الصوت الذي نال اعجاب الشعوب والملوك الصوت الذي نال اعجاب الشعوب والملوك
12 سنة تمر على رحيل الفنان عثمان بالي رحمة الله
التقيت به رحمه الله سنة قبل وفاته ، بإحدى فنادق العاصمة الجزائرية ، يتأهب للسفر إلى بريطانيا للمشاركة في حفل بدعوة من اليزابيت الثانية ، التي لا تتأخر في دعوته للمشاركة عند كل مناسبة ، إذ تعتبر من عشاق الفنان عثمان بالي ومن محبيه ، هكذا استطاع ابن واحة جانت الجميلة أن يكسب جمهورا واسعا داخل البلد وخارجه ، وينال محبة وإعجاب الشعوب وملوكها ، كنت آنذاك اشغل بصحيفة جزائرية باللغة العربية ، اعد مواضيع خاصة بالثقافة الأمازيغية ، أجريت معه حوارا مطولا ، تناولنا فيه الموسيقى التارڤية بكل ما تحمل من ثراء وتنوع ، التندي ، السبيبة ، الامزاد ، لكل صنف غنائي خصوصية وأبعاد فنية وإنسانية ، ترتبط بأساطير وطقوس لها مد تاريخي ضارب في العمق ، يتصل بطبيعة حياة الإنسان التارڤي ، أو كما يسمى ﺇموهاغ أو ﺇموشاغ ، التي تعتمد بالأساس على الترحال والتنقل وسط الصحراء الشاسعة ، والتكيف مع طبيعتها الصعبة وسط كثبان رملية ذهبية ، ورسم نمط عيش بأبسط الوسائل المتاحة ، وكان الحوار مع بالي شيق وفي غاية الأهمية ، ملم بمدارك الموسيقى وعلومها ، ما يعكس بالفعل قيمة الفنان ومكانته العالمية كيف لا ؟
وهو الذي رافق نجوم الغناء العالميين ، واطرب الشعوب بأغاني من التراث التارڤي ، جال وصال عواصم العالم ، غنى في ببلدان أوروبية وأمريكية وأسيوية وافريقية ، ما يؤكد شعبية الفنان الواسعة خارج الجزائر .
لم يدرس عثمان بالي الموسيقى ولم يمر بمدارسها ، أخذ من تراث أجداده وغرف من معارف أسلافه وأوهب لنفسه إبداع فني من حدود جغرافية موطنه ، ولم يكن له احتكاك بكبار الموسيقيين في صغره ، إلا أن تواصله مع صانع الآلات الموسيقى بمدينة الأغواط جودي مبارك ، وهو طالب بإحدى مدارسها ، كان له أثر في نفسية الفنان ، الذي بدأت ملامح الابتداع تتجلى وتتضح لديه وهو في عز شبابه ، بحيث بدأت علاقته بهذا الشخص كزبون معجب بصناعة ألآت الموسيقى ، وتكررت الزيارة مرات عديدة ، ثم تطورت فيما بعد إلى صداقة حميمة فيها أخذ وعطاء في علوم الموسيقي ومعارفها ، خاصة وأنهما من بيئة متقاربة جغرافيا ، يقول عثمان رحمه الله عليه ، كنت أتردد على دكان هذا الحرفي وأنا معجب به ، أراقب كيف يطوع قطع حطب صلب فتلين بين يديه وتتحول إلى تحف قبل أن تصبح آلات موسيقية ، وقد حاولت في طفولتي صناعة عود من جذع نخلة ، لذا يبدوا أننا نشترك في الفكرة قبل أن نلتقي ، ومع انتهائه من الدراسة غادر مدينة الأغواط ومعه عود أهداه له صديقه وأستاذه جودي مبارك ، وأضاف يقول الفنان عثمان بالي ، لطالما حاولت صنع هذه الآلة الساحرة في طفولتي ، إلا أن القضاء والقدر كان يخفي سعادة لا نظير لها ، شأت الصدف أن التقي بالذي رسم لي الطريق إلى عالم الفن دون معانات ، وقد كان للفنان عثمان بالي متاعب في بداية مشواره الفني ، إذ وجد صعوبة في قبول الوسط الاجتماعي الذي يعيشه فكرة الغناء عند الرجل ، فهو مقتصر على النسوة فقط ، لكن بمرور الوقت تمكن من تخطي هذه التقاليد التي ظلت تميز المجتمع التارڤي المحافظ . ومع بدايته الفعلية للغناء ، لم يخف فضل الموسيقى عليه في كسب ود الناس وحبهم ، أينما رحل وارتحل بمناسبة أو بغير مناسبة يبادلونه التحية في كل مكان ، يسعدون بلقائه يأخذون صور تذكارية معه بلباسه التقليدي التارڤي ، الذي يتخلى عنه حتى وان كان بأكبر عواصم العالم ، ملك قول محبيه في العالم قبل الجزائر ، وهو الذي لم ينتظر طويلا ليبرز ، بحيث سطع نحمه سريعا وانتشرت أغانيه في الدنيا ، وتوالت الرحلات نحو بلدان العالم في ظرف وجيز ، زار أزيد من 30 دولة ، خلال مسيرة فنية دامت 30 سنة ، وسجل ما يقارب 100 أغنية بالعربية والأمازيغية ، من اشهر أغانيه بالعربية أغنية دمعة على الخدين ، وأغانيه بالأمازيغية أمين أمين ، اميدوان ، جانت بلدته جنوب الجزائر العاصمة ، تبعد عنها ب 2300 كلم ، وأيضا أساروف ويعني يها السماح ، رحل عملاق الأغنية التارڤية ، ذات يوم من شهر من شهر يونيو سنة 2005 م ، حينما جرفت مياه أمطار وادي جانت سيارته وهو بداخلها ، وأدى ذلك لوفاته عن عمر ناهز 52 سنة
.
ومن أبنائه الذين تأثروا به الفنان " نبيل عثماني " ، الذي سلك طريق الأب وملأ الفارغ الفني الذي تركة فجأة ، حاول الفتى إسعاد محبي والده ، فأعاد بعض أغانيه الشهيرة دمعة وأساروف وأغاني أخرى مستمدة من التراث التارڤي ، أضاف لها آلات موسيقية عصرية ، تتماشى مع أذواق شباب اليوم ، في حين حافظ على أصل الإيقاع الذي يرمز للمنطقة ، تفاعل معه الجمهور في العديد من المناسبات ، وهو اليوم يواصل مسار الأب الفنان بخطى ثابتة ، يجتهد لطرق أبواب العالمية وتمكن هو الأخر من حجز مكانة له في التظاهرات الفنية العالمية ، غنى ببلدان عدة في العالم .
لنفحات القلم من الجزائر- الاعلامي عيسى بودراع
.