عصا موسى
كَأنِّي ..
لمْ أَزَلْ طِفلاً
………….. أَعوْمُ بِقارَبِي القَصَبِيّ
وقَدْ أَلْقَتْنِيَ أُمِّي
………… إلَى يَمٍّ
عريضٍ .. مَالِحٍ .. لُجّيّ
لِيَأخُذني
….. عزِيزُ العَالَمِ المَسْحُور
وأُخْتي
.. تَمشي حافِيةً
… تَحَسَّسُ عِطْرَ أنْفَاسي
….. فَعِطْرُ القُدْسِ مِنْ بخُّور
وجاؤوا بِي .. إلَى قَصْرٍ
… بَلُوْقٍ .. سَعْسَعٍ .. مَشْرُور
أَقَامُوه عَلَى جُرْفٍ
…….. هَرُورٍ … وَاهِنٍ … حَمَئِيّ
…….
كأنّي…
إذْ لَهِيبُ الوَجْدِ
في قَلْبي …. يُؤَجِّجُه
………… نِداءٌ مِنْ فَمٍ سَبَئِيّ
لِأُمٍّ …
لَمْ تَزَلْ تَحْيَا
…….. بِقَلْبٍ : مُرْهَفٍ .. أُمِّيّ
فَأُمِّي تَعْرِفُ الدُّنْيا
ومَا يَحْلُو بِهَا لَهُمُ
وتَعْرِفُ كُلَّ مَكْرِهُمُ
وفي أيْلولَ ..
كَمْ فَسَقوا…
وكَمْ عاثُوا…
وكَمْ ظَلَموا …
وكَمْ ملؤوا كؤوسَ النَّاسِ
…….. مِن دَنٍّ:
….. سَمُومٍ … أسْوَدٍ … نَفْطِيّ
……….
كأنّي …
إذْ أرى فِيهِم
مَراضِعَ تُنْتِجُ العِصْيان
فَإنَّ القَومُ سُمَّارٌ
……… لِعَبْدٍ مُخْمَرٍ غَرْبيّ
وأُمِّيَ :
… خَيْرُ مَنْ أَرْوَى
وأُمِّيَ :
… دِيْمَةٌ سَكْبَى
زُلَيْخِيٌّ لَها قَلْبٌ
…….. يَمُورُ لِعَالَمٍ دُرّيّ
رَجِعْتُ إليْها ..
كَيْ أَنْمُو…..عَلى لَبَنٍ
نَقِيِّ النَّبْعِ مَعْسُولٍ
نَدِيٍّ .. سَلْسَلٍ .. شَرْقِيّ
….
كَأنّي …
((….. إذْ أَعادُوني
لِأَكْبُرَ
…… في مَسَاكِنِهِمْ
وقَالوا أنَّني : ابْنَهُمُ
ومَا عَلِمُوا :
….. بِأنِّي لَستُ مِثْلَهُمُ
مَضاجِعُهُمْ :
… نِقابٌ يَحْجِبُ البَغضَاء
ويُخْفي مِنْ عُتُوِّهُمُ
فَحيحَ الحِقْدِ ..
…….. والنّفَثات..
عُواءَ الذِّئْبِ..
… دَبيبَ النَّمْلةِ السَّوداءْ ))
رَأَيْتُ خَفِيَّ مَسْعَاهُمْ
……….. ومَكْرَ العَالَمِ السُّفْليّ
…
كَأنّي …
طُفتُ في الأرْضِينَ
…… أبْحَثُ عَنْ يَدٍ بَيْضاءَ
تُرْشِدُني ..
تُسَاعِدُني …
فَتَهْدِيَني سَبيلاً ..
مَا بِهِ عِوَجٌ
… وَلا أَمْتٌ .. وَلا وَعْثَاءْ
فَلَمْ أَلْقَ ..
….سِوى رَجُلٍ
.. سَليلِ البِضْعَةِ .. الزَّهْرَاءْ
بِلادُ الشَّامِ : مَسْكَنُهُ
….. وَجُذْوَتُهُ : مِنَ الجُودِيّ
فَعَلَّمَني …
وَهَيّأَ لِي ..
وَقَالَ بِأَنَّ مَوْعِدُنَا :
………. مَقَامَ المُرْتَجَى المَكِّيّ .
…
كَأنّي …
إذْ بَلَغْتُ الرُّشْدَ
أَتَيْتُ كَبيرَ مَبْلَغِهِم
..لأَدْعُوهُم إلى الأقْصَى
…….. وفَيْضِ العَالَمِ القُدْسِيّ
ولَكِنْ …..
… كُلُّهُم فَسَقُوا
….. وكَانوا كالَّذي أَقْعَى
تَنَادَوا في مَفارِقِهِم
… لَعَلّ الصَّوتَ يُسْكِتُني
إلى يَوْمٍ
يكونُ لَهُمْ عَلى عَزْمِي
…………………. اليَدُ الطُّولَى
فَقَدُ كَتَبوا عَريْضَتَهُم …
إلى خُوفُو .. إلى خَفْرَع ..
إلى عَادٍ .. إلى قَيْدَر ..
………….. وأرْبَابِ الهَوى الأَيْكِيّ .
……..
كأنّي …
مَعْ بُزوغِ الفَجْرِ
تَناهَتْ نَحْوَ أسْماعي
……..عُواءاتٌ لَهُمْ شَتَّى
وأمّي
إذْ تُراقِبُهُمْ
…….. تَسِيرُ الخُطْوةَ الوُثْقَى
وفي يَدِها
……….. تَلُوحُ الحُجَّةُ الأُوْلَى
بِأَيْدٍ مِنْ عَصَا مُوسى
وَآهٍ .. يَا عَصَا مُوسَى :
كأنَّ النَّاسَ قَدْ عَلِمَتْ مَشارِبَها
ولَكِنْ …
… قِلَّةٌ مِنْهُم
……… تُحِبُّ الْمَنَّ والسَّلْوَى
فَقَدْ أَلْفَيْتُ مُعْظَمَهُم:
عُيونُهُمُ ..
………. كَما المُرْجَان
……… ولَكِنْ : قَلْبُهُم أَعْمَى
وزُيَّنَ في نَواظِرِهم
………. كَيَوْمِ الزِّينَةِ الكُبْرى
حَبَائِلُهُم :
تُثِيرُ الرُّعْبَ بَيْنَ النَاسِ
إنْ تَرْضَى ……. وإِنْ تَأْبَى
فَأَلْقَيْتُ العَصَا أَرْضاً
فَصَارَتْ حَيَّةٌ تَسْعَى
لِتَلْقَفً :
كُلَّ .. مَكْرِهُمُ … وَسِحْرهُمُ
وَيَعْلُو الصَّوتُ فِي الأقْصى:
أَنَا فِي القُدْسِ
…أَجْراسٌ … وَتَكْبيرٌ لِمَنْ لَبَّى
……………………. وفَيْضُ العَالَمِ الدُّرِّيْ .
الشاعر عماد الدين عمار