الاخبار
تواصل تركيا محاولاتها «لمّ الشمل» الخليجي، دونما مؤشرات إلى إمكانية نجاحها في ذلك، في ظل التعنت السعودي والإماراتي، وتظهير الرياض موقفاً أكثر وضوحاً يؤكد مخاوف الدوحة من نية تحالف ابن سلمان ــ ابن زايد فرض «الوصاية» على قطر. على خط مواز، تستمر الولايات المتحدة في «تحميس» المتخاصمين، وتمنّيهم القرب مقابل تنازلات
لا تزال الأزمة الخليجية تراوح مكانها من التراشق السياسي والإعلامي، في ظل غياب أي مؤشرات إلى إمكانية نجاح مساعي الحل التي تقودها أنقرة، في محاولة لحماية حليفتها الدوحة، من تداعيات تطور الخلاف الخليجي إلى مستويات أكثر خطورة مما هو حاصل اليوم.
وفيما تتوالى الدعوات الأوروبية إلى التهدئة والانخراط في الحوار، تواصل الولايات المتحدة انتهاج سياسة «مراوِغة»، عارضة الدخول كوسيط بين طرفي الأزمة.
ووصل وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس، إلى مدينة جدة، حيث يُرتقب أن يجمعه لقاء بالملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز. وتأتي زيارته إلى السعودية بعد قيامه، يومي الأربعاء والخميس، بجولة خليجية قصيرة قادته، ابتداء إلى قطر، ومن ثم إلى الكويت، حيث عقد لقاءات بمسؤولي البلدين وتباحث معهم في نزع فتيل الأزمة. وتأمل أنقرة في عقد حوار «مباشر وشفاف» بين أطراف النزاع الخليجي، تداركاً لما يمكن أن يطال حليفتها في حال تدحرج كرة النار.
وفي هذا السبيل، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤتمراً عبر الهاتف مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني. وذكرت محطة «سي أن أن ترك» أن القادة الثلاثة أطلعوا بعضهم بعضاً على اتصالات أجروها في إطار جهود حل الخلاف، مضيفة أنهم شددوا على أن «الحل يكون بالحوار لا بالعقوبات». وكان أردوغان قد جدّد دعوته الملك السعودي إلى تسوية الخلاف مع قطر قبل نهاية شهر رمضان، مشيراً إلى أنه «لا ينبغي لدول مسلمة أن تفرض عقوبات على دول مسلمة أخرى».
أوروبياً، حضت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، زعماء الدول المتنازعة على «تهدئة التوتر بشكل عاجل، والانخراط بحكمة في الحوار، واستعادة وحدة مجلس التعاون الخليجي في أقرب فرصة ممكنة». كما حضّت ماي، في بيان أصدره المتحدث باسمها، قطر، على «مواصلة البناء على التقدم الذي أحرزته للتصدي لآفة التطرف والإرهاب في المنطقة، بالمشاركة مع حلفائها في الخليج». بدوره، أعرب رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتيلوني، عن استعداد بلاده لـ«الإسهام إيجابياً» في دعم جهود حل الأزمة. وخلال اتصال هاتفي أجراه بأمير قطر، أعرب جينتيلوني عن «قلقه البالغ» إزاء الوضع الذي نشأ في منطقة الخليج بعد تطورات 5 حزيران، مشدداً على ضرورة «الحفاظ على الإستقرار في الخليج، وتجنب أي تصعيد». وأبدى ثقته بـ«الوساطة التي تقوم بها الكويت في هذا الصدد»، قائلاً إن حكومة بلاده «تشجع أي مبادرة من شأنها أن تساعد على إزالة الخلافات الخليجية التي تفرق شركاءنا المهمين في المنطقة في الوقت الراهن».
على المقلب الأميركي، حافظت الولايات المتحدة على محاولاتها إمساك العصا من وسطها، ساعية، في الوقت نفسه، في «تحمية النار» في رؤوس المتخاصمين. وعرض وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، على نظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، المساعدة في التوصّل إلى تسوية دبلوماسية لمعالجة «التهديدات المشتركة». وذكرت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، «وام»، أن ابن زايد أطلع تليرسون، خلال لقاء جمعهما في واشنطن، على الإجراءات التي اتخذتها بلاده والسعودية والبحرين ومصر ضد قطر، بسبب «دعم الأخيرة المتواصل لأفراد وجماعات متطرفة». وشدد ابن زايد، أثناء اللقاء، على أنه «يتعيّن على الدوحة اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف تمويل الجماعات الإرهابية، والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها، وإنهاء استخدام منابرها الإعلامية للتحريض وتشجيع التطرف». وأشارت الوكالة إلى أن بن زايد وافق على اقتراح تليرسون «المساعدة في تسهيل التوصل إلى تسوية دبلوماسية لمعالجة التهديدات للمصالح المشتركة لدولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، واستقرار المنطقة بشكل عام».
على خط مواز، أعلنت القوات البحرية القطرية أن المناورات المشتركة مع الولايات المتحدة، التي تتم أربع مرات سنوياً قبالة سواحل الإمارة، جرت «بشكل طبيعي» رغم التوتر الدبلوماسي في الخليج. ولفت قائد القوات البحرية القطرية، محمد جاسم الكواري، إلى أن أربع قطع للبحرية الأميركية شاركت في التدريب المشترك، الذي طلبته واشنطن «قبل بضعة أسابيع». وذكر أن تدريبات جديدة يشارك فيها «حلفاء آخرون ستتم قريباً»، موضحاً أن «عدداً من حلفائنا الأوروبيين يطلبون إجراء مناورات في مياهنا». وتأتي المناورات القطرية الأميركية بعد أيام من توقيع البلدين اتفاقاً على بيع الدوحة مقاتلات من طراز «أف 15»، بقيمة 12 مليار دولار.
على الضفة السعودية، أكد وزير الخارجية، عادل الجبير، ما كان تحدث عنه السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، من قائمة مطالب موحدة من الدوحة سيتم تسليمها إلى الولايات المتحدة. وقال الجبير، عقب مباحثات أجراها مع نظيره البريطاني، بوريس جونسون، في لندن، إن بلاده «تعمل على قائمة من الشكاوى بشأن قطر وستقدمها قريباً»، من دون تحديد يوم بعينه. وعلى الرغم من أن الوزير السعودي حاول التخفيف من وطأة كلامه باستخدام مصطلح «شكاوى» بدلاً من «مطالب»، إلا أنه عاد وأوضح أن «الحل بسيط جداً، هو وقف سياسات إيواء ودعم المتطرفين والإرهابيين والتدخل بشؤون الدول»، في تلميحات تؤكد هواجس الدوحة ومخاوفها من نية السعودية فرض الوصاية على قطر، وفك ارتباطها بـ«الإخوان المسلمين». وطالب الجبير الدوحة بالاستجابة لما سماها «مطالب العالم كله» بوقف دعم التطرف والإرهاب، معتبراً أن ذلك ينهي الأزمة، مضيفاً «(أننا) لم نجد منهم أي مبادرة». وأمل أن «تسود الحكمة وأن تسلك قطر طريق الصواب»، محذراً من «أننا جميعاً سنخسر إن لم نحتوِ التطرف والإرهاب، بما في ذلك قطر».