.jpg)
.jpg)
د.احمد عثمان
الشعوب تعيش حياة يومية تحتاج إلى حالة اصطفاف حضارية لترتيب انتخابات ما أو عمل اداري أو استهلاكي وغير ذلك من الشؤون اليومية, وهذه الاصطفافات ليست إلا شأن لإدارة وتنظيم المصالح اليومية وتسوية كافة الأمور بين المواطنين وإنهاء برامج التبجيل والمحسوبية والرشاوى وغيرها من الأمور الغير مبررة, والاصطفاف الذي نقصده ليس هذا، كونه غير ملامس بكل هذه الأشياء المذكورة بالواقع الحسي, وما نقصده من نوع آخر وهو اصطفاف الرأي العام المتأثر بوسائل الاعلام وبرامج السياسة الوطنية والأجنبية التي نراها متمسكة ببرامج تغير الواقع الجغرافي والسياسي بما يخدم المصالح الاستثمارية للشركات العالمية الكبرى والقوى التي تُعتبر أنها عُظمى وهي المستفيد الأكبر من الفساد السياسي والاجتماعي الذي استوطن عقوداً في كل مكان من العالم وتحديداً في المجتمع العربي والاسلامي وجعل من جسده عليلاً يبحث عن العافية عبر مخططات جديدة.
فهذه الشركات والقوى التي قامتا على تشجيع الفساد في الأنظمة العربية والاسلامية الشمولية ودعمتها بكل ما يلزم لنشر الفساد في الأنظمة نجدها الآن حريصة على رفض الفساد ومحاربته وابتلاع ما شجعوا عليه وقاموا باستثمار غضب الشعوب من أجل تحقيق مكاسب ومقاصد ربحيّة جديدة، حيث أصبحت هذه الاصطفافات جماهيراً صامتةً ويتخلل ذلك بين الحين والآخر بعض الأصوات الغاضبة هنا وهناك ليصبح الاصطفاف مشهداً غاضباً صاخباً, والآن نلاحظ أن ما يحدث, يحدث لأول مرة في التاريخ وهو المفهوم العكسي للتحرر من أجل تخليص الشعوب من حكّامها بينما كان التحرير شعاراً للتخلص من الاستعمار الأجنبي حسب معرفتنا لمعنى التحرير, والتحرر هو التخلص من الذي يتدخل بالعسكر والفكر والثقافة والاقتصاد, فالتحرير يأتي بمعناه من الاستعمار الاجنبي, ومن هذا المنطق نجد المخالفة كبيرة حيث أضحت الديمقراطية سلاحاً يأتي بمعادلةٍ مخالفة لكل المبادئ وخاصة أن مفهوم المواطنة أصبح مغايراً لمفهوم الوطن حيث انحبست المواطنة وراح هؤلاء أصحاب هذا المفهوم ولا يخجلون من الاستعانة بالأجنبي من أجل تحقيق المكاسب الشخصية والمصالح التي اعتبروها أوطانهم وهؤلاء هم الرجعيون ولم يعدْ يهمهم الوطن والمواطنة, لانهم من جيل الفضائيات والهاتف النقال ومواقع الانترنت ولم يقبلوا بالقناعة الوطنية متمرجحين بحجج لا مكان لها كإبداء الرأي في الوجه الآخر للحياة السياسية والاجتماعية.
نعم صارت الشعوب بحالة ابتعاد عن الأوطان وراحت إلى عالم العولمة التي استفاد منه الحكّام الكبار لديمقراطية الغرب المزيفة والمتصهينة وذلك عبر وهن كافة الدول الوطنية واستفاد منه كل من كان سلاحه العسكر والمال والإعلام و راح يعيث فساداً في دول كثيرة مثل أفغانستان والعراق وفلسطين وأخيراً تقسيم السودان ودول أخرى مثل ليبيا وتونس ومصر(والحبل على الجرار) وكل ذلك يحمل شعار الديمقراطية وحقوق الإنسان والتحرير (التحرير من مَنْ)؟.
صارت مساحة هذا الشعار كبيرة بمشهدها لدى الجهلة، وعند العارفون فاسدة يقودها فاسدون بجوهرها.
إن الفساد الذي نتج عن عالم العولمة الجديدة أصبح مادة جديدة للكسب السياسي وللإنتاج الدعائي عبر تجييش شعوب المنطقة ضد حكّامها وذلك هو برنامج لامجال للشك فيه عنوانه (تغيير جغرافية المنطقة) مستفيدة من الغضب الشعبي والأحقاد والأفكار الطائفية والقبلية وشتى سبل النعرات.
ولذلك نقول إن الديمقراطية هي ضمان لكل فرد بحق المواطنة وهي الأداة التي نستطيع من خلالها تجسيد حريتنا الفردية والجماعية على أرض الواقع إلا أننا وبسبب ضعف البرامج وشعارات حولت الاختلاف إلى خلاف وحصرنا الديمقراطية في حالات كالانتخاب ومثله أودت بنا إلى وجه الاصطفاف العام وفرّطنا بالمواطنة والوطن، ولنعلم جميعاً أن المواطنة لا معنى لها أصلاً بلا وطن ووطن يبقى لا شيء بلا مواطنة فالديمقراطية الآن وبزمن العولمة صارت شعاراً ليس إلا، وأضحت نقيضاً للحكم الشمولي الذي يحاول الغرب والقوى الأجنبية إقناعنا به والتي تثيرنا من خلال تغيير وجوهها بوجوه أخرى جديدة لكنها بنفس جوهرها (الفساد)، فما بالنا لا ننأى عن الانقياد لهذه الوجوه ونعود إلى صوابنا لنرسم سيادتنا بقرارنا في الوطن ونكون أمة ذات سيادة وقرار ذاتي واستقلالي مبتعدين عن عالم العولمة المبرمج لتقسيم وطننا الغالي وننبذ أولئك المتعولمين الداعين للتدخل الأجنبي بحياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية ونقول لهم (لا يحكّ جلدك مثل ظفرك) فالوطن يتحمل كل مواطنيه وعلينا كمواطنين أن نحمي الوطن ولو وقعنا بالاختلاف، والاختلاف لا يُفسد للود قضية.















