سيرة. رائده. من. رائدات. النهضة. الثقافيه. في. حياتنا. المعاصره
المجمعية الأولى في مجمع اللغة العربية الدكتورة ليلى الصباغ.
كيف نعرف تاريخنا، ونتعرف روادنا، ونبحث في سيرهم الشخصية لنرسم مستقبلنا، ونستفيد من خبرات علمائنا في جميع المجالات، فنحقق أحلامنا من خلال الإفادة من أعمالهم المميزة في خدمة سورية الحضارة التي هي مجال فخرنا واعتزازنا وانتمائنا؟
وإذا أردنا معرفة ذلك الزمن البعيد، وماذا كتب المؤرخون عن جيل النهضة، وما حقق الرواد في الفكر والمعرفة للوطن، وما قدموا للأجيال من العلم والأدب والتربية الهادفة من أجل المستقبل الأفضل، فإن ذلك كله يقدم لنا الدروس والعبر لنهتدي بها في مسيرتنا.
ونحن الآن أمام مسيرة عطاء وإنسانية لعالمة وهبت نفسها للعلم، ولا لشيء سواه مسيرة العالمة الأستاذة الدكتورة ليلى الصباغ رحمها الله.
لمحة عن حياتها
أبصرت النور عام 1924، وبعد وفاة والدها – السيد عبد اللطيف الصباغ- عاشت الأسرة في كنف جدها لأمها (السيد أحمد الأبرش) الذي وفّر للأطفال الثلاثة ووالدتهم المحبة والحنان، وساعدهم على تجاوز مرارة اليتم، واستمرت رعايته النبيلة حتى وفاته عام 1933، وعادت الأسرة إلى منزلها الأول، وتابعت الأم الحكيمة رعايتها لأسرتها الصغيرة وتشجيعهم للتحصيل العلمي والتفوق بالرغم من الظروف الصعبة التي مروا بها، وتخرج الابن (فيصل) طبيباً ..
وتابعت (الابنة ليلى) دراستها ونالت الشهادة الثانوية القسم الأول عام 1942 والقسم الثاني عام 1943، وبعد نجاحها تقدمت إلى مسابقة في جامعة القاهرة- كلية الآداب- قسم التاريخ، وبعد نجاحها سافرت إلى مصر عن طريق فلسطين مع رفيقة لها لمتابعة الدراسة في جامعة القاهرة.
ونالت شهادة الإجازة الجامعية (الليسانس) عام 1947 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف..
وبعد عودتها إلى دمشق دخلت مجال التدريس، وتدرجت في الأعمال الإدارية والعلمية طيلة ثماني سنوات، واستمرت في التدريس حتى عام 1954، وعُيّنت مديرة ثانوية البنات الأولى حتى عام 1963.
وتخلّل هذه الفترة إيفاد إلى مصر لعام واحد (1958- 1959) خلال فترة الوحدة، وذلك للاطلاع على النظم الإدارية والنظام التعليمي المصري الذي اعتمد في سورية آنذاك، وحققت نجاحاً ملموساً في العمل الإداري، وأرادت الارتقاء بالتربية والتعليم والاهتمام بالصحة البدنية والنفسية للطالبات، والمشاركة بمختلف الألعاب الرياضية إلى جانب العناية بالموسيقى والعناية بالثقافة العامة والمطالعة والكتابة، والاجتماعات الدورية مع أولياء الطالبات ومعالجة قضاياهم.
هذه الميزات الإدارية أعطت نتائج باهرة بازدياد التفاعل بين الطالب والمدرسة والأسرة، وكانت النتائج الجيدة لطلاب الشهادات.
وثابرت بعدها لمتابعة الدراسة لنيل شهادة الماجستير والدكتوراه، ونالت شهادة الدكتوراه بدرجة مرتبة الشرف الأولى.
أُعيرت إلى الجزائر لمدة عامين، وعادت إلى سورية، وعُينت في مديرية البحوث بوزارة التربية 1971- 1978.
ثم عُينت في وزارة التعليم العالي – جامعة دمشق كلية الآداب قسم التاريخ (1978- 1993)، وبنجاحها في عملها عملت في سبيل إثبات جدارة المرأة في بلادنا، وقدرتها على المشاركة في بناء الشخصية العربية الحديثة، وشقت طريقها المحفوف بالمشقات..
وانتُخبت عضواً في مجمع اللغة العربية في دورته عام 1999 خلفاً للأستاذ الدكتور حسني سبح.
وقد أقيم لها حفل استقبال عام 2001 في مجمع اللغة العربية بدمشق قالت في كلمتها:
«الشكر الجزيل لرئيس المجمع وأعضائه الخالدين للثقة التي أولوني إياها باختياري عضواً في هذه المؤسسة العلمية العريقة والموقرة وصيفة لها، وبذلك أكون أول امرأة تلج بابها العلمي. والله أسأل أن أكون على مستوى المسؤولية التي حملتها منهم ومعهم.. في السعي الدؤوب لتحقيق جميع الأهداف التي وضعها مجمعنا اللغوي العربي على أسس من الجهاد في العلم والصبر في البحث والإخلاص في العمل».
ولم يكن مألوفاً في الجو العام المشاركة في مجالات الثقافة العالية. فلم يكن هناك فرصة لوجود المرأة في المجمع العلمي العربي منذ تأسيسه عام 1919، وكانت انطلاقتها العلمية والإدارية في مجال التعليم في كلية الآداب وحضورها الفكري في مجالات عديدة ، وقد أسهمت في ذلك كله، مما جعلها تتبوأ هذه المكانة العلمية في المجمع.
فكانت أول امرأة في سورية تنتخب في مجمع اللغة العربية عضواً عاملاً على الصعيد العربي أيضاً.
وكُرّمت على مختلف المستويات، وهي جديرة بهذا التكريم.
كما أننا نعتز ونفتخر بما قدمت سورية الحضارة من تقدير للعلم والعلماء، وتكون سورية أول دولة عربية تشارك فيها المرأة في هذا المجال العلمي.
المؤلفات والأبحاث والدراسات
قدّمت الدكتورة ليلى الصباغ خلال مسيرتها العلمية العديد من الكتب أغنت بها المكتبة العربية، ونشرت العديد من الأبحاث والدراسات التاريخية والأدبية في أثناء حضورها المؤتمرات الدولية والعربية والوطنية.
وساهمت في النشاط الفكري الشعبي بتقديمها أحاديث متنوعة المواضيع في إذاعة دمشق في الفترة الواقعة بين عامي 1950 و 1971.
زارت الدول العربية والأجنبية، وشاركت في أبحاثها ومحاضراتها خارج القطر أستاذة زائرة في الجزائر من عام 1966 إلى 1968، والإمارات العربية عام 1993، وثمة بعض المؤلفات لها لم تطبع بعد، ونتمنى أن يتم جمعها ونشرها. ونذكر بعضاً من مؤلفاتها الصادرة:
1- المجتمع العربي السوري في مطلع العهد العثماني الصادر عام 1973.
2- المرأة في التاريخ العربي في العصر الجاهلي الصادر في دمشق عام 1975.
3- دراسة في منهجية البحث التاريخي من مطبوعات جامعة دمشق 1979- 1980.
4- تاريخ العرب الحديث والمعاصر مطبوعات جامعة دمشق 1980-1981.
5- معالم تاريخ أوروبا في العصر الحديث مطبوعات جامعة دمشق 1980- 1981.
6- من أعلام الفكر العربي في العصر العثماني الأول المؤرخ (المحبي) وكتابه خلاصة الأثر الصادر في دمشق عام 1956.
7- تقديم وتعليق وتحقيق لكتاب (المنح الرحمانية في الدولة العثمانية للمؤرخ المصري (محمد بن أبي السرور البكري الصديقي) الصادر في دمشق عام 1995.
8- نساء ورجال في الأدب والسياسة وإصلاح المجتمع عام 1995.
9- من الأدب النسائي المعاصر العربي والغربي عام 1996.
10- فلسطين في مذكرات الفارس دارفيو.
يضاف إليها عشرات البحوث والمقالات والدراسات المنشورة في عدد من المجلات الثقافية العربية، والعشرات من الأبحاث غير المنشورة، وهي عبارة عن مذكرات أعدت لطلاب كلية الآداب (أقسام التاريخ واللغة العربية والآثار) وطلاب كلية التربية، وكتيبات ومخطوطات تتناول التاريخ العربي والإسلامي والأوروبي.
بالإضافة إلى رسالتي الماجستير والدكتوراه اللتين نشرتهما في كتابين الأول رسالة الماجستير بعنوان (الفتح العثماني لبلاد الشام ومطلع العهد العثماني فيها الصادر عام 1961).
ورسالة الدكتوراه التي قدمتها عام 1966 تم نشرها في كتاب في جزأين عام 1989 تحت عنوان «الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في القرنين السادس عشر والسابع عشر».
وقد كتبت عن بعض الشخصيات العربية، ودرست أحداثاً هامة لم يتطرق لها كثير من المؤرخين أذكر منها:
– دراسة عن (ثورة مسلمي غرناطة عام 1568) عام 1973.
– كتابين عن المؤرخ الكبير (ساطع الحصري) عام 1977 وعن عبد الملك بن مروان الشخصية التاريخية 1975.
وسنورد مقتطفات مما كتبت:
1- منهجية البحث التاريخي: وقد أعطت نظرة شاملة وحديثة ربطت بين النظريات التاريخية الحديثة وبين مسارات المؤرخين العرب القدامى، وأظهرت ما سبق أن قدمه ابن خلدون، وتجاوز مسارات المؤرخين السابقين له وأعطى منهجاً يوضح فيه العوامل المؤثرة في مجريات التاريخ..
2- كتبت في مقدمة كتابها نساء ورجال في الأدب والسياسة وإصلاح المجتمع:
«إنّ تراجم الشخصيات الفاعلة في تاريخ الإنسانية لا تبلى بالتقادم فهي حية إنها من بيئة الإنسانية، ومن حقها على الأجيال جميعاً أن تظهرها وتُبرز مجدداً الحديث عنها دون توان وباستمرار لأنها الجسم الحي والمشخص لحركة الإنسانية في مسيرتها عبر الزمن».
وأضافت «حياة أعلام من الرجال والنساء في مجالات الأدب والسياسة التي أثرت إيجابياً في مجتمعاتها والمجتمع الإنساني عامة وفي كل المجالات»..
3- كتابها المرأة في التاريخ العربي في العصر الجاهلي:
«تركز اهتمام المؤرخين بالأحداث السياسية دون الحضارية، وبالأفراد العظام من الرجال دون النساء ولم يتطرقوا إليها إلا عندما لعبت دوراً أساسياً وقادت دفة الحكم»، وأشارت الدكتورة إلى نهضة المرأة المعاصرة في مطلع القرن العشرين..
لقد تميزت (د. ليلى) بالدقة والموضوعية والبحث الشمولي، وبأسلوبها النقدي، فهي تحرص على دراسة الأحداث التاريخية من خلال الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والفكرية المحيطة بالمرحلة التاريخية التي تتناولها، والأوضاع السياسية السائدة للمناطق المجاورة ومدى التأثر بها.
إذ تقول «إنّ الحدث يأتي من تفاعلات سياسية دولية تدخل فيها العوامل الاقتصادية وهي بذلك تعطي للتاريخ البعد الإنساني».
ما كتبه رجال الفكر عن د. ليلى:
كتب د. مروان المحاسني رئيس مجمع اللغة العربية في حفل تأبينها في دمشق عام 2013:
«نحن اليوم نشيد بفقيدتنا أستاذة كبيرة فيها روح الأستاذية على خير وجه كما تمثلت بها الدوافع إلى توضيح ما بقي غامضاً من أحداث ومنعطفات تاريخية تؤكد إكبارنا لهمة عالية حملت لواء الإخلاص للعلم، وكانت مثالاً للتجرد في خدمة ثقافتنا العريقة، وأكدت جدارة المرأة في بلادنا وقدرتها على المشاركة في بناء الشخصية العربية».
وكانت أول امرأة تدخل مجمعاً عربياً عام 2001، وقد أبرزت في خطاب استقبالها حسها اللغوي المستند إلى ملكة حقيقية في إتقانها للغة الأم، وفهم واضح للمصطلحات الأجنبية.
– وفي حفل تأبينها قال الدكتور خالد حلبوني عميد كلية الآداب بجامعة دمشق:
«إنّ الكتابة عن د. ليلى تزداد نوراً حيث تسمو مدارج عليا حين تتحلى كتابتها بفيض زاخر من الإنسانية وكريم صفاتها والمنظومة الأخلاقية ودلائل خبراتها.. فإن الكتابة في قمة إبداعها تتحول إلى لون فكري له تأثيره الحضوري لتحقيق النهضة الثقافية فهماً ودراسة ومنهجاً ينقلب إلى فعل إبداعي خلاق».
– وأبانت الدكتورة نجاح محمد الأستاذة في قسم التاريخ في كلية الآداب بجامعة دمشق بعضاً من ميزات شخصيتها العلمية على الصعيد التاريخي المنهجي والاستفادة من منهجيتها التاريخية الواضحة خطة وتوثيقاً وشمولية وموضوعية.
– وأوضحت أن لها توجهاً وطنياً قومياً عروبياً إسلامياً وإنسانياً دون أية خلفيات أو مواقف ذهنية تعصبية سابقة.
– كما أشارت إلى وجود رؤية مستقبلية لديها تدعمها نزعة إنسانية منطلقها الإيمان والعقل الإبداعي.
الجوائز التي نالتها:
نالت العديد من الجوائز.. جائزة تقديرية من وزارة التعليم العالي، ومن المنظمة العربية (مركز الأبحاث التاريخية والفنون)، وهي الجديرة بكل تقدير وتكريم.
خـاتـمـة
ونحن في عرضنا السريع لسيرة هذه الرائدة من رائدات النهضة الثقافية في حياتنا المعاصرة نهدف إلى أن نستخلص الدروس والعبر وضرورة التمسك بالإرادة والصبر من شبابنا والحرص على التميز في الدراسة والتحصيل والنظرة الموضوعية في معالجة الأحداث والقضايا والجرأة في قول الحق.
مراجع البحث:
– حفل التأبين بمناسبة وفاتها.
– حفل تكريم بمناسبة انتخابها عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية.
– كتاب نساء سوريات، ومقال خاصة عن (د. ليلى الصباغ) للأديبة انتصار أدهمي.
– كتب المؤلفة والأبحاث التي نشرتها.سيره
من صفحة السيدة سمية اليونس