..انعكــــاساته علــى المنـــطقة وعلـــــى العـــــالم .
.الــــــدول المنخــــرطـة فيـــــه وموقفــــنا منــــه
المحامي محمد محسن
تستند النظرية العلمية الاشتراكية في توصيفها لحركة التاريخ وانتقالاتها النوعية ، على مفهوم التطور الطبيعي للإنسانية ، الذي يتم عبر انتقالات تراكمية مادية من خلال مسيرة تاريخية قد تطول أو تقصر ، تنعكس عنها تراكمات معرفية تصل إلى الحد الذي لم يعد الواقع بقادر على استيعاب هذا التحول الكمي المادي والمعرفي ، فتحدث النقلة النوعية ، من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى أرقى من المرحلة السابقة على جميع المستويات ، وبالرغم من أن هذه التراكمات هي بنت الماضي ، لكنها بنفس الوقت تتمايز عنه بجميع المناحي حتى لا تكاد تشبهه ، ولما كانت حركة التاريخ لا تتوقف لا يمكن أن توجد نهاية مطلقة لأي شيء ، لأن نهاية حقبة لابد وأن تكون بداية لحقبة جديدة .
.
وتستدل النظرية العلمية على ذلك بما حدث في القرن الرابع عشر في أوروبا ، عندما هُزم النظام الكنسي ، وراكم الواقع ما أدى إلى النقلة النوعية من التشكيلة الاقطاعية إلى التشكيلة الرأسمالية ، كما جاءت الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر لترسخ النظام الجمهوري بديلاً عن النظام الملكي ، وأصحاب هذه النظرية وأنا منهم يرون ، أن التشكيلة الاشتراكية ستكون النقلة النوعية القادمة ، التي تجبُّ التشكيلة الرأسمالية التي اغتصبت حضارة البشرية .
.
وجاء " المؤرخ تونبي " ليؤكد فهمه لحركة التاريخ بالقول : يتحرك التاريخ بمقدار ما يكون أمام المجتمعات من تحد ، من هنا تتشكل بدايات الدورات الحضارية ونهاياتها .
" التشكيلة الرأسمالية الغربية "
أما فلاسفة الغرب الرأسمالي فلقد ابتدعوا في العقود الأخيرة ، بعد أن سطت التشكيلة الرأسمالية على حضارة الانسان ، وتفردت بسيطرتها على وحدانية القطب العالمي الأوحد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، فلقد أكدوا على نفي الانتقالات النوعية ، وأن " التشكيلة الرأسمالية " هي نهاية التاريخ ، وأننا بتنا في " مرحلة صراع الحضارات بدلاً من تعايشها " حيث تقف حركة التاريخ عند " التشكيلة الرأسمالية الغربية " التي فرضت " النظام العالمي الجديد " ، الذي تعتبره هذه النظريات آخر مراحل التاريخ ، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ونهاية التحدي الاشتراكي .
[ لكن باعتقادنا أن الذي انهار ليس الاشتراكية باعتبارها هدفاً أو حلماً أو غاية ، بل الذي انهار النظام السياسي الذي كان يتبناها ، ووفق القول السابق الذي يؤكد على [ إن حركة التاريخ لا تتوقف فإننا نثق أن الاشتراكية بمفهومها [ العدالة الاجتماعية ] ستبقى مطلباً ثابتاً أمام الإنسانية ، كما سيبقى التاريخ مُطالب بتحقيقها ] .
.ضياع التوازن
لكن نحن الآن وبهذه الظروف لا ندعي أننا أمام نقلة نوعية من تشكيلة اقتصادية إلى تشكيلة أخرى ، بل نحن في حالة خلل حضاري ، وحالة عدوان دائم على جميع شعوب العالم ، أو ما يمكن تسميته [ بحالة عالمية من ضياع الوزن ] بعد أن طفح كيل الرأسمالية الغربية المتوحشة ، وبعد أن بطشت بمصائر واستقرار الشعوب ، بطش قوي ظالم مقتدر وبدون رادع أو معيق ، والتي ديدنها الحروب لأن بنيتها الرأسمالية ( الاقتصادية والسياسية ) تتطلب ذلك ، ـــ لأن الرأسمالية الغربية لا يمكن أن تعيش وتستمر بدون حروب ـــ ، حيث راحت تلعب بحركة التاريخ الانساني كله كما تريد وتهوى ، لخدمة الشمال الغني على حساب الجنوب الفقير الجائع ، ليس هذا فحسب بل تدمير وقهر وقتل كل شعب لا ينصاع لأوامر أمريكا الدولة الطاغية ، ولا يستسلم لمشيئتها .
.
[ بدأت أمريكا بثوراتها المخملية في أوروبا الشرقية فتفكك الاتحاد السوفييتي ، ثم مزقت البلقان إلى خمس دول مذهبية قزمية ، ثم فجرت ثوراتها الملونة في جورجيا ، وأوكرانيا ] ، وبذلك تكون قد اطبقت حصارها على روسيا ، ثم استكملت هجمتها العسكرية التدميرية من خلال " الربيع العربي " على العالم العربي ، [ حتى وصلت النار إلى سورية ] .
.
وكانت سورية وفق حسابات معسكر العدوان ستكون المحطة الأخيرة ، بعد الاجهاز عليها قياساً على سرعة الحسم التي تمت في ليبيا ، وستكون بذلك قد استكملت الطوق ليس ضد روسيا فقط بل وضد الصين ايضاً ، الدولتان اللتان تنزعان نحو العالمية ، عندها فقط يستتب الأمر لأمريكا في قيادة العالم ، لعقود طويلة ، تكافئ من تشاء وتعاقب من تشاء ، في أكبر عملية سلب في تاريخ الشعوب والثقافات ، فصدام الحضارات تعني عند الغرب اعتبار حضارة الغرب هي الحضارة العالمية الوحيدة ، وهي معيار كل الحضارات .
.
ولكن المفهوم الغربي لنهاية التاريخ الذي تبنته النظريات الرأسمالية الغربية ، والتي تؤكد على ان التاريخ سيقف أبدياً عند التشكيلة الرأسمالية ، يجب علينا نحن المشرقيين أن نحول هذا المفهوم ، من نهاية للنمط الغربي الفردي للحياة ، وبداية للتاريخ المشرقي ذو البعد الانساني ، والخروج من دائرة التبعية الفكرية والثقافية والاقتصادية للآخر الغربي المتجبر ، بالنسبة لكل شعوب العالم حتى الغربية منها ، وتأسيس الدولة الوطنية التي تنعم بقسط واف من الحرية ، يتيح لها امكانية تفتُّح طاقات شعوبها بشكلها المستقل ، مع تبادل حضاري متكافئ مع الآخر غير المستعمر .
.الحرب على سورية
فكانت الحرب المديدة على سورية التي أرادها القطب الاستعماري الغربي ، حرباً لا تبق ولم تذر ، وأنها ستغلق الدائرة لصالح القطب الأمريكي الأوحد ، [ حولها صمود شعبنا وبطولات جيشنا بالتعاون الصادق مع الأصدقاء والحلفاء ، حولوها إلى فالق بين زمنين ] ، وبداية لنقلة نوعية ، وخروجاً من نفق القطب الرأسمالي الغربي المتجبر ، الذي سيرسي ولأول مرة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ، حالة من التوازن كان العالم قد افتقده ، وسينقله إلى الأفق الانساني الرحب ، من خلال تشكل القطب العالمي الجديد ، ببعده الانساني المشرقي ، الذي تصلب عوده من خلال الحرب على سورية ، هذا القطب العالمي المشرقي الجديد لم يوقف الهجمة البربرية الغربية ، الاسرائيلية ، الرجعية ، التي اتخذت الفقه الديني الظلامي المتوحش راية وعنواناً لحربها ، والتي سلحت ، ومولت ، وساندت ، لسبع سنوات ونيف [ 99 ] حركة ارهابية تنتح من [ الفكر الديني النكوصي الظلامي الوهابي ، والاخواني ] بل حطمتها كلها ، من خلال ألف معركة ومعركة .
.ولادة قطب شرقي
أن ولادة القطب المشرقي الجديد ، بقيادة روسيا ، والصين ، والذي ستنضم له دول [ البركس ] ودول منظمة [ شنغهاي ] وغيرها من قارات العالم الثالث [ الثلاث ] ، ستدفع البعض للقول : ألا تنتهج هذه الدول المشرقية النظام الاقتصادي الرأسمالي ؟ فما هو الفرق اذن ما دمنا أمام قطبين ينتهجان نفس النظام السياسي والاقتصادي ؟؟ .
الفرق كبير جداً بين دول استمرأت الاستعمار ومارسته بشتى أشكاله ، العسكرية والاقتصادية والسياسية ، منذ ما يزيد على خمسمائة عام ، بحيث لم تترك دولة أو شعباً بدون أن تستولي على طاقاته البشرية والمادية وبالقوة ، ـــ هل نسينا عشرات الملايين من العبيد ـــ الذين اخذوا عنوة من أفريقيا إلى القارة الأمريكية بعد استعمارها ، ومات منهم الملايين ، وهم يستخرجون الذهب والفضة من القارة البكر ؟ !! ، وهل نسينا حرب الأفيون في الهند والصين ؟ ، وموت الملايين من فقراء العالم بسبب الحروب التي شنوها ضدهم و نهب خيراتهم ؟ ، وان نسينا فلن ننسى السرطان الذي زرعوه في جسدنا ( في فلسطين ) ، وغير هذا وذاك كثير وكثير جداً .
.
أما القطب المشرقي الذي بات حقيقة ، والذي عزز مواقعه على الأرض السورية بكل ثقة وجدارة ، فروسيا علمت الملايين من شباب [ 68 ] دولة من العالم الثالث مجاناً ، كما وقفت إلى جانب هذه الدول ، ضد طغيان الاستعمار الغربي ووحشيته ولا تزال ، أما صين [ ماوتسي تونغ ] العظيم الذي قال : [المعسكر الغربي نمر من ورق ] والصين اليوم لم تستعمر اي بلد ، بل باتت تجربتها مثالاً يحتذى لشعوب العالم ، كما لن ننسى وقفتها مع سورية في مجلس الأمن وغيره ، وان نسينا فلن ننسى أن دول المشرق بالرغم من انتهاجها الاقتصاد الرأسمالي ، لاتزال شعوبها تملك بعداً انسانياً ، وحجماً من العواطف الانسانية التي ماتت في الغرب أو كادت ، والأهم أنها شعوب الشرق لا تشعر بالتعالي ولا الاحساس بالتفوق على شعوب العالم المشرقي ، كما الغرب ـــ وهذا معيار جد هام ـــ .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا القطب المشرقي الجديد ، سيأسس ويرسي حالة من التوازن العالمي ، وهو انجاز بالغ الأهمية ، لأنه سيوقف العدوانية الغربية التي تشبه وحشية ( ذئب في حظيرة خراف ) ، وهذه الحالة وحدها هي التي ستحقق حالة من الاستقرار عند شعوب العالم الثالث ( استقرار غير الخائف ) ، وهذه بدورها تشكل ألف باء حالة التطور المستقل ، التي تتيح مساحة من الديموقراطية .