نفحات القلم – الجزائر
يرى الكثير من المهتمين بالشأن السياسي العربي ، أن الكلام عن وحدتهم في الظرف الحالي ضرب من الخيال ، في ظل هيمنة أمريكية مطلقة على جل قرارات أغنى بلدانهم ، واقرب إلى الجنون من يتناول الموضوع ، ويحلم بميلاد معجزة في القرن الواحد والعشرين ، في وقت تشتت فيه صفوف العرب وتبددت وازدرتها رياح الغرب ، ولم يبق هناك ما يرى بالعين المجردة .
فيما يرى أصحاب الرؤى الوسطية من الجيل القديم مثلي ، أن لا مستحيل في ذلك ، إذا ما تعلق الأمر بالهيمنة الأمريكية فقط ، ففي في أزمنة سابقة كان للعرب مواقف وقرارات والهيمنة الأمريكية سائدة ، من عبد الناصر ، بومدين ، حافظ ، فيصل … ، فما الذي تغير اليوم وجعلهم من اكبر الفاعلين في مشروع ولد بإسرائيل ورضع بالخليج وتربى في كنف الدولة العثمانية ، سمي ب :” الشرق الأوسط الكبير ” ، فلولا يقظة وفطنة السورية وشعبها المقاوم في سبيل إنهاء هذا الفيروس ، لا وصل خطره كل العرب أينما كانوا وحيثما وجدوا ، فشل في إسقاط النظام بسوريا ، فشل في إنهاء وجود المقاومة بمحيط إسرائيل ، ما تحقق ما تحقق له إلى حد الآن ونجح فيه ، هو توريط العرب في طعن إخوانهم العرب فقط ، وزرع الحقد والعداء بينهم وصل حد الاقتتال فيما بينهم .
ما صدر من هذه البلدان أكيد لم يكن عن قصد حضر له ، وحيك بأهداف دقيقة كما يعتقد الكثير ، سواء ضد سوريا أ وغير ها ، فكل ما في الأمر حدث جاء من غير علم ، وفق المثل القائل : ” الجاهل فعل بنفسه ما لم يفعله العدو بعدوه ” ، وقد بدت ظاهره هذا الجهل تبرز للعيان ، من خلال نزاعات طفت إلى السطح ولم يعد هناك ما يخفى على العامة ، رغم محاولة إعلامهم المغرض الذي تأسس لضرب استقرار إخوانهم ،التقليل من خطورة الوضع وتداعياته ، فها هو حصار قطر ينذر بتوترات قابلة للتفاقم مستقبلا ،نتيجة إظهار هذه الأخيرة ولاء مطلقا لتنظيم الإخوان في تركيا ، وقوى دعم الشرعية عجزت عن تحيق أهدافها الشرعية على أرض شرعية ، فلا شرعية تحققت ولا أمن ينعمون به ، وحدود السعودية تتقلص يوم بعد يوم أمام الجيش اليمني وأضحت تفصله كيلومترات قليلة عن نجران ، في حين ظهر سوء التفاهم واضحا بين الحليفتان في الشرعية ” السعودية والإمارات ” في حربهما على اليمن ، وفي الوقت ذاته ينزل عليهم صندوق النقد الدولي مصيبة أخرى ، محذرا إياهم من نفاذ موارد دخلهم القومي من البترول بحلول 2035 م ، وحثهم على التقليص من نفقاتهم على التسلح الذي بلغ أرقاما خيالية ، و تنويع مصادر دخل أوطانهم .
لقد تعلمنا من تجربة الجزائر ،مطلع التسعينيات ، ومن تجربة سوريا الحالية ، التي تعد نموذجا يستحق التدريس بالأكاديميات العسكرية ، فبصراحة لم نكن نسمع عن فنون القتال الليلي إلا في سوريا ، وحرب الأنفاق.. والأتي أعظم ، وفي ليبيا واليمن أيضا … ، بالمقابل أبانت الدول العظمى عن فشلها في قلب الموازين لهذا أو ذاك ،وان تسببا في مخاض عسير خلق فوضى عارمة يسجلها لها التاريخ وينصفها ، لذا أمالنا كبيرة في أن تكون العربية القادمة بالجزائر ، فرصة لبعض البلدان لكي تكفر عن ذنوب اقترفتها في حق بلدان شقيقة ، وقد نلمس استعداد للعدول عن بعض المواقف والآراء المتصلبة ، ولا نستبعد نقاشات ساخنة في مواضيع يكون الكلام فيها لأول مرة ، وربما ننتظر مفاجآت أخرى ، لأن المعطيات الحالية المتوفرة تقول : البلد الذي سيحتضن القمة أبان عن مواقف صارمة ومشجعة قبل القمة ، بشعار المثل القائل ” يحرث واڤف وإلا يتكسر ” ، وهذا يبعث التفاؤل في النفوس .
مكتب الجزائر – أبو طارق الجزائري