.jpg)
.عــــــــقوبات أمريكــــــــية علـــى الأعــــــــــداء والحلفـــــــــاء …….
……………..هـل هي سيــاسة الهيــمنة والتـرهــــيب أم بدايــــة الانغـــلاق ؟……..
……………..وهل ستشـكل فرصـة لانعتــاق أوروبا من الوصـاية الأمريكية ؟……..
المحامي محمد محسن
.
كل مرحلة مفصلية في التاريخ صعوداً أو هبوطاً ، تفرز قياداتها التي تشبهها ، لتمثلها وتقودها إلى حيث يتجه مردود مسارها الجمعي العام ، فما هي النبوءة التي يمكن الاستدلال عليها من خلال وصول ترامب إلى البيت الأبيض ؟ ، الرئيس الذي لم يكن معروفاً في الحقل السياسي ، بل وصل إلى البيت البيض في الوقت الذي كانت جميع التقديرات والروائز المختصة لا تشير إلى ذلك ، هذا الرئيس جاء إلى السلطة كتاجر مخضرم ، لا كسياسي متمرس ، لذلك يساوم في السياسة كما كان يساوم في صفقاته التجارية ، حيث تعامل مع حلفائه وأعدائه من أفق المصالح الاقتصادية فحسب ، ولا أدل على ذلك من مساومته للسعودية على ثمن حمايته لها قائلاً [ نريد بدل الحماية ] ، وهذا ما كان !! ، حيث قدموا له قلادة من الذهب والمجوهرات الثمينة ، ومعها شيك ب / 450 / مليار دولار فقط وهم صاغرون ثمناً لذلك .
.
ولكن على شعوب المنطقة أن تضيف لهذا الثمن الباهظ والمبهظ ، ثمن الأدوار والمهمات التي نهضت بها هذه المملكة العتيقة لصالح أمريكا وحلفائها في جميع دول المنطقة ، والتي كانت تجير لإسرائيل في آن واحد ، والتي لا تقدر بثمن ؟؟ ، واعتبارها حقاً لهذه الشعوب يجب استرداده [ ولا يموت حق وراءه مطالب ] .
.
وعلى ترامب أيضاً أن لا يتجاهل ثمن هذه الأدوار لأنها تفوق آلاف الأضعاف الأجر المادي الذي حصل عليه في أول زيارة له لمحميته ، [ تآمر ، وتجسس ، ومحاولة تمزيق مجتمعات المنطقة مذهبياً ] [ ضد سورية ، ومصر ، والعراق ، وليبيا ، وإيران ، وغيرها ] ، [ والأهم والأدهى سوق الاسلام سوقاً إلى خانة الارهاب ] ، من خلال التبشير الوهابي الذي توسع على حساب المذاهب الاسلامية الأربعة ، وهذه المهمة كانت الأهم من جميع المهمات التي قامت بها السعودية عبر تاريخها ، [ لأنها عملت على شيطنة دين الغالبية العظمى من سكان المنطقة ] ، وأوصلته إلى صورة الوحش الارهابي القاتل ] ، كما كانت هذه المهمة الأهم أيضاً بالنسبة للغرب وعلى رأسه أمريكا ، وبخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ، فكان أن تحقق هذا الهدف من خلال " الربيع العربي " الذي تغذى من فقه ومال المحمية السعودية .
.
لذلك على الشعوب العربية المنكوبة أن تطالب ترامب ، كما تطالب الملوك العملاء في المستقبل غير البعيد ، باحتساب ثمن هذه المهمات ، واضافتها إلى قيمة البدل النقدي للحماية ، التي كان يجير أغلبها لصالح اسرائيل من حيث المآل ، واليوم وبعد أن وصل السيل الزبى ، يجب أن نعتبر حالات التطبيع التي تأخذ أشكالها الوقحة والعلنية ، عمليات تمهيدية لصفقة القرن ، ضمن ثمن الحماية المجزي ، وأن تتم إضافتها إلى بدل الأجور السخية التي سنطالب ممالك الخليج بتسديدها بعد رفع الحماية عنها .
.
فمنذ أن جاء هذا الرئيس وهو يستخدم سلوك الثور الهائج من خلال لغة التهديد والوعيد ، لكل العالم ولم يستثن من تهديده أحداً ، هدد كوريا الشمالية بقصفها بالنووي ، كما تابع العدوان المباشر وغير المباشر على سورية ، ولم يكتف بذلك بل بادر إلى قصف سورية بصواريخه الجوية والبحرية مباشرة مع حلفائه ، ولا يزال يساهم بتدمير اليمن وقتل شعبه ، وهو يهدد ايران موجهاً لها انذارات متكررة ، مستمراً في حصارها اقتصادياً ، وتوَج كل تهديداته بانسحابه من الاتفاقية النويية ، كما يحاصر روسيا اقتصادياً ، وسياسياً ، أما بالنسبة للصين فلقد فرض ضريبة مرتفعة جداً على مستورداتها من الصناعات الصينية ، بما نسبته 25 % ، كما أصدر عقوبات فردية ضد بعض رجالات هذه الدول المصنفة على معسكر الأعداء .
.
كل هذا كان يمكن هضمه ، لأن جميع الدول التي عوقبت كانت أمريكا تعتبرها ضمن الدول المعادية ، أما وان يصل الأمر إلى فرض رسوم عالية وضرائب على أهم مستوردات حلفائها التاريخيين ، الأوروبيين ، وكندا ، والمكسيك ، ومعاقبة جميع شركات ومصارف هذه الدول العاملة أو التي ستعمل على الأراضي الإيرانية وغيرها ، فهذا يستحق الوقوف عنده ودراسة ، أسبابه ، ودوافعه ، والنتائج التي ستترتب عليه ، نحن ندرك الرباط التاريخي والمصيري بين الاقتصاد والسياسة الأوروبية وبين أمريكا ، يمتد إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث أخذت أمريكا دور الحامي والمدافع عن أوروبا ، بمواجهة " الغول السوفييتي " الذي بقيت حتى الآن تخيف أوروبا منه ، وتحت هذه اللافتة نستطيع القول أن أوروبا باتت مستعمرة أمريكية بكل المقاييس ، فهي مغطاة بالقواعد الحربية الأمريكية ، من خلال الحلف الأطلسي ـــ الناتو ـــ ، ومن خلال هذا الحلف جرت تلك الدول إلى جميع حروبها من أنفها ، كتابع ذليل [ لا كشريك ولو بأسهم محدودة ] .
.
إلى هنا كان الأمر في حدود المقبولية النسبية ، ولكن ان يصل الأمر إلى أن تسرق أمريكا جميع الأسواق الأوروبية ، من الهند مروراً بالباكستان والخليج العربي وصولاً إلى جبل طارق ، في الوقت الذي كانت فيه جميع هذه البلدان خاضعة للإمبراطورية البريطانية التي لم تكن لتغيب عنها الشمس ، وبعضها كان من حصة الاستعمار الفرنسي ، أما القارة الإفريقية فكانت الجائزة الكبرى ، حيث انتقلت إلى تحت الوصاية الأمريكية أيضاً ، وبهذا الحصار الاقتصادي ــــ السياسي تحولت أوروبا إلى قارة عجوز ، بحاجة إلى [ وصي ، بمثابة قيم ، بالمفهوم القانوني ] ، فلعبت أمريكا هذا الدور بكل جدارة ، بل كانت تدفعها دفعاً للاشتراك في جميع حروبها بدون أي حق في الاعتراض ، لتحصد هي النتيجة ، ويبقى لأوروبا دفع ثمن هذه الحروب من جيوشها ومن مالها ، كحربها في البلقان وفي العراق ، وفي ليبيا وهي الآن مشتركة مع أمريكا في حربها على سورية ، وهذه السياسات مجتمعة دفعت أوروبا إلى طريق الذبول ، حد الخروج من الفعل السياسي في الساحة العالمية .
.
فهل ستكون هذه العقوبات الوقحة التي فرضها ترامب على أوروبا ، سبباً منطقياً للتفكير البدئي للخروج من تحت العباءة الأمريكية ؟؟ ، هذا أمر أقرب للبداهة في مثل هذه الحالات ، وذلك لسببين جوهريين أولهما أن البعبع السوفييتي لم يعد موجوداً ، ثانياً إن مصلحتها مع الشرق من حيث النتيجة ، وليست مع أمريكا سارقة أمجاد أوروبا السياسية والاقتصادية ، ولكن يبقى الأمر في حدود التخمين ، لأن اتخاذ قرار جريء بهذا المستوى يتطلب قادة كبار ، [ كديغول مثلاً ] ، ولكن لا يبدو لي أن هذا المطلب الاستراتيجي متوافراً ، لأن أوروبا العجوز كما هو الحال عليه في أمريكا ، فرزت قيادات تمثل واقعها الراهن الذي لا يبشر بقدرة هؤلاء الزعماء على اتخاذ هكذا قرار تاريخي .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن أنا أثق أنه ومهما كان واقع القيادات الأوروبية ضعيفاً ، لابد وأن يدفعها الواقع الاقتصادي والسياسي مستقبلاً دفعاً إلى هكذا قرار ، وإلا ستكون أوروبا ليست عجوزاً فحسب بل أقرب للموات السريري ، الذي سيؤدي إلى تمزقها إلى دويلات ، كما كان عليه البرنامج الأمريكي تجاه جميع الدول التي اجتاحتها . من جورجيا ، والبلقان ، وأوكرانيا من خلال الثورات الملونة ، وصولاً إلى الاجتياحات العربية تحت مسمى [ الربيع العربي ] الذي جاء شتاءً اسوداً كسواد لحى الارهابيين الذي كانوا أدواته في هذه الحروب .
ومهما كان عليه الواقع الأوروبي مستقبلاً فإن سلوك ترامب الرئيس الجديد ، لا يبشر بخير حتى لأمريكا ذاتها ، لأن خروجه من اتفاقية التجارة العالمية الحرة إلى الحمائية ، قد يؤدي أو سيؤدي إلى انغلاق الاقتصاد الأمريكي وعودته إلى ما وراء الحدود الأمريكية .
ولكن علينا أن نضع في اعتبارنا عند مقاربتنا المستقبلية للواقع العالمي ، ومهما علا صراخ وتهديد ووعيد هذا الرئيس ، أن الحروب الكبيرة قد انتهت وإلى الأبد ، وأن أمريكا التي تملك أقوى ترسانة تدميرية في العالم ، باتت عدة صواريخ كورية أو ايرانية حتى ، قادرة على تهديد مصالحها ومصالح حلفائها ، ويمكن أن نرى صحة هذا الاستنتاج : في طلب ترامب الثور الهائج الجلوس مع رئيس كوريا الشمالية ، الذي كان يوصف بالشيطان الأكبر .
كما علينا أن نسحب هذا الرأي على حالة اسرائيل ، التي باتت مغلولة اليدين ومرعوبة من صواريخ حزب الله لوحدها ، فكيف بصواريخ محور ؟؟؟ نعم ولو بدى الواقع لا يشي بذلك من خلا ل تفريعاته ، ولكن المعطى العام يؤكد هذه القناعة لمن يريد استشراف المستقبل .













