ترجمة مروة الشامي – سلاب نيوز
لقد حقّق المسلّحون في سوريا في الأشهر الأخيرة سلسلةً من المكاسب ضد الجيش السوري، وبالأخص في إدلب وتدمر، بالإضافة الى مدينة الرمادي في العراق. ونظرًا لاتّخاد قوى المعارضة منذ بداياتها الأولى "منحىً طائفيًا واضحًا"، حسب التقرير الأخير الذي أصدرتهJudicial watch، وبخاصة لجهة سيطرة "داعش وجبهة النصرة… بالإضافة إلى غيرها من الجماعات الجهادية المتطرفة" على هذه القوى، ونظرًا لأنه "في الواقع ليس هناك إمكانية للفصل بين المتطرفين وحلفاء أميركا المعارضين المفترض أنهم معتدلون"، ودائمًا بحسب Judicial watch، فإنه ليس من المستغرب أن تكون كل المكاسب الأخيرة قد تحقّقت على يد الإسلاميين المتشددين. إنّ تطرّف المعارضة في سورية هو نتيجة لبرنامج سري بقيادة أميركا ووكالة المخابرات المركزية، بالتواطؤ مع الحلفاء الإقليميين لتوسيع قاعدة المعارضة في سورية وتعزيز صعود المتمردين الإسلاميين ضد الحكومة السورية، بحسب ما جاء في تقريرٍ نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في حزيران/يونيو من العام 2012.
هذه التطورات الأخيرة هي نتيجة لزيادة الدعم من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لأتباعها داخل سوريا. مؤخرًا وقّعت كل من تركيا والمملكة العربية السعودية، اللتان تعملان من مراكز القيادة التي تقودها الولايات المتحدة في تركيا والأردن، اتفاقًا في أوائل آذار/مارس لتنسيق دعمٍ مشتركٍ لتنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة الأخرى من أجل مواصلة مهاجمة الحكومة السورية. صحيفة "هافينغتون بوست" نقلت عن أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للجيش السوري الحر، تأكيده أنّ هذا التنسيق الجديد قد سهّل تقدم المتمردين الأخير. لقد ساهم الاتفاق في وقتٍ لاحقٍ في تحقيق سيطرة تنظيم القاعدة على إدلب في أواخر شهر آذار/مارس، حيث أنشأت الدولتان مركز قيادةٍ مشتركة لزيادة التنسيق وقيادة وكلائهم المتطرفين من المحافظة التي تمّ الاستيلاء عليها. هذا ما يشرح الاتّهامات التي وجهتها مصادر الحكومة السورية لتركيا باعتبار تدخلها عاملًا أساسيًا في سقوط إدلب. إلّا أنّ هذه المدينة هي عاصمة المقاطعة الثانية فقط التي يسيطر عليها المسلحون خلال الحرب التي استمرت لأربع سنوات كاملة، بعد الرقة التي تعتبر اليوم العاصمة الفعلية للدولة الإسلامية الوهمية. بالإضافة إلى الدعم التركي والسعودي لمتطرفي تنظيم القاعدة، فإنّ الولايات المتحدة قد زادت دعمها للإسلاميين أيضًا.
في أوائل شهر أيار/مايو، أكد تشارلز ليستر من مركز معهد بروكينغز في الدوحة أنّ "غرف العمليات التي تقودها الولايات المتحدة في جنوب تركيا والأردن قد شجّعت على توثيق التعاون مع الإسلاميين لقيادة العمليات في الخطوط الأمامية"، وأثناء قيامها بذلك "زادت بشكلٍ كبير مستوى مساعدتها ومعلوماتها الاستخباراتية" لهذه المعارضة التي يقودها الإسلاميون، والتي أدت إلى انتصار القاعدة في إدلب. إذًا، لم تقتصر الولايات المتحدة على الدعم الكامل للمعارضة منذ البداية، من تنسيقٍ وقيادة، بل شاركت مؤخرًا أيضًا في دعم تنظيم القاعدة جنبًا إلى جنب مع حلفائها الأتراك والسعوديين والقطريين.
وقد سهّل هذه التطورات المدعومة من الغرب تسليم أسلحة جديدة متطورة كفيلة بتغيير قواعد اللعبة للمتطرفين، بما في ذلك صواريخ تاو المضادة للدبابات. وقد أفادت صحيفة الجارديان البريطانية في تقريرٍ نشرته في 23 أيار/مايو 2015 بأنّ نتائج هذا التسليم "كانت صادمة، حيث سقطت العاصمة الإقليمية لإدلب في غضون أيام. بعد عدة أسابيع، سقطت بلدة قريبة من جسر الشغور أيضًا بيد الجهاديين". فيما أشارت صحيفة ديبكا الأسبوعية الى أنّ كل هذا يحصل "نتيجة وصول الأسلحة الثقيلة إلى أيدي المعارضة السورية من قبل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وتركيا، بمباركة أميركية، بعد تردّدٍ طويل في واشنطن".
وقد ترافق الدعم التشجيعي الأميركي الأخير للإسلاميين بالإضافة الى الدعم السعودي والتركي للفصائل التابعة لتنظيم القاعدة، مع تزويد شحناتٍ جديدةٍ من الأسلحة المتطورة للمتشددين، ما ساهم في التقدّم الذي أحرزته هذه القوى في الآونة الأخيرة.
من جهتها، بذلت دولة قطر الجهود لإقناع زعيم جبهة النصرة للنأي بنفسه عن تنظيم القاعدة، وتصوير النصرة كما لو أنها لا تخطط لمهاجمة الغرب، في محاولةٍ لتبرير هذه الزيادة في المساعدات. لكن من المهم التأكيد على أنّه "إذا تمّ حلّ النصرة وتخلّت عن تنظيم القاعدة، فإنّ أيديولوجية الفصيل الجديد ليس من المتوقع أن يتغير"، في حين أنها قائده سيبقى "مقرّبًا من زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري". وفي مقابلة مع القناة القطرية، الجزيرة، صرّح زعيم تنظيم النصرة، الجولاني، بأنّ النصرة لا تخطط لمهاجمة الغرب، إلا أنّه يجدد الولاء الكامل للظواهري، بعكس التمنيات القطرية. وعلى الرغم من فشل إعادة تصنيف فصيل تنظيم القاعدة في سوريا، إلّا أنّ الجماعة لا تزال تتلقى زيادة كبيرة في المساعدات والدعم من أنصارها في منطقة الخليج وتركيا والولايات المتحدة.
ونظرًا لهذا، توافقت كلّ من الولايات المتحدة وتركيا مؤخرًا "من حيث المبدأ" على إقامة منطقة حظر جوي لمواصلة مساعدة القوات التي تؤيدانها على الأرض، بحسب تقريرٍ نشرته الغارديان في 25 أيار/مايو الفائت. وهذا أمرٌ غير قانوني، مخالف للقانون الدولي، وهو دعمٌ للمنظمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة على شكل هجماتٍ جوية ضد الدولة السورية، كما أنه سيكون مدمرًا للمنطقة، ولن يفيد إلّا أنصار الحكم الإسلامي الرجعي والهيمنة الإمبريالية الغربية.
وللأسف، فإنّ الفصائل المرتبطة بتنظيم القاعدة ليست الوحيدة التي تدين بنجاحاتها الأخيرة لأسيادها الغربيين، بل إنّ وضع داعش مشابه. عندما استولى داعش مؤخرًا على الرمادي في العراق، فإنّ عناصره سافرت لمسافة 553 كيلومترًا كاملة عبر الصحراء المفتوحة إلى المدينة، من عاصمتهم الفعلية في الرقة في سوريا.
على الرغم من أنّ تدمير المسلحين على طول هذا الطريق يمكن أن يكون مشابهًا لإطلاق النار على أسماك داخل برميل، إلّا أنّ تحالف "مكافحة داعش" الأميركي لم ينفق غارة جوية واحدة ضدهم، رغم امتلاك الولايات المتحدة "معلومات استخباراتية هامة حول هجوم داعش المنتظر في الرمادي، الأمر الذي كان سريًا بالنسبة للجيش الأمريكي، في ذلك الوقت". وبحسب الكاتب إلي لاك في بلومبرغ، فإنّ "أجهزة الاستخبارات الأميركية قد حصلت على تحذيرٍ حول هجوم جدي تحضّره داعش للرمادي، لأنها كانت قادرة على التعرف على قوافل المدفعية الثقيلة والقنابل السيارة" التي كانت قادمة من الرقة. وأضاف لاك في تقريرٍ نشر في 28 أيار/مايو الفائت أنّ مسؤولين أمريكيين اعتبروا أنّ هذا الهجوم "لم يفاجئ أحدًا".
تعليقًا على هذه التطورات، كتب العميل السابق في الاستخبارات البريطانية، اليستر كروك، في صحيفة هافينغتون بوست أنّ "صور القوافل الطويلة من آليات داعش من نوع تويوتا ولاند كروزر، مع شعارات سوداء تلوح في مهب الريح، تشق طريقها من سوريا – على طول الطرق الرئيسية صحراء خالية – الى الرمادي مع عدم تحريك أي طائرة أمريكية ساكنًا، تحتاج بالتأكيد للشرح. لا يمكن أن يكون هناك هدفًا أسهل من قافلةٍ للمركبات، على طريقٍ رئيسي، في وسط الصحراء".
عند وصول داعش الى الرمادي، أطلق التحالف الأمريكي نحوه 7 ضربات جوية تافهة، وهو رقمٌ منخفضٌ لا يقدّم شيئًا. وللتخفيف من حدّة الاتهامات بسماح الولايات المتحدة علنًا لداعش بالسيطرة على الرمادي، ألقى الجيش الامريكي اللوم على "عاصفةٍ رمليةٍ" كبيرة وقوية بأنها سبب التقنين في الضربات الجوية. إلّا أنهم تراجعوا عن هذه التصريحات الكاذبة بعد أيامٍ فقط. حيث أفادت الـ"ABC" في 21 أيار/مايو أنّ "العقيد ستيف وارن، المتحدث باسم البنتاجون، قال للصحفيين اليوم أنّ العاصفة الرملية في نهاية الأسبوع الماضي لم تؤثر في قدرة الائتلاف على شنّ ضرباتٍ جوية في الرمادي".
لو أنّ التحالف الأميركي كان جادًا بشأن وقف داعش، لكان بإمكانه تدميره بسهولة في هذا الوقت. إلّا أنه بدلًا من ذلك، يفتش دائمًا عن مبرّر، حيث كانت حجته الأخرى الخوف من التسبب بمقتل مدنيين بسبب الغارات. ولكن هذا العذر مثيرٌ للضحك، وبالتالي يمكن تجاهله تمامًا. إذ لا يحتاج المرء إلّا أن ينظر إلى عدد القتلى المدنيين الذي سقطوا أثناء غزو العراق، ودعم الولايات المتحدة لهجوم "إسرائيل" على غزة في الصيف الماضي والذي تسبب بإبادةٍ جماعية، والدمار الذي لحق بأوكرانيا بعد تسهيلاتٍ أميركية، بالإضافة الى حملة الطائرات بدون طيار العالمية، ودعم الولايات المتحدة للسعودية لتفجير اليمن، ليتيقّن أنّ المسؤولين الغربيين ينامون على دماء المدنيين الذين تلطخت بهم أياديهم".