ستيفان مالارميه شاعر فرنسي من رواد الرمزية، ولد في باريس. فَقَد والدته وهو في الخامسة فتولى تربيته وشقيقته الصغيرة جدّاه لوالدته، على أثر زواج والده الموظف الإداري. ثم وُضع في مدرسة داخلية حتى نهاية دراسته الثانوية. تألم كثيراً لفقد شقيقته عام 1857 ووالده عام 1863. كان حالماً في طفولته وأحب الشعر وبدأ نظمه قبل بلوغه العشرين، وأدهش قراءه بسلامة لغته وجودة أسلوبه. وأُغرم وهو في العشرين بفتاة ألمانية تدعى ماريا غيرهارد ، كانت تكبره ببضع سنوات، ثم سافرا إلى بريطانيا وتزوجا عام 1863 حيث حصل على شهادة تأهيل لتعليم اللغة الإنكليزية. كان الزواج له واجباً أراد أن يتفرغ بعده للشعر الذي يتطلب، في رأيه، تضحية وتفانياً. ونظم في هذه المرحلة قصائده «النوافذ». واكتشف مع نضوج شخصيته أن مهنة التدريس التي بدأ يزاولها في مناطق مختلفة من فرنسا تبعث فيه الكآبة، التي لم تتلاشَ في عش الزوجية، كما أن ولادة طفلته عام 1864 لم تمنحه السعادة، إضافة إلى أن رتابة الحياة وتفاهتها ـ كما يقول ـ زادت من حزنه وتشاؤمه.
كان مالاّرميه يتطلع إلى هدف أسمى، إلى شعر يحلّق به عالياً. وكانت السماء الزرقاء بصفاء لونها هاجسه، فترجمت أبياته رغبته في التقرب من الكائن أو من الجمال المطلق. وفي عام 1866 قدم مالاّرميه عشر قصائد للنشر في صحيفة «البارناس المعاصر» ، وأشهرها «النوافذ» و«اللون اللازوردي» و«نسمة بحرية».
وباستثناء إعجابه بالشاعر ڤكتور هوغو، أراد أن يتجاوز مفهوم الشعر التقليدي الذي لم يشهد، في رأيه، تطوراً ملموساً منذ القرن السادس عشر، متجهاً نحو مفهوم جديد مبتكر كانت ثمرته الدراما الشعرية .التي بقي منها بعض المقتطفات أوحت بعد ربع قرن لديبوسي بتلحينها، وقصيدة ريفية بعنوان «بعد ظهيرة إلهِ الريف الأسطوري» نشُرت عام 1876 ووضع موسيقاها إريك ساتي. وتعد هذه القصيدة نقيض الأولى، فالبطلة هيرودياد فائقة الجمال، وتمثّل الرغبة الحسية المفقودة في بحثها عن الطهارة الخالصة، أما إله الريف فيجسد الرغبة الحسّية الشهوانية وغير المشبعة.
وجد مالاّرميه نفسه عندما عُين مدرساً في باريس في خريف عام 1871 في وسط أدبي وفني أوسع من الحلقة التي ألّفها مع شعراء لغة جنوبي فرنسا المحكية فأشبع هوايته الأدبية والموسيقية وفُتحت أمامه أبواب أوصلته إلى الشهرة. ولم يمتنع من مواكبة ذوق العصر في التوجه نحو أسلوب أدب الانحطاط. كما كان معجباً بالشاعر تيوفيل غوتييه رائد الحركة الأدبية: «الفن للفن» فكتب تكريماً له بعد وفاته بعام «نخب تأبيني» كما كتب «ضريح إدغار بو» شاعره المثالي الذي حذا حذوه.
فقد مالاّرميه في عام 1879 طفله أناتول ذا السبع سنوات، فزادت عزلته وبقيت نخبة قليلة إلى جانبه، وكان زواره من المشاهير أمثال كلوديل وجيد وڤاليري وبما أنه لم يكن يبحث عن الكسب المادي أو الشهرة لُقِّب بشهيد الشعر. وكانت مقالة صديقه ڤيرلين أحد أسباب شهرته المتسارعة.
تميز شعر مالاّرميه بالأصالة فطبيعته المغلقة وتفكيره العاطفي أوصلاه إلى تيار الهرمسية المتسم بالغموض والاستغلاق، فشعره محاط بالغموض، ولا يعرف القارئ أين تبدأ قصيدته وأين تنتهي. اكتفى مالاّرميه بنخبة من القراء فقط ولجأ إلى الإضمار والإيجاز والتعقيد، يختار كلمته لا لمدلولها بل لجَرْسها متحدثاً بالرموز والإيحاء؛ لذا نال إعجاب الرمزيين. كما أنه لم يترك شيئاً للمصادفة، فبدت كلماته متماسكة ومتناغمة بإحكام وكأنها معزوفة من دون آلة موسيقية. وتخيل مالاّرميه قواعد لعبة خاصة به لنظم أبياته بفكر علمي رفيع، وبالتالي يؤخذ عليه قطيعته مع القارئ العادي.
له أيضاً قصيدة نثرية في عشرين صفحة نشرها عام 1897 تحت عنوان «رمية النرد لا تلغي أبداً مصادفة الحظ» .
توفي مالارميه في فالفان إحدى ضواحي باريس بتاريخ التاسع من أيلول – سبتمبر عام 1898 .
إعداد : محمد عزوز