دمشق – يعرب خير بك
يبدو أن الذي فتح باب الحارة على سواد كثير، أغلقه دون أن يدري ربما على سواد أكثر، نعم أغلقه على بدعة الجمهور هيك بدولطالما اعتبرت الكتابة بحثاً واع في لا وعي الكاتب عن بقعة ضوء في حلكة الوجع الإنساني، ولطالما أصريت على اعتبار الكتابة موقف من الحياة و من الواقع، ولا أظنها ستكون ذات مغزى، ما لم تضيء على الزاوية التي وضعتها تحت المجهر، بحثاً عن الضوء في عالم مظلم،من هذه الزاوية سأسمح لنفسي أن أخالف الجميع و أن أبحث عن تينك البقعة المضية خلف باب الحارة هذا،الذي فتح على مصراعيه بمشهدية سلبية لا نظير لها في اغتصاب التاريخ و العقل و الثقافة، إمعاناً واستكمالاً لتشويه ذاكرة لا تروق لأحدهم، فسوريا أولى الدول التي حصلت على استقلالها، وأول دولة عربية تقيم نظاماً جمهورياً. وفيها جرت أول انتخابات برلمانية حرة في العالم العربي وذلك عام 1954 حيث كانت أول تجربة ديمقراطية ليبرالية في المنطقة.رغم ابداع الصورة البصرية التي اعتمدت البيت الدمشقي في ترف بهائه والنجاح الواضح في إظهارها وتوظيفها.
ولكن يكفيه ما كان من ترويج للسلطوية الذكورية في فراغها .و الكثير من الظلم للثقافة السورية الشامية مما تحدث به الكثيرون ولا مجال للحديث عنه هنا،لكني وقبل الدخول في ما أردته، لا بد أن أقول لأبطال حارته المزعومة،……في عام 1930م انتخب السوريون الدمشقي محمد علي العابد واسقطوا صبحي بركات العميل الفرنسي فيا زعران باب الحارة ………علي العابد لم يحمل شبرية ولا جر شاروخاًبل كان يحمل شهادتي دكتوراه و يجيد 5 لغاتأما هنا فسأدخل فيما هو لنا من باب الحارة، وليس ما علينا، وذلك لكثرة ما تم تداوله عما هو علينا،باب الحارة هذا، من حيث يدري صاحبه أو لا يدري و لا يقصد ربما، أغلق على كذبة كبيرة لطالما تلفح بها أصحاب الأعمال الهابطة و التجارية، متذرعين بأن الجمهور هيك بدو، حتى صدقنا أن الجمهور لا يريد سوى الأكشن الدار للأدرينالين في عروقه المهترئة، ويريد لحماً رخيصا و غراميات رخيصة، و غيرها من هدم اجتماعي ثقافي أخلاقي،لكن باب الحارة فتح عيني على سؤال أرقني طويلاً،لماذا أحب الناس باب الحارة، وماذا أحبوا فيه،كان جواب السؤال الثاني مفتاحاً للأول، فأكثر ما أحبينا فيه هو أبو عصام الذي أجبر سدنة باب الحارة على إعادته للحياة في معجزة قبلناها بفرح و طفولة بسبب شوقنا له،إذاً ابو عصام الذي كان يمثل الأخلاق في قمة زهوها، و الطيبة و الرجولة الهادئة المضحية،ليس فقط أبو عصام طبعاً بل وكل مراجل و مواقف الزعيم الإنسانية،
و من هنا صدمت بأن هذا العمل الدرامي الذي شد الجمهور العربي من محيطه إلى خليجه لم يقدم من معطيات نجاح العمل ليصير كما يريده الجمهور – كما صوروا الجمهور لنا طبعاً – قلا غواية ولا أكشن ولا مظاهر ثراء فاحشة ولا سياحة، وهنا اكتشفت أن المواطن العربي المثقل بالخيبات و الخيانات و الإنكسار، الذي يعيش في بيئة تجتاحها رياح التصحر الأخلاقي، بات في حاجة ماسة لهذه المشهدية الإنسانية الفواحة بالصدق بطعم الرجولة والعطاء، والتكاتف و التكافل الذي كان سيد الموقف في هذا المسلسل والتي نجح فعلاً في تسليط الضوء عليها و في إقناعنا بها دون ابتذال، وهذا يحسب له،نعم المواطن العربي يبحث عما يعطيه الأمل بإمكانية إنسانية الإنسان و ذلك من خلال مثال حي يعيش معهم كل يوم في قصته،يريد أن يرى أن الأخلاق لا تثمر دائماً فشلاً و أن قلة الأخلاق والوصولية ليست دائماً دليل النجاح، كما يريد الكثيرون أن يثبتوا لنا، وربما قد يكونوا أثبتوا لنا هذا من خلال واقعنا المتعفن الذي صار عنواناً عربياً بل وعالمياً واتفق على اختصار بشاعته بكلمة الفساد الذي لا يمكن أن يعيش فقط في السياسة بل يحتاج أن يعشش في الأخلاق و الثقافة.قال تولستوي في آخر أيامه:بت مقتنعاً اليوم أكثر من أي وقت مضى أن العالم يحكمه حفنة من اللصوص و المجرمين المجانين، لأن هؤولاء دائماً يصلون إلى ما يريدون دون أن يقف في طريقهم أي رادع أخلاقي أو إنساني.لذلك يتعلق الجمهور بباب الحارة رغم أنه مهترئ تعصفه رياح الجهل ليطبق على آذاننا و عيوننا و رؤوسنا آلاف المرات، ونبقى متمسكين به كفراشة .
فشكرا وعذرا… سيد بسام
أخبار سورية والعالم- نفحات القلم