بقلم الاستاذ محمد محسن
مستــــــقبل الديـــــــــــن ، ومستقـــــبل الفــــــــكر الدينـــــــــي ………..
…………….هل ستكون نتائج هذه الحرب كنتائج الحروب الدينية في أوروبا ………..
…………….هل سنتخلص من تسييس الدين وتديين السياسة ونحقق العقلانية…………
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع بمقدار أهميته ، وراهنيته ، وجديته ، هو شائك ، ومعقد ، وحمال أوجه ، وبذات المقدار سيستدعي الكثير من الدهشة عند البعض ، ومن نفر ليس بالقليل سيبدي استغرابه الذي قد يصل حد الرفض ، ولكن هو رأي أثق بصحته ، وأجد من واجبي الأخلاقي ، والوطني ، والمعرفي أن أطرحه ، بكل صدق وشفافية ، وبكثير من الجرأة ، فالغاية من وراء ذلك أعتبرها غاية الغايات ، وعلى كل وطني مهتم ، أو باحث جاد ، أن يضع هذا الموضوع على طاولة البحث المعمق ، لأنه يهم الماضي ، والحاضر ، والمستقبل ، ويمكن القول وبكل ثقة ، إن حل هذا الموضوع المعضلة ، هو أس التقدم الحضاري ، والانطلاق نحو عالم الانسانية الرحب ، فلا تقدم ولا تطور بدون أن نضع مفاهيم محددة وعقلانية للموقف من الدين ، ومن الفكر الديني ، وأن نخلص الكثير من العقول من الفكر الديني اللاعقلاني والذي يغلق العقول ، ، ويسجن الفكر ضمن كادر من المفاهيم النقلية القديمة ، بدلاً من فلسفة الحياة المتنورة ، فمن لا يخرج من تحت عباءة رجال الدين المتخلفين المتزمتين ، سيعيش حياة ضنكة ، وسيخسر حياته لأنه يعيش في عماء ، وتحت سقف متدن من الوعي ، تتحكم به مفاهيم الماضي ، ومشاعر كراهية الآخر المختلف معه دينياً أو مذهبياً ، ويموت في حقده ، ويعيش كالسائمة ، ويموت موتتة جاهلية ، لأنه لم يعش بعده الانساني .
.
………………ابتلي مواطننا المسلم بشكل خاص ، باستعمارين :
استعمار رجال الدين الذين يستأجرون ، وأحياناً يبتاعون عقول المتدينين بثمن بخس ، ويحولوهم إلى دمى بين أديهم ، يعيشون على أنقاض فتاويهم ، ويجلسون بين ايديهم خاشعين ، " هذا حرمه شيخنا ، وهذا حلله شيخنا " ويضعونهم بحالة رعب وخوف من نار جهنم ، ومن عذاب سقر ، وكأن الله الرحمن الرحيم ، ليس له من عمل سوى سلخ جلود عباده وحرقهم ، علما أن المتصوف الكبير [ محي الدين بن عربي ] يقول : " كل لغات العالم لا تستطيع أن تعبر عن شعوري يا إلهي عندما أخبرتني أن لا جهنم لديك " . أما المقربون المتزلفون المريدون لرجال الدين ، فالجنة لهم خالدون فيها مخلدون ، يجلسون فيها على أرائك ، تحف بهم الأعناب والنخيل ، ويشربون بكؤوس من زبرجد ، يقدمها لهم غلمان مخلدون ، وتراقصهم الحور العين .
هذا الاستعباد العقلي الذي يصل حداً بائساً من الاستسلام ، لما يقوله شيخ الدين من خرافات ، وأدعية لا تسمن ولا تغني من جوع ، والذي يوهم مريده أن بيده مفاتيح الجنة ، ويلهيه بتفاصيل تتعلق بكيفية الدخول إلى الحمام ، أوكيفية الوضوء ، أو أن المرأة كلها عوره من شعرها حتى أخمص قدميها ، ثم ينسيه أن الدين " جاء ليتمم مكارم الأخلاق " وأن الدين محبة الآخر اي آخر ، الدين الصدق والاستقامة ، وقول الحق ، والسعي نحو العلم والمعرفة ولو في الصين ، والتراحم بين الآباء والأبناء ، بل يعلمه أن الآخر في المذهب الآخر هو عدوك وعدو آبائك وأجدادك ، فلا تعاشره ، ولا تجالسه ، لأنه كافر والكافر يقتل ، من هنا ولدت داعش وأخواتها .
.
كل هذه التأثيرات جاءت من المدرسة " الاسلامية " التركية العثمانية ، بعد أن سرق العثمانيون الاسلام العربي ، وحولوه إلى مجرد طقوس ، تفكير المتدين محصور ببعض المسلمات والأدعية والتعاويذ ، ويرهنه ضمن حالة من الاستسلام للواقع ـــ فالخير والشر من الله ـــ فلماذا التعب أو بذل الجهد ما دامت النتيجة واحدة . فيقتل عنده الابداع العقلي ، ويُبقي المجتمع في حالة أشبه بالغثيان ، ويترك أمور الحياة تسير على عواهنها ، فكل أمر مقدر ومكتوب .
أما الاستعمار الآخر فهو الاستعمار الغربي ، الذي لا يمانع في توظيف كل شرور الأرض من أجل تحقيق مصالحه ، ولو كان طاعون الارهاب ، لذلك استخدم الحركات الاسلامية الارهابية ، بعد أن استولدها ، ورعاها ، وعلمها ، أصول تحريف الدين وتشويهه ، منذ الربع الأخير من القرن السابع عشر ، ثم وظفها الآن في تدمير المنطقة ، في حرب استعمارية مجنونة ببرقع ديني ، لا تبقي ولا تزر ، ، فشيطن الدين الاسلامي ، ودمغه بدمغة الارهاب الأبدية على ظهر كل مسلم ، وبات الاسلام في أذهان الكافة ، دين ظلامي أسود ، لا يمت للعقلانية بصلة ، دين قتل ، وحرق ، ونكاح .
.
على الكافة متدينين وعلمانيين أن يدركوا أننا لسنا ضد أي دين من الأديان سماوية كانت أو وضعية ، بل [ ضد الفكر الديني ] الذي فسر الدين بحسب أهوائه ورغباته ، ويدعو لتكفير الآخر ، وكراهية الآخر ، والذي يبتعد أو يتناقض مع غايات الدين ، التي تدعو للمحبة والوئام ، والسعي نحو العلم والمعرفة ، وابعاد رجال الدين عن السياسة ، أي تسييس الدين ، أو تديين السياسة ، وحصر اختصاص رجال الدين في المساجد والأديرة والكنائس .
وانعكاس هذه المفاهيم العقلانية ، على الدستور الوطني ، وجميع القوانين المرعية الاجراء ، واعادة النظر في المناهج المدرسية ، بما يخدم وحدتنا الوطنية ، ضمن مفهوم لكل حقه في عباداته وممارسة طقوسه ، ولكن ليس له الحق في التدخل بعبادات الآخرين ، وتكفير من يشاء ، أو بيع صكوك الجنة لمن يشاء ، وفاقاً للآية / 17 / من سورة الحج من القرآن الكريم .
.
……….هل من المأمول أن تفعل هذه الحرب الارهابية ، التي شكل فقه الدين الاسلامي ـــ مع الأسف ـــ فلسفتها ، وشكلت الحركات الاسلامية الوهابية ، والاخوانية ، واخواتهما ، أدواتها ، في القتل ، والذبح ، والتدمير ، كما وشكلت ممالك الخليج الغبية ، والثرية ، القابلة القانونية [ لاستيلاد وحوش الارهاب لكن بشكل بشري ] ، والممول والظهير !! . ولعب الغرب دور [ الحاوي ] ومحرك خيوط اللعبة ، وكانت الغاية تنصيب الحركات الاسلامية على سدة الأنظمة ، في جميع الدول العربية ، وعن طريقها يستتب للغرب وإسرائيل ، ولممالك الخليج البقاء والسيطرة .
……………ولكنهم خسروا نعم خسر جميع اللاعبين حربهم الاستعمارية ـــ بسلاحها الديني ، كما خسر بابا الكنيسة حروبه الاستعمارية ـــ الدينية ـــ الفرنجة ـــ الصليبية ـــ !!التي كانت تهدف السيطرة على المنطقة ، وتمكين " فرسان " أبناء الإقطاعيين الأوروبيين من استعمار المشرق ، وبناء اقطاعاتهم ، كل هذا العدوان الاستعماري ، تم أيضاً تحت لافتة دينية ، باسم تحرير بيت المقدس من المسلمين .
.
فهل ستفعل هذه الحرب الاستعمارية ـــ الدينية ـــ الخاسرة ، في المنطقة من تغييرات دراماتيكية جذرية ؟ كما فعلت الحروب الدينية الأوروبية الخاسرة ، التي تلتها الثورة الصناعية في الغرب ؟؟ ، والتي أنهت التشكيلة الاقطاعية في أوروبا ، كما أنهت دور الكنيسة في الحياة السياسية ، والاجتماعية العامة ، والتي كانت تمسك بكل مفاصل الحياة في أوروبا ، وذلك بإبعاد رجال " الاكليروس " ـــ رجال الدين ـــ عن اي فعل سياسي " ومنعتهم من بيع صكوك الغفران " وحققت شعار ـــ ما لله لله وما لقيصر لقيصر ـــ ، وأعادت رجال الدين إلى كنائسهم ؟
….. الحرب الاستعمارية ـــ الدينية ، التي كانت أداتها الحركات الاسلامية ، والتي لاتزال تمارس فلسفة القتل والتدمير في بلادنا ، قد خسرت حربها ، وهي في الهزيع الأخير ، والخاسر مهزوم ، والمهزوم سيدفع ثمن هزيمته .
لذلك ستضع هذه الحرب الحركات الدينية أمام مصير بائس ، بعد أن دمرت الشجر والحجر في المنطقة ، وستلعنها شعوب المنطقة من غربها إلى شرقها ، وستحملها مسؤولية كل الجرائم التي ارتكبت باسم الدين ، وبالتالي لن تترك لها ساحة تنسل وتتسرب إليها إلا وتحاصرها .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
…..نعم أجزم أن هذه الطفرة الدينية السوداء الخبيثة ، بحربها القذرة الخاسرة هذه ، تكون قد فتحت قبور جميع الحركات الدينية ، على مساحة الوطن العربي ، ولن يكون لها بعد اليوم أي وجود سياسي فاعل ، وهذه الهزيمة ستفتح كل الآفاق ، لمناقشة الفكر الديني الذي يتناقض مع غايات الدين التي يجب أن تقوم على محبة الآخر .
لكن المستقبل لا يبنى بالأماني ، ولا بالتعاويذ ، ولا بالأدعية ، ولكن يبنى من خلال نفر آمن بوطنه ، وأقسم أن لا يستكين حتى يوظف طاقاته الايجابية في زرع بذور العقلانية ، واعادة مثلث المعرفة إلى قاعدته ، بعد أن بقي قروناً يقف على رأسه ، وبدون أن يتذرع باي سبب أو معيق ، فالوطن ينادي كل الشرفاء للتضامن والعمل .
ـــــــــــــــــــــــــــــ من أدبيات التحالف الشعبي للتنمية الديموقراطية ـــ