ديوان شعري لابنة الحضنة …الشاعرة القاصة الجزائرية ” كريمة عبدلي ”
الجزائر : عيسى بوذراع
” حين تهجرني الوسادة ” أول ديوان شعري يرى النور بعد انتظار قارب ثلاثة عقود ، لابنة الحضنة الشاعرة القاصة ” الجزائرية كريمة عبدلي ” ، عن دار الكتاب العربي ، موزع في 78 صفحة من الحجم المتوسط ، ضمت 30 نصا شعريا من أروع ما جادت به قريحتها من أزمنة بعيدة ، تناولت الشاعرة مواضيع مستخلصة من تجارب الحياة وشواغلها ، حركت مشاعرها واستحقت الذكر والوصف ، واختيار أرقى العبارات وأجمل الكلمات التي تفي بالغرض ، وتفضي الى معالجة ما لها من سلبيات وتجيز ما لها من إيجابيات تفيد القارئ الكريم ، والشاعرة على ما يبدو من تصفحنا لبعض نصوصها ، نذكر قصيدة “سخرية الأيام ” وقصيدة ” يا سائلي ” و شتاء بلا دموع ، وظفت أسلوب لغوي يميز حروفها ، فهي تربت بمنطقة غنية عن التعريف ” الحضنة “، موطن فحول الشعراء الملحون والفصيح ، لا شك أن لهؤلاء وقع على إبداعها وهي بالضرورة على اتصال بما يجري من أحداث وسط مجتمع محافظ جدا ، يقدس الكلمة ويجعل منها دروس معاملاته اليومية كما يعتمد عليها في تواصله مع الأخر بشكل دائم ، وعليه الشاعرة غرفت من هذا المحيط الأدبي القوي وتأثرت به في صباها ، والتأثير لدى الشاعر في نظر الأديب الجزائري الكبير عمر أزراج ، ليس ظاهرة سلبية عند أصحاب المواهب الكبيرة شرط أن تتم عمليات بناء نسيج التناص عن وعي وبذكاء وفي صورة يبدو فيها النص الإبداعي الجديد مبتكرا ومعبّرا عن تجربة حقيقية متميزة لها فرادتها ، هذا الذي نجده في كريمة عبدلي حين تطلق عبارات التلميح والترميز لأحداث تثير مشاعرها ، بالمقابل تكتب بهدوء وحكمة عندما يتعلق الأمر بمواضيع تخص الحياة بشكل عام ، وتحاول وضع يدها على مكان الوجع لتشخيص أسبابه ، وهذا الذي يلزم به الشاعر والمبدع الذي هو جزء من المجتمع وناقل أفراحه وأحزانه .
حياة الشاعر القاصة كريمة عبدلي في حد ذاتها مادة إعلامية دسمة ، يتجلى ذلك بوضوح لمن يود التطرق إلى مسيرتها الابداعية والتزامها بمآثر أجدادها ، أكيد سيسجل حرصها الشديد على الكرم والجود والنخوة العربية الأصيلة ، وعليه في الشاعرة ما لا يمكن معرفته إلا إذا قرأت لها مرات عديدة ، فهي تقبل على قول ما يسكن داخلها ويثير مشاعرها ، ثم فجأة تصمت وتكتفي بالتلميح للأشياء مكفرة عن ذنب لم تقترفه ، وكأنها تقول لي وجع وألم لكني لست من أنصار مدرسة التفاصيل الحياتية لكتابة الشعر ، باستخدام لغة مستعصية تمنحها فضاء أكبر للتعبير عن مكونات نفسها وخباياها وأسرارها ، وهذا في حد ذاته إبداع يتطلب موهبة ورصيد لغوي وخيال واسع ، يمكن صاحبه من إخفاء ما ظاهر وإظهار ما خفي ، بأسلوب فني بارع ، لا ننسى أن الشاعرة من موطن شاعر كبير غزير الإنتاج في رصيده أزيد من 2000 قصيدة شعرية ، يسمى ” محمد بن الزوالي ” رحمه الله ، تنتمي لأحد أكبر قبائل الجزائر المحافظة على الموروث الشعبي ، وأعرق الخيام ، قبيلة ” أولاد دراج ” أو الخيمة السوداء المنتشرة في 14 محافظة جزائرية ، لا شك أن عند الشاعرة تواصل وشعور بالقرب من هذا الشاعر الكبير ، علما أن الشاعر الحقيقي لا يعزل صوته عن أصوات الشعراء الأسلاف ، كما أن المنطقة أيضا متاخمة لمناطق لها باع طويل أيضا في الإبداع الشعري وطنيا وعربيا ، وعليه ما جاءت به كريمة عبدلي في ديوانها ” حين تهجرني الوسادة ” يستحق العناية والاهتمام الأكاديمي ، فثمة جوانب متصلة بإبداعها الشعري لها امتداد تاريخي مهم يجب الوقوف عندها وتناولها بالدراسة .
الديوان ” حين تهجرني الوسادة ” نتاج مسيرة أدبية طويلة قضت خلالها الشاعرة الجزائرية كريمة عبدلي قرابة ثلاثة عقود وهي تطرق أبواب مجالس الأدب ، وسجلت حضورا دائما في مناسبات عدة وطنية ومحلية ، تتولى حاليا تنشيط النادي الأدبي ” أنس ” بدار الثقافة الشهيد ﭬنفود الحملاوي بمحافظة المسيلة في الوسط الشرقي للجزائر ، كما في خزانتها دواوين شعرية ومؤلفات أدبية في القصة القصيرة ، لم تتح لها فرصة نشرها ، خاصة وأنها واجهت ظروف اجتماعية معقدة كادت تعصف بمسيرتها الأدبية ، لو لم تكن صاحبة إرادة قوية استطاعت تجاوز العقبات والعودة من بوابة ” حين تهجرني الوسادة ” ، وهذا الأهم في الفرد بغض النظر عن توجهه ، فأحيانا لا يكفي العلم وحده والمال أيضا إذا كان الإنسان لا يملك إرادة ، وليس لديه أهداف مسطرة في حياته يشتغل ويجتهد لبلوغها .
جمعنا بالشاعرة القاصة كريمة عبدلي لقاء خاطف ، وتحدثنا إليها في نقاط عدة تخص مسيرتها الإبداعية ، سألناها عن أسباب تأخر نشر أعمالها كاملة وهي التي تكتب بغزارة في الشعر والقصة ؟ ، تقول الشاعرة : الأمر بسيط اعتاد عليه معظم المبدعين عند بداية نشر أعمالهم الأولى ، كما أن الماديات أجلت نشاطي الأدبي وشكلت عائقا حقيقيا أمام بلوغ أهدافي ، وأيضا في الجانب الاجتماعي هناك أشياء كثيرة وقفت ضدي لا فائدة من سردها ، تضيف تقول : رغم ألمها ووجعها إلا أنها زادت من خبرتي في الحياة ، استوعبت منها دروسا تنير طريقي في قادم الأيام ، كيف لا ؟ وأنا الآن أقدمت على انطلاقة لا تحتاج إلى تقييم بقدر ما هي خطوة ناجحة تتبعها خطوات أخرى ، ما أتمناه فقط أن اخرج ما في خزانتي من أعمال أكتفي بصوفها غزيرة وقد تأخذ مني وقتا طويلا ، وكما هو معروف عن أدباء منطقة الحضنة على وجه التحديد غزارة الإنتاج خاصة ما تعلق بالشعر ، لذا أرشيفي ممتلئ عن أخره أتمنى فقط الوصول إلى الهدف الذي وضعته صوب عيني وأنا شابة تسكنني أحلام وتطلعات لا سقف لها ، بصراحة أشعر أني أقدمت على خطوة مقنعة مع مراعاة عامل الوقت فهو جد مهم .
وعن ما إذا تمكنت كريمة عبدلي من الظفر بما تريده في بيئة محافظة تلزمها بالتعامل مع محيط شديد الحرص على كرامة المرأة وصونها ، إلا أن هناك ما يحجب بروزها أيضا ؟ ، تقول الأديبة كريمة عبدلي : أنها فعلا وجدت صعوبة وسط مجتمع يحرص على تعلم المرأة وفي الوقت ذاته يحجبها عن العالم الخارجي ، ربما وراء هذه النقطة بالذات أسباب متصلة بالعادات والتقاليد كما هناك جزئيات أخرى تخص طبيعة المنطقة ، فأنا حرمت من مزاولة الدراسة الجامعية وحرمت أيضا من التدريس وأنا أستاذة اللغة الفرنسية في الطور المتوسط ، أجبرت على التخلي عن وظيفتي والبقاء بالبيت ، بطبيعة الحال أتحدث عن جيلي وليس عن ما هو سائد الآن ،كل شيء تغير وأضحت الأمور عادية جدا خاصة وأن معظم القرى أضحت أحياء حضارية بها مرافق لم تكن متاحة لنا زمان .
كما حدثنا الشاعرة عن شعورها وسط حاضنة أدبية ذائعة الصيت ، عادة ما يكون فيها التنافس على أشده فيبرز فيها الشعر الملحون ” النبطي ” ويعلن سيطرته على البيئة الحضنية ، في حين يرسم وجوده الجوار ومناطق متاخمة لا تقل أهمية عن ما هو موجود بالحضنة ، أولاد نائل ، أولاد جلال جوار له باع طويل في الابداع الأدبي ، تقول كريمة عبدلي : أعتز وأفتخر بوجودي ضمن هذا الوسط الأدبي المتميز ، لقد أزال مني الملل والكسل ومنحني قوة تبقيني ضمن الركب رغم العثرات ، تضيف تقول منذ أن توليت إدارة نادي أدبي يجمع كل هؤلاء الذين ذكرتهم باختلاف ثقافاتهم ورؤاهم ، أصبحت همزة وصل بين الماضي والحاضر بكل ما فيه من متغيرات فرضها علينا العصر ، فأنا مخضرمة عشت كما سبق وأن قلت زمان كانت فيه التقاليد تفرض قوانينها على الجنسين وأنا اليوم بمعية الجيل الرقمي ، وقد استفدت كثيرا من الجلسات التي أنظمها بدار الثقافة ﭬنفود الحملاوي بمحافظة المسيلة ضمن نشاط النادي الأدبي ” أنس ” ، وفي الصدد أوجه دعوة باسم مديرية الثقافة ودار الثقافة والنادي الأدبي لكل من يهمه الأمر الحضور بيننا وهو مشكور على ذلك .
أبو طارق