بقلم الاعلامي : حسين علي الأبطح .
ضجّت وسائل الإعلام منذ بضعة سنوات باتفاقٍ دولي يرتّب علاقات الكيان الصهيوني مع دولة فلسطين ومع الدول المجاورة، سُمي هذا الاتفاق (صفقة القرن). شكلت هذه الصفقة العنوان الرئيسي لعدد كبير من الزيارات والاجتماعات، العلنية منها والسريّة بين ساسة المنطقة العربية ونظرائهم الأمريكيين أصحاب هذه الفكرة في الفترة بين عامي 2017 و 2020. وتعتبر هذه الصفقة السياسية هي من إنتاج إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حيث كان اسمها (خطة ترامب للسلام)، وهو اقتراح سلام وحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي نهائياً. لكن ماذا دار في الكواليس؟ وماذا يوجد بين السطور؟ ولماذا اختفى الحديث عنها وأُزيلت من الإعلام بضغطة زر ؟ إن هذه الاتفاقية لا تقف عند حدود الأراضي الفلسطينية فحسب، بل امتدت لتشمل سائر دول المنطقة وحتى أوسع من ذلك. فبعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن الصفقة رفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتياهو، أبدى الشعب الفلسطيني والشعوب العربية رفضها القاطع لبنود صفقة القرن، خارجين في مسيرات للتنديد بهذا الاتفاق الذي يفقد العرب الفلسطينيين حقهم في العودة وإقامة دولةفلسطينية ذات سيادة، وكذلك رفض الموقف الرسمي الفلسطيني ممثلاً بالسلطة بنود هذه الاتفاقية. تضمنت وثيقة مشروع السلام الأميركي بين 175 و 200 صفحة عرف الإعلام معظم أجزائها عن طريق (تسريبات) قبل الإعلان عن بعض بنودها. وتتضمن هذه الصفقة: .نقل سفارة الولايات المتحدة وباقي السفارات للقدس. . ضم القدس بشكل كامل وإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني وكذلك ضم مستوطنات في الضفة الغربية. . إسقاط حق العودة لكل الفلسطينيين المهجرين في الضفة الغربية واللاجئين في دول الجوار والحصول على تنازل منهم وتهجيرهم إلى أوروبا وكندا. . نقل عاصمة فلسطين إلى قرية أبو ديس الصغيرة في ضواحي القدس. . السماح بإقامة كيان فلسطيني منزوع السلاح على أراضي غزة وجزء من شمال سيناء. وقد بدأت بالفعل عام 2018 حملة واسعة لتطهير سيناء من وجود التنظيمات الإسلامية هناك، حيث سمحت مصر للطيران الإسرائيلي بالولوج لأجوائها والقيام بعدة ضربات على مراكز تواجد هذه التنظيمات تمهيداً لتنفيذ أي بندٍ من بنود الاتفاقية التي وضعت شمال سيناء ضمن الأراضي التي سيتخذها الفلسطينيون أرضاً لدولتهم الجديدة. لقد ساعدت الحملة الإعلامية الكبيرة التي مضت بالتوازي مع الكشف عن بنود الصفقة، بالترويج لصفقة القرن ونشر حيثياتها، فباتت هذه الصفقة الشغل الشاغل لوسائل الإعلام المرئية والمقروءة وكذلك المسموعة في هذه الفترة، وكان ذلك مقصوداً من قبل الأمريكيين والإسرائيليين لمعرفة ما هي ردة الفعل في الداخل الفلسطيني، وكذلك الرأي العربي الرسمي والشعبي. فبعد نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس كخطوة أولى من الألف ميل الذي حدده ترامب ضمن صفقته هذه، رفض الشعب الفلسطيني هذه الحركة وامتدت المظاهرات والمسيرات لتشمل محيط القدس، مع مناوشات مع قوّات الاحتلال في عدة مناطق من الضفة الغربية، ليحصل ترامب ونتنياهو على النقطة السوداء الأولى لصفقتهم. إنّ هذه (البروباغاندا) إن صح التعبير، ما هي إلا خطة ممنهجة لتقصي حقيقة ما وصل إليه الفكر العربي بشكل عام، والفكر الفلسطيني خصوصاً بالنسبة للكيان الصهيوني، وإمكانية تكوين صداقة مستقبلاً مع الدولة الدخيلة والتعايش السلمي مع شعبها الذي استوطن أرض ليست له. فقد كان من غير الممكن مثلاً طرحُ هذه الخطة من عشرين سنة أو قبل ذلك. كان سيحصل الأمريكيون والإسرائيليون على ردة فعل قوية ستكلفهم أرواحاً كثيرة وربما حرباً طويلة الأمد مع الشعب الفلسطيني ومع دول أخرى في المنطقة. وارتأى مبتكرو هذه الصفقة إطلاقها الآن لمعرفة ما آل إليه العقل العربي في هذا العصر وما هو رأيهم بالنسبة للصداقة مع الكيان الصهيوني. اختفى اسم (صفقة القرن) بشكل نهائي، واندثر الحديث عنها في ظروف غامضة بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من دخولها حيز التنفيذ، لكن … لماذا؟ هل بسبب اقتراب الانتخابات الأمريكية في عام 2020 ؟ ومنذ متى تتوقف السياسة الخارجية الأمريكية أو تتغير تغييراً جذرياً خصوصاً بالنسبة للشأن الإسرائيلي إن بقي رئيسها أو تغير، بوجود انتخابات أو بدونها؟ لقد ارتأى المراقبون الأمريكيون والصهاينة أن توقيع مثل هكذا اتفاق، سيكلف الكيان خسائر كبيرة وربما سيدخلها في حرب مع الفلسطينيين بكل أطيافهم. وعرف المعنيون والخبراء ما يجب أن يفعلوه الآن ولاحقاً، فقد وصلوا إلى مبتغاهم وهو معرفة الحد الذي وصلت إليه الشعوب والحكومات العربية بالنسبة للقضية الفلسطينية، وعادوا إلى حربهم الفكرية والإعلامية وزراعة أفكار جديدة بعد التي زرعوها ببنود هذه الصفقة، ليحصدوا ثمرتها بعد عشر سنوات أو أكثر كما هو العادة التي مضوا فيها منذ عقود، وتأجل اتفاق السلام الكامل والشامل إلى جيلٍ جديد. وبدأت الولايات المتحدة برعاية حملة اتفاقات السلام مع الكيان من قبل بعض الدول العربية، ليحاصروا الشعب العربي الفلسطيني ويجبروهم على الرضوخ لكل قراراتهم. فالآن، يجري التحضير لصفقات واتفاقات أقوى من التي رأيناها، تدور في كواليس مسرح البيت الأبيض ليعوضوا الحبر الذي سال على هذه الصفقة المزيفة، بدماء أهل الأرض وأصحاب الحق …