السياسة والعواطف
بقلم الباحث والخبير الجيو سياسي عبد الله احمد
يخلط البعض ما بين المواقف السياسية والعواطف ، وفي ذلك تسخيف للمشهد مع العلم أن التجيش العاطفي في الاعلام قد يكون مفيدا في بعض الحالات وذلك عندما تتطلب المشاريع المطروحة رأي عام تهيجه العواطف لتبرير سياسات او لتمرير مشاريع وهو سلاح خطير في كل الاحوال ، وقد استخدم الغرب هذه الاداة بشكل محترف وأدى الى نتائج باهرة للولايات المتحدة والغرب ومدمرة للشرق "الربيع العربي " مثالا، ويعتبر ذلك تجلى مباشر لنظرية جوزيف ناي اي القوة الناعمة .
الشعوب العربية عاطفية بالاصل ،ومهيئة لتكون مطية لهذه النوع من الحروب الاعلامية بالبعد النفسي العاطفي وذلك لاسباب موضوعية لها علاقة بحذور تاريخية وعقائدية قديمة متأصلة ، دون أن تتخذ الدول الحديثة الاجراءات الثورية لتغير النمطية التاريخية من خلال التعليم المنهجي المتوافق مع متطلبات التطور العلمي ، يعيد التراث الديني والقبلي الى متحف التاريخ بحيث يكون منصة أخلاقية ولست منصة قبلية وعصبية .
في هلسنكي يحسب لبوتن قطف ثمار الثبات والبراغماتية في القراءة ولكن بتصميم وعناد في السعي لتحقيق مصالح بلده روسيا الاتحادية بعد فترة قصيرة نسبيا من عمر روسيا الاتحادية الحديثة ، إلا أن بوتن لا يدافع عن السوريين او العرب أو ايران لاسباب عاطفية وانما يدافع عن مصالح روسيا الاتحادية ويتطلب منه ذلك التمسك بمصالح الحلفاء "سورية – ايران " لان التخلي عنها يعني تعريض مصالح روسيا للخطر في ظل الصراع مع الغرب ليكون لروسيا موقعا كقطب عالمي .
القمة بحد ذاتها ليست تعبيرا عن ترسيخ التعددية القطبية فذلك يحتاج لسنوات ، فالولايات المتحدة لا تعترف بذلك بعد ومازالت القوه المهيمنة مع أن فارق القوة ما بينها وبين الصين وروسيا قد أصبح ضئيلا .
القمة بعكس ما يفترضه البعض ،هي في جوهرها محاولة لادارة الصراع وتلافي الانفجار وليس من الضروري أن تكون بداية لحالة نجاج ، و الانتقادات والرفض الامريكي لتصرفات ترامب وموقفه لا تفسر على أنها موجهه ضد ترامب الرئيس وانما هي حالة امريكية مطلوبة من أجل رفض اي تسويات حقيقية مع الروس او حتى الصنيين من خلال لعبة تبادل الادوار للاجنحة والموسسات في الولايات المتحدة في لعبة تتقنها الامبرالية الامريكية ، حيث تعتبر حكومة الظل الامريكية الرئيس ترامب هو ضرورة للمرحلة كما كان أوباما في مرحلة سابقة .
الثبات والنجاح السوري في سنوات الحرب الاولى كان الرافعة الاساسية لروسيا وايران ، أي أن سورية قد ابدت قدرة متميزة قيادة وشعبا واتاح لها ذلك ان تدخل في تحالف مع اقوياء يسعون الى كسب مزيد من القوة والنفوذ وتتقاطع مصالهم مع المصالح الوطنية السورية وليس العكس ، فالقوي فقط يستمر وينجح ،والضعيف يسقط ويستلم .
لم تنتهي الحرب بعد ، لم ننتصر بعد ، لكننا اقتربنا كثيرا ومازال الطريق طويلا وشاقا ولا يعني ذلك البعد العسكري فقط، وانما السياسي واعاده البناء وترميم البني التعليمية والقضائية والاعلامية ومحاربة الفساد وذلك يحتاج الى ارادة وقدرة ، بالتوازي مع ادارة المخاطر الناتجة عن احتمال تخلخل في البني السياسية والاقتصادية الاقليمية والدولية وما لذلك من تأثير على الواقع السوري .