نسرين نجم

نسرين نجم – بيروت برس –
مما لا شك فيه أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد غزت كل بيوتاتنا شئنا أم أبينا، لا بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من أفراد العائلة والعامل المؤثر في تربية الأبناء عند بعض العائلات، وذلك بسبب ما يتعلمه ويتلقاه الطفل من معلومات وأفكار ومعارف وثقافات عبر هذه الوسائل (سيما الفايسبوك) من دون أية رقابة أو متابعة، وهي بالنسبة لعدد كبير من المتابعين مساحة لـ"فش الخلق" كما يقال أو للتنفيس ولتفجير مكبوتاتهم ورغباتهم، وهذا أمر سهل جدًا. فعبر ارتداء قناع وهمي (اسم، صورة، معلومات شخصية) لا يمت إلى الحقيقة بصلة، يستطيع الشخص أن يفجّر كل مكبوتاته ويحقق ما حلم به من أن يكون شخصية محط أنظار، من رياضية إلى أدبية إلى علمية إلى شخصية تجذب الفتيات أو الشباب الخ… وبالتالي يصبح الحصول على الاعجابات أي (اللايكات) بأعداد كبيرة بالنسبة لهؤلاء أمر مقدس فمن ينالها هو ذو حظ عظيم، وأصبح التعلق فيها (أي الحصول على اللايكات) لدرجة الهوس، فتراه ينشر صورًا ومنشورات لا يهم إن كانت تتوافق أو لا مع قناعاته ومبادئه وتربيته..، بل المهم حصد الاعجابات. وهنا السؤال الذي يطرح، ما هو سر "اللايك" وأي سعادة يعطيها؟
لقد تحول "اللايك" بالنسبة لمن يعانون فراغَا عاطفيًا وثقافيًا وفكريًا وضعف الثقة بالنفس إلى ضمادة تغطي كل هذه التشوهات النفسية، إلا أن هذه الضمادة مؤقتة لا تدوم، أولًا لأنها افتراضية فهو يصور بأن حياته مثالية بينما في الواقع هي مليئة بالمشاكل والتوترات، وبالتالي هو يهرب منها إلى مكان سيحمل له الكثير من الاضطرابات والاحباطات، وعندها سيقع في فخين فخ عدم خروجه ومواجهته لمآزقه، والفخ الثاني هي الأزمة العلائقية مع العالم الافتراضي.، وثانيًا السعادة الآنية التي يعتقد أنه حصل عليها هي وهمية.
وإلى جانب العامل الشخصي وغياب للصحة النفسية السوية، هناك عوامل خارجية مرتبطة بالظروف الاقتصادية والمعيشية والأمنية وغياب الاستقرار ومفهوم دولة الرعاية الاجتماعية، وعدم وضع خطط تنموية من قبل الحكومات تستفيد من خلالها من طاقات وشهادات وكفاءات الشباب، إضافة إلى تحول أكثرية المنازل إلى ساحات للمعارك بسبب عدم التوافق والاتفاق وغياب للتفاهم والحوار واعتبار كل طرف بأنه على حق، وبالتالي يبحث هذا الشاب أو المراهق أو الطفل عن قدوة أو نموذج يحتذي بها أو يتماهى بها خارح إطار البيت وإن لم يجد يلجأ إلى أحلام اليقظة ليصنع شخصية افتراضية تتناسب وأحلامه وطموحاته. فيتعلق بهذه الشخصية التي هي بالنسبة له المنفس الوحيد التي من خلالها يحقق ما يريد، وما يساعده أو يساعدها على ذلك البرامج الموجودة على الهواتف الذكية التي من شأنها أن تجعل الفرد الأكثر وسامة وجمالًا وجاذبية ومحط الأنظار، ومنهم من يعتمد على "النقل المباشر" لينقل رأيه إلى جمهوره الواسع، ومن يتابع لغة الجسد يشعر بأن هذا الشخص يتصرف ويتكلم وكأنه زعيمًا يوجه خطابه إلى محازبيه.. فتتضخم "الأنا" لديه لدرجة أنه يعيش ازدواجية بين عالمين عالم يعتبر نفسه فيه الزعيم وعالم يرى فيه أنه مهمش لا دور له.
لذا من الضروري، ورغم كل الظروف التي نعيشها أن لا نهرب من المواجهة وأن نعتنق التحدي كمذهب في الحياة لعدم الرضوخ لمطبات وعوائق الحياة ومشاكلها، وأن يكون هناك تصالح ومصارحة مع الذات لنعرف عيوبنا ونعمل على معالجتها، فالإعتراف بالخطأ وبأننا لسنا معصومين وبأنه يمكننا أن نغير أنفسنا نحو الأفضل ونسعى لذلك هي مفاتيح السعادة والراحة النفسية. اللايكات لا تسمن ولا تغني من جوع، هي لعبة ليس أكثر.. فلنضع جهدنا وطاقاتنا في الأمكنة الواقعية الصحيحة لنكسب أنفسنا ونكسب محبة من هم حولنا واقعيًا، لأنّ الشخصيات الافتراضية بشكل عام لن تمسح دمعتك، ولن ترى بريق عينيك لو كنت حزينًا أو مسرورًا، ولن تقف إلى جانبك مدى العمر، العالم الافتراضي كالأمواج المتلاطمة يأتي بأشخاص ويذهب بآخرين.
كن أنت محور حياتك، استمد قوتك من داخلك، ثق بنفسك وبطاقاتك واملأ قلبك باليقين بأن الله عزّ وجل لا يترك عباده وهو اللطيف الخبير خاصة إذا كنا من نسعى للتغيير وللعمل…. ونكرر ما قاله أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (ع):" أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر".