكان.
*- تاريخ مدينة ادلب :
– ذكر الزبيدي في كتابه تاج العروس, ان مدينة إدلب كانت قبل المد الإسلامي ذات موقعين… ادلب الكبرى وتقع في شمال المدينة والصغرى الى الجنوب لتنضما لاحقا لبعضهما. أما ادلب الحالية فهي مكان ادلب الصغرى. وقد اندثرت الكبرى منذ مطلع القرن 17 وتقع شمالي ادلب الحالية بحوالي 1 كم.
– ذكرت مراجع أخرى, أن إدلب الكبرى هي الواقعة شمال طريق معرة مصرين الحالي وهي قرية “دارسة”، وإدلب الصغرى إلى الجنوب من الأولى على بعد حوالي 3 كم وهي العامرة اليوم.
– كانت إدلب الصغرى تتبع سرمين لتأخذ حضورا في المنطقة على حساب إدلب الكبرى التي طوي ذكرها, بعد أن اهتم بها الصدر الأعظم محمد باشا الكوبرلي (1583-1661)، الذي نظمها وفق مخطط عمراني, فبنى فيها الخانات كخان الشحادين وخان الرز ونظم أسواقها فجعل لكل حرفة فيها سوقاً خاصة، ورصف شوارعها بالحجر.
– في النصف الثاني من القرن 18 غدت تتبع جسر الشغور, ثم أتبعت بـأريحا, ثم صارت مركز قضاء.
– في أوائل القرن 20 وبسبب الحرب العالمية الأولى عانت إدلب كبقية المدن السورية من المجاعة وأصابها الدمار, وساق العثمانيون رجالها إلى الجندية الإجبارية, وصودرت أرزاقها وغلاّتها باسم الإعانة والإعاشة.
– عانت ايضا من القصف خلال الاحتلال الفرنسي عندما اتخذها إبراهيم هنانو معقلاً لثورته فقصفتها قوات الاحتلال بالمدفعية في 20/1/1920.
– تحولت إلى مركز محافظة في عام 1958.
*- المعالم الأثرية
– تعتبر محافظة ادلب من أقدم وأغنى بقاع الأرض بالآثار في وحدة المساحة، اذ حفلت أرضها من عمق التاريخ بأحقاب متعاقبة من الحضارات.
– توهجت أرضها بحضارات رائعة منذ الألف 5 ق.م, كما في تل عين الكرخ الذي يتألف من سلسلة مستوطنات تعود لأولى مراحل عصور ما قبل التاريخ في منطقة الشرق الأوسط, مروراً بمملكة ايبلا والحقب الحثية, الآرامية, الآشورية, اليونانية, الرومانية, البيزنطية وصولا الى العصور الإسلامية المختلفة،
– تجلت ثروتها الأثرية في أوابدها التاريخية الهامة والمعروفة والمنتشرة فيها كمجموعات المدن المنسية التي تنتشر فيها وفي محافظة حلب. .. اذ تضم أكثر من 760 موقعاً أثرياً، منها حوالي 200 تلاً أثرياً. وقد نشرت سابقا على صفحتي 12 مقالا عن أهم هذه المدن منذ 14/12/2013 تحت عنوان : “المدن المنسية, تاريخ وفن معماري سوري عمره آلاف السنين”.
– قراها الأثرية منها ما هي محفوظة بشكل أقرب الى الكمال, ومنها ما لم يبق منها سوى أطلال محدودة بالاضافة الى العديد من الحصون والقلاع. وتجدر الاشارة الى أن مدينة ادلب يحيط بها عدد كبير من المناطق والقرى الأثرية من مجموعة المدن المنسية كـالبارا, رويحة, قلب لوزة, ودير البنات.
– بنتيجة هذا الغنى الأثري الفريد جدا, حولت الدولة خان مراد باشا الى متحف في معرة النعمان, كما أنشأت عام 1987, متحفا في مدينة ادلب يعتبر أهم المتاحف السورية حيث تبلغ المساحة التي خصصت له 5000 م², وبلغت مساحته الطابقية 1500 م². ويضم المتحف على حصاد بعثات التنقيب التي عملت في المحافظة لسنوات عديدة في موقع تل مرديخ الذي تقع فيه ايبلا, ومواقع داحس وتل الكرخ وتل مسطومة وتل آفس ومدافن سراقب.
– يحتوي المتحف على قسم لحفظ الألواح الفخارية الخاصة بالمكتبة الملكية في ايبلا التي كان يقوم بدراستها فريق عالمي ويقوم ينشر نتائج دراساته في حوليات تصدر في روما, وقد غيّرت هذه الدراسات كثيراً من المعلومات الخاصة عن تاريخ العهد القديم (التوراة).
– وضعت كنوز المتحف الأثري في اقسامه وطوابقه وفق التسلسل التاريخي الزمني فيبدأ بالعصر الحديث لينتهي بعصور ما قبل التاريخ مرورا بكافة الأحقاب والمراحل.
*- بعضا من انتهاكات الارهابيين لآثار ادلب (المصدر : المديرية العامة للآثار) :
– بينت المتابعة أن طبيعة وأماكن الحفر والتنقيب العشوائي بغرض السرقة, لم تكن لتتم وفق ما تبين, الا باستعانة الارهابيين واللصوص بخبراء في البحث والتنقيب عن الآثار، إذ يتم الحفر بأسلوب منظم ويتركز بشكل عام في أماكن محددة كداخل الكنائس وتحت النواويس وحولها بحثاً عن دفائن وكنوز، كما أكدت المعلومات المستقات من أبناء المنطقة وجود الكثير من تجار الآثار والمهربين من المنطقة وخارجها وخاصةً من تركيا.
-التالي بعضا من أعمال التخريب التي طالت مواقع أثرية هامة :
– في إيبلا : شهد الموقع في البداية تنقيباً كثيفاً وشرساً غير مشروع. ففي الأكروبول, انتشرت في بعض ساحات القصر الملكي حفر عشوائية, كما تمت حفريات أخرى في معبد عشتار الكبير. أيضا, نقّب الارهابيون المعتدون في عدة قطاعات من معبد الصخرة.
– تعرضت بعض المواقع المدرجة على لائحة التراث العالمي في الجبل الأعلى والجبل الوسطاني وجبل باريشا لانتهاكات سبّبهما لصوص الآثار، وأكدت المعلومات أن كفر عقاب هو أكثر المواقع تضرراً في المنطقة إذ تنتشر فيه حفر كبيرة وعميقة، ظهر في بعضها مدافن بكر تم نهبها وتكسير الحجارة المنحوتة كما هُدم البرج الجنوبي.
– في موقع بنصرة في جبل الوسطاني, توزعت كثير من الحفر في مختلف أرجاء الموقع، أكبرها في غرفة المارتيريوم بالكنيسة الشمالية وأخرى مشابهة في الكنيسة الجنوبية، وقد أدى التخريب فيها إلى قلب جميع الأعمدة الحجرية وظهور بعض أجزاء من أرضيات الفسيفساء.
– التكسير والتعديات والتخريب طال أيضا البارة، وادي مرتحون، مجليا، بترسا، بشلا، بعودا، سرجيلا، دير لوزة، شنشراح، رويحة وغيرها من المدن المنسية.
*- ختاما… أعرف ادلب جيدا… زرتها عشرات المرات… بصفتي استشاريا في مكتب الزيتون انفذ مشروعي في محافظات القطر لمعالجة ظاهرة عدم انتظام الانتاج (المعاومة) في شجرة الزيتون… وتعرفت على الكثير من أهلها ومزارعيها الطيبين… فكانت لي معهم ذكريات جميلة جدا.