بقلم :هشام الهبيشان .
لايمكن أنكار حقيقة أن مسارات عمل الجيش العربي السوري وحلفائه بالميدان والرامية بمرحلتها الأولى إلى تحرير أجزاء واسعة من ريفا حماه الشمالي والغربي ،وريفا أدلب الجنوبي والجنوبي الغربي والغربي ،وريفا حمص الشمالي والشرقي ، تعدّ هزيمة كبيرة لمشروع قوى العدوان على الدولة السورية والتي كانت تسعى خلال الإشهر الأربعة الماضية لاستغلال هذه المناطق والخواصر الرخوة لإعادة رسم موازين القوة الميدانية في سورية، ولكن اليوم ومع بدء تحرير هذه المناطق من قبل الجيش العربي السوري وحلفائه ،وتساقط المجاميع الارهابية المسلحة تحت ضربات الجيش العربي السوري، فهذا التحرير للأرض سيحدث تغييراً جذرياً في الخريطة العسكرية السورية بشكل كلي ، وهنا ينبع الخوف الأميركي والتركي والسعودي تحديداً من خسارة هذه المجاميع المسلحة الأرهابية للمزيد من حصونها وانهيارها واحداً تلو الآخر، وهذا ما لا تريده أميركا وحلفاؤها على أقل تقدير في الوقت الراهن.
هنا وبهذه المرحلة تحديداً من عمر الحرب المفروضة على الدولة السورية نستطيع أن نرسم خطوطاً عامة لكل الأحداث التي عشنا تفاصيلها بالساعات القليلة الماضية، ولنبدأ برسم هذه الخطوط العامة بحديث لإحدى الدول التي ترعى الحرب على الدولة السورية وهي السعودية، فقد أعلن مسؤولوها وبشكل صريح أن بلادهم قدمت وستقدم أسلحة وبشكل مستعجل للمجاميع المسلحة بالشمال والجنوب السوري عن طريق تركيا و"إسرائيل"،وهي تسعى وبقوة وبالشراكة مع الأتراك و"الإسرائيليين"،لعدم السماح بأنجاز ميداني للجيش العربي السوري،يكسر من خلاله قواعد الاشتباك ومعادلات التوزان العسكري على الارض السورية .
ولا يخفى هنا أيضاً أن الأميركيين والأتراك و"الإسرائيليين" كانوا وما زالوا يقدمون السلاح ويدربون أعداداً كبيرة من هذه المجاميع المسلحة، داخل وخارج الجبهة الشمالية والجنوبية السورية، وقدموا إضافة إلى السلاح أيضاً الإمداد اللوجستي والطبي لهذه المجاميع المسلحة بالجنوب والشمال السوري، وبدورها فالحكومات البريطانية والفرنسية وغيرها لا تخفي أيضاً أنها قدمت كما قدم غيرها لهذه المجاميع الإرهابية المسلحة وخصوصاً على الجبهة الشمالية السورية.
البعض يقرأ ان هذا الدعم السخي من هذه الدول للتنظيمات السلحة في سورية ،هو رد على الدعم الروسي العسكري للدولة السورية بحربها على الإرهاب ،والواضح هنا " أن قادة وصناع القرار "الأميركي -الفرنسي -التركي –السعودي" بدأوا يدركون أكثر من أي وقت مضى أن مشروعهم بدأ بالانهيار وأن الدولة السورية بدأت بالاستدارة نحو تحقيق نصرها على هذه المؤامرة، فاليوم هناك تقارير عدة ودراسات صدرت من مراكز أمريكية وفرنسية وبريطانية وألمانية وغيرها، وجميع هذه التقارير والدراسات تتحدث عن قرب هزيمة مشروع هذا التحالف العدواني على الدولة السورية وعن حقيقة أنتصار سورية وحلفاؤها، هذه التقارير بمجملها دفعت هذه الدول الشريكة بالحرب على سورية، باتخاذ قرار التصعيد الميداني والعسكري للحدّ من مسار تحرير الجيش العربي السوري لمناطق جديدة، هذا التصعيد كما خطط له شمل مناطق وجبهات عديدة، ولم يفرق هذه المرة بين "معارضة مسلحة معتدلة ومعارضة مسلحة إرهابية" بحسب التصنيف الأميركي، المهم هو إنجاز هذه المجاميع المسلحة على مختلف مسمياتها لواقع جديد على الأرض السورية، يحد من تمدد الجيش العربي السوري، ويكون بمثابة الإشغال للجيش العربي السوري عن معاركه الرئيسية.
ومن هنا فقد بات من الواضح أن أميركا ومعها باقي القوى الكبرى المشاركة بهذه الحرب على الدولة السورية، مصممة وأكثر من أي وقت مضى على التدخل بشكل شبه مباشر بالمعركة لتأخير إعلان نصر الدولة السورية، ومعهم بالطبع السعوديون والأتراك و"الإسرائيليون" فهؤلاء بمجموعهم حاولوا وما زالوا يحاولون المس بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة السورية وأمنها القومي لخدمة مصالح هذا المعسكر الصهيو -أميركي.
ومن هنا نقرأ وبوضوح أن الدولة السورية تعيش الآن فترة صراع مفتوح مع قوى كبرى بهذا العالم، فاليوم أصبحت الدولة السورية وحلفاؤها بحالة حرب شبه مباشرة واشتباك شبه مباشر مع مشغلي المجاميع المسلحة الأرهابية على الأرض السورية، فهي اليوم تحارب هذه القوى الكبرى، وجهاً لوجه فاليوم انتهت حرب الوكلاء، وجاء الأصلاء لأرض المعركة بعد أن استشعروا فشل مجامعيهم المسلحة على أرض المعركة في كل ساحات المعارك على امتداد الجغرافيا السورية، وخصوصاً بالجبهتين الشمالية والوسطى.
اليوم هذه القوى، تسعى لفتح مسار جديد للمعركة، اليوم هدفهم هو القنيطرة ودرعا ودمشق والحسكة ودير الزور وريف اللاذقية وو الخ… كما يستميتون اليوم بمعركتهم بـ"مدينة حلب" في محاولة يائسة لتحقيق إنجاز ما على الأرض يعيد خلط الأوراق من جديد بما يخص الوضع الميداني للمعارك على الأرض السورية وبمدينة حلب تحديداً، ومن هنا بدؤوا يناورون مؤخرا بفزاعة المناطق الآمنة ومناطق الحظر الجوي بمدينة حلب وريفها.
اليوم هناك حقيقة لا يمكن إنكارها ومفادها، أن هذه القوى الشريكة في الحرب على سورية قد فشلت هي ومجاميعها المسلحة باستراتيجية مسك الأرض والتقدم فنرى أن كل محاولاتهم لإحداث خرق ميداني بالجنوب السوري قد باءت بالفشل، كما نقرأ أن محاولاتهم لاستثمار غزوة إدلب للتقدم نحو مناطق أخرى أيضا قد باءت بالفشل، وهذا الأمر بالطبع ينسحب على مناطق حلب والحسكة ودير الزور وحماه وحمص واللاذقية، فقد افشلت وأسقطت تقريبا جميع المخططات التي كانت تستهدف عموم هذه المناطق، فالجيش العربي السوري أدار المعركة بحرفية ونجح بالمحصلة بإسقاط وإفشال هذه المخططات من خلال استيعاب طبيعة الحرب ومساراتها الجديدة التي كانت تستهدف سورية كل سورية من دون استثناء.
ختاماً، وبهذه المرحلة بالذات هناك مجموعة من اللاءات السورية والروسية والإيرانية والصينية ومفادها أن مصير هذه الخطط والمخططات أن تزول وان تعلن فشلها قبل حصولها فاليوم الجيش العربي السوري وبالتعاون مع حلفائه يدك أوكار المجاميع المسلحة الإرهابية أينما وجدت بالإضافة إلى أن الشعب السوري استشعر خطورة المرحلة "الحالية"، وقرر أن يكون بمعظمه بخندق الدولة، لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة وجودية بالنسبة لسورية كل سورية، ولا بديل من النصر لإنقاذ سورية من ما يتهددها من خطر داهم، هكذا يجمع معظم السوريين اليوم ويلتفون حول دولتهم الوطنية، فاليوم تيقن معظم السوريين من أن هناك مؤامرة قذره تستهدف سورية كل سورية جغرافيا وديمغرافيا وأيقن هؤلاء بأن لا حل بسورية إلا بدحر الإرهاب ورجسه عن أرض سورية الطاهرة ولذلك نرى أن إرادة معظم السوريين تتوحد اليوم من أجل الحفاظ على هوية سورية الوطن والإنسان والتاريخ والحضارة والهوية، وهذا بدوره سيسرع من إنجاز الاستحقاق التاريخي السوري، والمتمثل بالنصر القريب على هذه الحرب والمؤامرة الكبرى التي تستهدف سورية كل سورية.
*كاتب وناشط سياسي –الأردن .