.jpg)
باسل قس نصرالله
بعد موقعة ميسلون الشهيرة ومقتل وزير الدفاع آنذاك يوسف العظمة وعدد كبير من الجنود السوريين في المعركة ضد استعمار سورية، وصل الجنرال الفرنسي غورو الى المنشية في دمشق في تموز 1920، واستقل بعد ذلك عربة تجرها الخيول، فقام أبو شكري الطباع وبعض أهله بفك جوادي المركبة وربطوا أنفسهم مكانها ليجروا بأجسادهم مركبة الجنرال.
من المعروف أن ابراهيم هنانو الذي قاد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي جمع أثاث بيته وآلاته الزراعية وأحرقها معلنا بذلك بداية الثورة، ضارباً المثل بأن المجاهد يتخلى عن جميع أملاكه في سبيل الثورة.
عندما حوكم هنانو وأعلنت براءته دفع الحاج فاتح أفندي المرعشي كامل أتعاب المحامي فتح الله صقال البالغة ثلاثمائة ليرة ذهبية من ماله الخاص وقام الشيخ رضا الرفاعي بحمل المبلغ وطلب من المحامي اعتبار هذا المبلغ “صرّة عرب” ليقبل به بدلاً من مبلغ الألف ليرة ذهبية الذي اتفق عليه هنانو مع المحامي في حال اعلان براءته.
ولدى خروج هنانو من السجن، كان على بابه عربة يجرها حصانان، وما أن ركبها هنانو (بعد إعلان براءته 1921) مع وكيله الأستاذ الصقال، حتى تدفقت الجماهير كالسيل، فحلّت أربطة الحصانين، وراحت تجرّ العربة من السجن بدلاً عنهما حتى وصلت الى دار هنانو، وكان في أحد أزقة باب جنين، وكانت النساء يزغردن على طول الطريق من السجن الى الدار، والمئات منهن واقفات على أسطحة البيوت يُمطرن العربة بماء الزهر وعطر الورد.
هذه صورتين متشابهتين شكلا ومختلفتين مضموناً، بين استقبال المستعمر في الأولى، واستقبال الرمز الوطني في الثانية.
عندما أشاهد الأخبار أو اقرأ أو أستمع، أحزن لوجود صنف من السوريين وقع في فخ الإغراء المادي وحلم اليقظة السياسي، فبادر الى فك اللجام عن أحصنة الخيانة وجعل من نفسه مطيةً يجرُّ عربة الخيانة تجاه بلده، وليسمحوا لي، فإنني لن أقبل تبريراتهم بأنهم فعلوا ذلك ضد نظام أو أشخاص، لأن أفعالهم أساءت للوطن وللشعب البسيط الذي ذاق خيانتهم. وفي الطرف الثاني، كان هناك آلاف السوريين الذين جرّوا عربة الوطن من خلال الدماء التي بذلوها على ترابه، وأيضاً لن أقبل مقولات بأن هؤلاء هم من أركان النظام وأنهم من زبانيته.
لقد آلمني أن نصل الى مرحلة الشماتة.
هل أن ملايين اللاجئين والهاربين من هول الصراع على الأرض السورية والمنتشرين في مناطق أُخرى منها وفي دول الجوار، يستحقون الشماتة؟.
هل الملايين الذين عانوا خلال الجوع والعطش وأصبحوا محتاجين على أبواب الجمعيات، يبرر ما تدعونه من محبة لسورية؟
لم يمت أحد في سورية منذ سبعة سنوات، بل أستشهد.
أسمع الذين يسبّون ويلعنون ويقولون أن النظام فعل كذا وكذا.
ألم يكونوا يتمرغون في أحضانه، ويضربون بسيفه، ويشربون ويأكلون على مائدته؟.
تلك الأسماء التي لمعت في ما يطلقون عليه إسم المعارضة، ألم يكن غالبيتها من ماسحي أحذية ما أصبحوا يسمونه بالنظام وأسميه بالجمهورية العربية السورية؟
هؤلاء اللعانين والشتامين ألم يقرأوا تاريخ رسولهم؟.
ألم يُطلب من الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعو على مُضَرَ فجاءَهُ جبرائيل عليه السلام وقال: يا محمد، إن اللهَ لم يبعثك سباباً ولا لعَّاناً، وإنما بعثك رحمةً؟.
أصبحت أرقام القتلى على كل مساحة الوطن مخيفة، وقدموا التبريرات بأنهم يقدمون الشعب ذبيحة لتخليصهم من النظام.
ألم يقل السيد المسيح عليه السلام أنه يريد رحمة لا ذبيحة؟.
اليوم نحن بحاجة الى الرحمة الموجودة في أدبياتنا الدينية والسورية.
اليوم نحن بحاجة الى حوار صادق لبناء ما خربناه بأيدينا.
لقد دُمرت سورية، ويذكرني ذلك بشعر ناسك الشخروب ميخائيل نعيمة:
“أخـي، فقد تمّ ما لو لم نشـأ نحن ما تمّا
وقد عـمّ البلاءُ، ولـو أردنـا نـحـن ما عـمّـا
فلا تندب، فأذنُ الغيرِ لا تصغي لـشكوانـا
بل اتبعني لنحفر خندقـاً بالرّفش والمعول
نــواري فيه مـوتــانــا”
بين الوطن والخيانة، رباني والدي “إميل” السوري حتى النخاع، بأنني لا أستطيع أن أختار إلا الوطن.
وأنا شخصاً لا أرضى أن نكون أحصنة لعربة الخيانة بل لعربة الوطن.
اللهم اشهد اني بلغت.
مستشار مفتي سوريا