كتب الاستاذ محمد محسن – سوريةمتسائلا ومحللا
…..هل استدارت تركيا استدارة كاملة أم تركت الباب موارباً ؟
……………….وهل ستـــدير وجهـــها للشــــرق وظــــهرها للــــغرب ؟
……………….وما مستقبـل هذا البـلد بعد أن ساهــمت بتنـشئة الإرهـاب ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كان يتابع سياسات وتصرفات " أردوغان " العملية ، وخطبه ، ومناوراته ، وأحلامه التي كان يجاهر بها قولاً وفعلاً هو وفيلسوفه " أحمد داوود أوغلو " ، صاحب نظرية ــ خصومات صفر ــ ومن ثم اقامته المخيمات لاستقبال السوريين الهاربين من أتون الحرب ، قبل هبوب الرياح السموم " للربيع العربي " بأشهر ، وتصريحه أنه سيصلي في الجامع الأموي في دمشق ، كما قام بفتح حدوده من غربها إلى شرقها أمام كل قاطع طريق متوحش قادم ليلغ في الدم السوري ، ومناداته بالمنطقة العازلة على الحدود السورية ، ومطالبته بحظر للطيران ، وصولاً إلى اسقاط الطائرة الروسية ، وعنجهيته وترفعه وجنون العظمة الذي كان يُظهر فرط القوة الذي كان يسيطر عليه في كل أقواله وأفعاله .
من كان يتابع هذا الرجل يدرك مقدار انكساراته وخيبات الأمل التي تتالت على رأسه حتى كادت أن تفقده صوابه ، أولها خذلانه من حلفائه في حلف الناتو عندما استنجد بهم بعد اسقاط الطائرة الروسية وتهديده الصريح والقوي من بوتن ولم ينجدوه ، مروراً بالمحاولة الانقلابية الفاشلة التي ارعبته وهزت ثقته بنفسه ، وجعلته في عداء مع شرائح كبيرة من الشعب التركي بعد التسريحات الواسعة والاعتقالات التي طالت عشرات الآلاف من الضباط والموظفين الكبار ، كما أن العمليات الارهابية التي ارتدت عليه ونالت من أمنه من قبل من استقبلهم وسلحهم ، ووضع الآمال العراض على أكتافهم في تمزيق سورية وتركيعها . تنفيذاً للقول الشائع " طابخ السم لابد أن يزوقه "
.
تلك الأعمال نالت من هيبته وهزت ثقته بقواه الأمنية ، وتوج كل هذا بخيباته الكثيرة وتبديد حلمه في النيل من صمود الشعب العربي السوري وحلفائه وأصدقائه ، نتيجة صمود الشعب العربي السوري وحلفائه
بعد هذه الضربات القاسية التي نزلت على رأسه بشكل متتابع ، أحنت ظهره ولوت عنقه ، وجعلته يعيد النظر بكل حساباته ، وكانت الطامة الكبرى وقاصمة الظهر والقصة التي فتلت راسه ، عندما علم بل وتأكد من تورط العديد من الدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا بالانقلاب الفاشل الذي أعد للإطاحة به .
.
كل هذه الصفعات التي تتالت ، ألزمته أن يخفض من مطالبه وأحلامه وأن يبدأ بتقديم التنازلات والاستدارة الخجولة نحو الشرق ، وكان اعتذاره العلني لروسيا عن اسقاط الطائرة مؤشراً أولياً على بدء التنازلات ومؤشراً على تباشير الاستدارة ، بعد أن أغلظ الايمان أنه لن يفعل ، ثم زار موسكو بعدها هو بذاته واجتمع بالرئيس الروسي بوتن ، وأبرم معه عدة اتفاقات اقتصادية ، كما زار ووزراءه طهران أكثر من مرة ، وبعد كل لقاء او زيارة كانت تظهر بوادر التراجع بشكل تدريجي ، والتي باتت تؤشر إلى أن طموحاته تجاه سورية قد اضمحلت ، خاصة اتفاقه المثمر وتعاونه مع الأجهزة الروسية والإيرانية في حل مشكلة شرق حلب ووقوفه عن توريد السلاح والمؤن لهم ، وهو الآن كما عليه ظاهر الحال ، بات جزءاً من الدول الساعية لإيجاد صيغة للحل السلمي في سورية ، وتوج ذلك بالاتفاق مع روسيا وايران على عقد مؤتمر للحوار بين الدولة السورية والمسلحين في مدينة " أستانه " ، مع الثقة أنه لم يرمي كل أوراقه بعد ، ولا يجوز أن نطمئن لصدق مواقفه ونواياه بل لايزال ينتظر حصة من كعكة الحل لعملائه ومحازبيه الاخوانيين في مستقبل سورية ، الذي سعى إلى ذلك قبل هبوب الريح الصرصر .
.
وما لم يحصل عليه حينها وصليل السيوف فوق رؤوس السوريين لن يحصل عليه الآن بعد كل الانتصارات التي تحققت ، وبات حلمه هذا كحلم ابليس في الجنة ، لأن جميع الحركات الاسلامية اخوانية كانت أم وهابية وما بينهما باتت مدانة من الشعب أكثر من الحكومة ، لأن الشعب العربي السوري بات يحملها كل ما لحق بالوطن من دماء ودمار ، نعم هزم الإخوان وكل من لف لفهم في سورية ، وسيهزمون في كل المنطقة وإلى الأبد ، هذا الوباء التكفيري الظلامي الديني المتوحش الذي أكل أكباد وعقول البشر ، والذي غزى المنطقة كالهواء الأصفر ــ الطاعون ــ ستكون هذه الهجمة ــ الاستفاقة ــ آخر عقابيله ودمامله ، كما ستُهزم الدول التي رعته وتبنته .
…بعد كل هذا يصبح السؤال مشروعاً وقابلاً للفهم ، لماذا استدار أردوغان شرقاً ؟ وهل هي استدارة نهائية وتنكب لحلفائه الغربيين ؟ أم هي استدارة جزئية وتركُ الباب موارباً ، على أمل اعادة الغرب ثقته به مجدداً ؟، كل هذه الأسئلة لم تحسم الإجابة عليها بعد ، ولا يمكن الاجابة عليها بكلمة نعم أو لا ، بل هي لاتزال قيد التجربة وعلى المحك ،
………………………..ولكن يبقى السؤال الأهم
هل كان توجهه نحو الشرق لإدانته من جميع الدول الغربية حتى وشعوبها ؟، وتحميله وزر الحركات الارهابية التي تبناها وفتح لها مطاراته لاستقبال كل قطعانها من المتطرفين الإسلاميين من كل انحاء العالم ، وبات العالم كله يدرك أن الأراضي التركية باتت مستقراً وممراً للإرهابين ؟، وشكلت تركيا أرضاً ودولة وشعباً بيئة حاضنة لهم ، وبذلك بات تحميله وزر جميع أعمالهم الارهابية مشروعاً ًـــ كما هي عليه السعودية ـــ ، التي وقعت في أوروبا أو التي من المحتمل وقوعها ، أي انه بات مداناً من الجميع غربيين وشرقيين ، بل ويحمله الجميع وزر تطور أنشطة الارهابيين في العالم .
كما أن تنكبه للنظام العلماني الذي ارسى قواعده " كمال أتتورك " وتبني بديله النهج الإسلامي على الطريقة الإخوانية ، دفع أوروبا للتخوف من هكذا تحول بعد الظواهر الإسلامية المتوحشة التي ظهرت في أوروبا من قبل المهاجرين الإسلاميين ، وعزز هذا التخوف مساعدته على انتقال ملايين المهاجرين المسلمين إلى أوروبا ، الذين بدأوا يتناقضون مع قيم الغرب ونمط حياته في مأكله وملبسه ، مما جعل الغرب يتوجس خيفة من هذه الغزوة الإسلامية التي تحمل في طياتها الكثير من المتاعب والتي ساهمت تركيا بالجزء الأكبر منها ، لذلك باتت الدول الغربية متشككة في امكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ، بل ومتخوفة من ذلك وتكاد تغلق الباب أو أغلقته بوجهها نهائياً .
بكل تأكيد لتركيا كل المبررات باستدارتها نحو الشرق ، وبخاصة بعد أن انتهى دورها المرسوم لها من قبل حلف الأطلسي ضد الاتحاد السوفييتي . والذي نهضت به بكل نجاح والذي أدى وغيره إلى انهياره .
.
ولكن المهم بل والبالغ الأهمية أن هزيمة الفكر الديني التكفيري وبخاصة الإخواني منه على مستوى المنطقة ، سيؤثر سلباً على التوجه الديني الاسلامي في تركيا وعلى مستوى المنطقة ، لأن ما سمي بالصحوة الإسلامية ما هي إلا الاستفاقة ما قبل الموت المؤكد ، لأن هذه الصحوة التي تأخر ظهورها عندنا لأسباب ذاتية وموضوعية ، كانت قد حدثت في أوروبا في القرون الوسطى وسميت الحروب الدينية ، ثم هزمت الكنيسة وحلت محلها الأنظمة العلمانية العقلانية ، واقتصر دور الدين في الكنيسة ، وطبق القول المشهور " ما لقيصر لقيصر وما لله لله " وستهزم تلك العمائم المملوءة غباءً وكراهية ، وستحلق ملايين الذقون تهرباً من تشبهها برجال الدين المتعصبين الجهلة الذين أوصلونا إلى ما نحن فيه .
حتى والضرورة الموضوعية وحركة الوعي العامة ، ستدفع الكثيرين من رجال الدين المختصين للبحث عن ما يخرج الفكر الديني من مسلماته ، التي رسخها الفقهاء الذين جاهروا بمعاداتهم للعقل والعقلانية ، من الغزالي وصولاً إلى" فقيه السعودية وامامها العريفي " الذي افتى بجهاد النكاح وبسبي الحرائر من المذاهب الأخرى .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
………نعم الحرب كانت مريرة ولكن لكل ضارة نافعة …………