Foreign Affairs
اعتبر اثنان من كبار الباحثين الاميركيين في قضايا المنطقة ان على واشنطن ابداء المرونة خلال المفاوضات الاممية حول سوريا، وذلك لأن الرئيس بشار الاسد ينتصر عسكرياً.
ونشرت مجلة "Foreign Affairs" مقالة كتبها كل من "Joshua Landis" وهو من ابرز الباحثين الاميركيين المختصين بالشأن السوري، و"Steven Simon" الذي شغل منصب "مدير شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا" في البيت الابيض بين عامي 2011 و 2012، وحملت هذه المقالة عنوان "Assad Has His Way" (أي أن التطورت سارت لصالح الاسد).
وقد شدد الكاتبان على ان "الرئيس بشار الاسد ينتصر في سوريا، مشيرين بالوقت ذاته الى ان روسيا قد غيرت ميزان القوة هناك "بشكل دراماتيكي". وعلى ضوء ذلك رأى الكاتبان ان الرئيس السوري لا ينوي ابداً القبول بالمطالب الغربية للتخلي عن السلطة في النهاية لصالح المعارضة، مشددين على ان الاسد يسعى الى "تحقيق الانتصار على الميدان". وعليه حثا الولايات المتحدة على ابداء المرونة في توقعاتها واهدافها خلال المفاوضات الاممية حول سوريا، وذلك بسبب تغير الميزان العسكري على الارض.
واكد الكاتبان أن السبب الاساس "لثقة الاسد المتجددة" هو التحول في الجانب العسكري. وفي هذا الاطار تحدثا عن حالة التفتت بين الجماعات المسلحة في سوريا، واستشهدا باغتيال ما يزيد عن عشرين زعيماً للجماعات المسلحة، اغلبهم على ايدي فصيل تابع "لجيش النصرة" الذي هو تحالف يتألف من عدد من الجماعات المسلحة المعادية للنظام. وعليه لفتا الى ان المسلحين الذين دربتهم وسلحتهم الولايات المتحدة قد "سحقوا ليس على ايدي الاسد، بل على ايدي متمردين آخرين".
وفي نفس الوقت، اشار الكاتبان الى ان الجيش الروسي يقوم بقصف مكثف ضد جيش النصرة منذ اشهر، وتحدثا عن قرابة مائتي غارة جوية روسية يومياً، ما سمح "للاسد وحلفائه بالانتقال الى الهجوم في شمال وجنوب سوريا". كما اعتبرا ان تراجع احرار الشام عن موقفها وموافقتها على الذهاب الى مفاوضات جنيف يدل على حالة من اليأس لدى الجماعة.
هذا واستبعد الكاتبان خسارة الاسد او محاصرته في كانتون عرقي علوي، لكنهما توقعا ان تستغرق عملية استعادة النظام بقية المناطق السورية سنوات، وشددا على ان الكثير من الامور في هذا الاطار تعتمد على سياسات تركيا ودول الخليج. كما قال الكاتبان ان السوريين الاكراد قد يقبلون بنظام الحكم الذاتي ضمن الدولة السورية بدلاً من الاستقلال الكامل مقابل الحماية من تركيا. واضافا ان الاسد ايضاً قد يقبل بمقاطعة كردية على اساس انها قد تلعب دور المنطقة العازلة بوجه تركيا.
الكاتبان شددا على ان رد فعل اوباما الاول على دخول روسيا الى الحرب كان تأكيده انه "لن يجعل سوريا ساحة للحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة و روسيا"، وعلى ان هذا الموقف ينسجم ورفض الادارة الاميركية "الذهاب ابعد من دعمها الحالي لعدد صغير من الجماعات المسلحة المعادية لنظام الاسد".
الا انه في الوقت ذاته، اعتبر الكاتبان ان اوباما لم يسلم سوريا الى روسيا بشكل كامل، بل اعتمد اسلوب توزيع المهام، حيث تحارب الولايات المتحدة داعش في شرق البلاد، بينما تحارب روسيا اعداء الاسد في الغرب. كما ذكّرا بأن اوباما انما يعتقد بأن روسيا ستفشل في مسعاها لاعادة سيطرة الاسد على كل انحاء البلاد، كما فشلت في افغانستان، اذ ان اوباما كان توقع ان تتحول الحرب في سوريا الى مستنقع "يجبر موسكو على العودة الى الولايات المتحدة من اجل التوصل الى حل تفاوضي".
غير انهما اشارا الى ان المسؤولين الروس من جهتهم يعتبرون مقارنة سوريا بافغانستان أنها في غير محلها، وان المقارنة الانسب هي الشيشان حيث تمكنت روسيا من هزيمة المتمردين عبر استخدام القوة الجوية. ولفتا الى حديث المسؤولين الروس ان المعارضة السورية لا تتلقى اي اسلحة مضادة للطائرات من اي طرف خارجي، وذلك خلافاً لافغانستان حيث قامت ادارة الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغن بتسليح المقاتلين بهذه الاسلحة ضد الاتحاد السوفييتي.
ورأى الكاتبان ان الانتقادات الموجهة الى سياسة اوباما في سوريا والتي تحمله مسؤولية نشوء داعش وحالة الراديكالية في سوريا هي في غير محلها، حيث قالا انه لم يكن باستطاعة اوباما القيام بشيء لمنع المعارضة من ان تصبح راديكالية او من تشكيل الميليشيات بناء على الانتماء العشائري والقروي. واعتبرا ان الدليل على ذلك هو ان الراديكالية والتجزئة قد اجتاحت كل بلدان الشرق الاوسط التي شهدت تغيير الانظمة عبر القوة، سواء كان العراق او اليمن او ليبيا،مشددان بنفس الوقت على ان "الليبراليين السوريين" لا يتمتعون بالاعداد او القوة الكافية لتسلم السلطة او ابقاء البلد موحداً.
كما شدد الكاتبان على ان الوضع في محافظة ادلب، حيث تحكم الجماعات المسلحة، هو خير دليل على فشل "المتمردين" بتقديم بديل عن الاسد يكون مقبولاً. واشارا الى انتشار صور زعيم القاعدة السابق اسامة بن لادن واعمال النهب للمكاتب الحكومية. كذلك اضافا ان "طلبنة ادلب" (المقصود طبعاً حكم شبيه لنظام طالبان) ادى لفرار ما يزيد عن مائة عائلة مسيحية من هذه المحافظة، وان العائلات الدرزية القليلة التي بقيت اجبرت على التخلي عن دينها، علاوة على تفجير بعض الاضرحة الدينية الدرزية. وشددا على عدم وجود اقليات دينية مطلقاً في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة في سوريا، سواء كانت ادلب ام غيرها. واعتبرا ان كلام "المتمردين" ان القصف الذي شنه الاسد هو المسؤول عن التحول نحو الراديكالية في غير محله، اذ ان العملية ذاتها حصلت في دول اخرى.
وقال الكاتبان إن "الولايات المتحدة ستساعد سوريا" على حد قولهما، لكنهما اكدا على ان واشنطن لن تقوم بذلك من خلال اعلان الحرب على النظام او على حليفه الروسي. كما اكدا على ان الولايات المتحدة لن تساعد من خلال تقسيم البلد بين منطقة شرقية فقيرة حيث تبقى الولايات المتحدة في حرب دائمة مع الجهاديين، ومنطقة غربية غنية "للروس والاسد".
وفي الختام دعا الكاتبان الولايات المتحدة وحلفاءها الى مواصلة العمل باتجاه عملية انتقالية دبلوماسية "تؤدي بالنهاية الى رحيل الاسد"، وتشجع على اتفاقيات وقف اطلاق النار وتخفض مستوى العنف وتواصل كذلك محاربة "داعش". كما اكدا على اهمية اعطاء اولوية لوحدة سوريا وتبني نهج مرن يأخذ في الاعتبار تفوق الاسد، معتبرين ان لا بديل لواشنطن عن ذلك
بيروت نيوز .