كتب علاء حلبي في السفيراللبنانية
على مقربة من مواقع العمليات العسكرية في ريف حماه الشمالي، الذي يشهد تقدّماً للجيش السوري لاسترجاع المناطق التي اخترقها مُسلّحو «جند الأقصى»، يقع أحد أبرز الأسواق التي أفرزتها الحرب السورية، وأكثرها «ربحاً». قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها الـ 300 نسمة، تحوّلت خلال الحرب إلى مركز التهريب الأكبر وسط سوريا، بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق نفوذ المُسلّحين والجماعات «الجهادية».
تعدّ أبو دالي، التي تقع على بعد نحو 35 كيلومتراً شمال شرق حماه، والتي لا يتجاوز عدد سكانها الأصلي الـ 300 نسمة، منطقة حرّة تمرّ الحرب بمحاذاتها من دون أن تخترقها. تُشكّل هذه القرية الصغيرة بوابة «الوقود» الوافد من مناطق سيطرة الحكومة السورية إلى مناطق سيطرة المُسلّحين عن طريق مُهرّبين احترفوا المهنة، وقاموا بتطويرها.
يقول مصدر متابع لملف التهريب في ريف حماه لـ «السفير»: «تُمثّل هذه القرية معبر التهريب الأبرز في ريف حماه»، مضيفاً «تُسيطر على القرية مجموعة عشائرية يبلغ عددها نحو خمسة آلاف شخص، يقودها برلماني سوري سابق، حيث تُشرف هذه المجموعة على عمليات التهريب وتقوم بتأمين البضائع وحمايتها».
تختلف أنواع البضائع التي تمرّ عبر هذا المعبر من مازوت وغاز وبنزين، بالإضافة إلى عمليات تهريب للبشر. يشرح المصدر « تتقاضى المجموعة عن كل مواطن يودّ أن ينتقل من مناطق سيطرة الحكومة إلى مناطق سيطرة المُسلّحين، مبلغاً يصل، في بعض الأحيان، إلى 300 آلاف ليرة سورية، كما تتضمّن عمليات التهريب نقل مواطنين يُودّون دخول تركيا، حيث تتعهّد هذه المجموعة بتوصيل الراغبين إلى معبر أطمة الحدودي مع تركيا في ريف إدلب، حيث أُنشئت حجرات صغيرة داخل صهاريج الوقود، يتمّ من خلالها تهريب بعض المطلوبين للجهات الأمنية، أو حتى بعض الشخصيات المطلوبة من قبل الفصائل الجهادية».
وتمتاز المجموعة العشائرية بعلاقات جيدة مع الفصائل المُسلّحة الناشطة في محيط حماه، حيث تُمثّل أبو دالي «باب رزق» ومصدراً للوقود والغاز في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة.
ولا تقتصر عمليات التهريب على جهة واحدة، حيث ينشط في القرية أيضاً، خط تهريب البضائع من مناطق سيطرة الفصائل «الجهادية» إلى مناطق سيطرة الحكومة، كالبضائع التركية وبعض المنتجات الزراعية. هذه العوامل حوّلت القرية الصغيرة إلى ما يُشبه «المنطقة الحرة» المحمية من قبل شخصية عشائرية تمتاز بعلاقات جيدة مع الفصائل المُسلّحة من جهة، وبعض الشخصيات النافذة في الحكومة السورية من جهة أخرى.
خلال الهجوم الأخير الذي تعرّض له ريف حماه الشمالي الشرقي، اخترقت مجموعات «جند الأقصى» معظم قرى الريف، إلا أنها تجاوزت قرية أبا دالي، من دون أن تدخلها بالمرّة، الأمر الذي دفع المصدر إلى اعتبار هذه الحادثة «دلالة جديدة وتأكيداً فعلياًَ على طبيعة القرية وأهميتها بالنسبة للمُسلّحين». ويتابع: «توقّف النشاط في أبي دالي موقتاًَ، ومن المؤكد أن هذا المعبر سيعود للعمل مع انتهاء العملية العسكرية».
مع بدء عملية الجيش السوري الأخيرة، توقّف معبر أبي دالي عن العمل، حيث انتقل نشاط التهريب إلى معبر آخر نشط أيضاً خلال الحرب، وهو قلعة المضيق في الريف الغربي لحماه. وتُسيطر على منطقة قلعة المضيق فصائل «جهادية مُسلّحة»، وتتمركز في مكان قريب منها حواجز للجان شعبية من أبناء المنطقة امتهنوا عمليات التهريب أيضاً، الأمر الذي دفع هذه الجبهة إلى الاستقرار أيضاً. يُمثّل معبر قلعة المضيق في الوقت الحالي البوابة الوحيدة تقريباً للراغبين بالوصول إلى الحدود التركية بطرق غير نظامية، كما يُمثّل طريق تهريب الوقود إلى مناطق سيطرة الفصائل الجهادية.
خلال العام الماضي، نشر ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات تظهر صهاريج وسيارات نقل غاز متّجهة من ريف حماه إلى مناطق سيطرة الفصائل «الجهادية» عبر قرية أبي دالي، كما ارتفعت العديد من الأصوات الشعبية المُطالبة بوضع حدّ لهذه العمليات، خصوصاً أن الوقود المُهرّب هو بالأساس من مخصّصات محافظات أخرى، يرى المواطنون أنهم أحقّ به من المُسلّحين، إلا أن هذه التسجيلات لم تلق أي ردّة فعل لإيقافها أو ضبطها.
عموماً، تُقدّر بعض المصادر متوسط الدخل الذي كانت تُحقّقه قرية أبي دالي، الناشطة في مجال التهريب منذ عام 2013، للمجموعة التي تُسيطر عليها بنحو 50 مليون ليرة سورية يومياً (نحو 100 ألف دولار)، كما يُقدّر عدد سيارات الشحن والصهاريج التي كانت تمر عبرها بنحو 150 سيارة، تضاف إليها الأتاوى التي كانت تُفرض على الراغبين بالانتقال بين مناطق الحكومة ومناطق المُسلّحين، وعمليات التهريب التي تتمّ أيضاً. كل هذه العوامل حوّلت قرية صغيرة إلى مركز تجاري كبير، حالها كحال قلعة المضيق، معبر التهريب الآخر الناشط في الوقت الحالي.