بذل قصارى جهده لتطوير ذاته كي يحتاجه الجميع للاستشارات المالية، و كي يحمي عقله من الإهتراء الذي نال بنطاله، بخيوطه الشاقولية الممتدة كسياج هش يسور بيته، وتلك الأفقية كشباكه المتآكل .
في الشتاء يحتال عليه بسروال داخلي طويل، وبالصيف تلون الشمس بقعا شتى من رجليه.
لا يتذكر متى ابتاعه ، ولا من أين، لكنه في كل مرة ينوي فيها استبداله يتراجع أمام مرض ولد من أولاده، أو أمام انحسار مرتبه الشهري من على أقدام متطلبات البيت.
أضاف له رقعة هنا ورقعة هناك، لكنه لم يعد يحتمل المزيد من الترقيع. لقبوه بالمهترئ ولقد أضناه اللقب لذلك كان عليه كل صباح أن يتسلح بجمله الدفاعية لصد هجوم محتمل عنوانه المهترئ.
(ألا يوجد في هذا الكون ما يشغلك سوى هذا المهترئ!!؟ لقد بليت أوطان وفيت أقانيم وأخلاق ولا يشغل بالك إلا بنطال ليس ككل البناطيل) هذه مناسبة لذلك الطفيلي مدعي الثقافة، وهذه لزميلته المغرورة وضحكتها الصفراء المستفزة ( أليس لمساحيقك دور في الاهتراء الذي نال وجهك؟!! ) ولأخرى يقول بأسلوب مسرحي (انتبهي أن تنجبي طفلا مهترئاً فالوراثة تفعل فعلها.). لم يتلكأ بالرد حتى على نظراتهم لكنه كان يفرق بين من يناديه بلقبه هذا للتحبب، وبين من كان يسخر منه. وأشد وطأة على قلبه كان تنكيل الجراح من قبل مديره، و الذي كان قد رفض عرضه بتقدمة بزة رسمية تناسب اجتماعاً مقرراً مع الوزير .
_لا شأن لي بالوزير. ولن أحضر
-هل انت مجنون فرصة حضورك يحلم بها كل موظف.
_لماذا؟؟؟
لم يعرف المدير لماذا…. وبلهجته الآمرة اكمل
_اذهب واشترِ ثيابا تليق بك.. متى ستفك حبل بخلك عن رقبتك.
تحمل المهترئ مديره، و الضرب على أعصابه لعشرات الأعوام، تصاعدت فيها ثروة المدير لدرجة تفوق الخيال ودون أن يسأله أحد من أين لك هذا، وتناقصت فيها خيوط (المهترئ) و تناقص معها ممانعته له بالاشتراك بما يستوجب بدلات رسمية لكن هذه المرة بالغ في إهانتة . أخذ يسير في الشارع مشتت الخطوات قال في نفسه
لا يمكن السكوت على الأمر يجب أن أجد حلا…. أنا بخيل!!! كيف يقول هذا؟
لا أنتظر من أحد إطعام أولادي لا أحرمهم من التعليم حتى زوجتي اشتريت لها بكل ما أملكه ما طلبته لغذاء اليوم، صحيح تأخرت بشراء زيت الزيتون لأن الصفيحة الواحدة تساوي أجري الشهري كاملا لكن هاهي فرجت وقد توفرت..حرصت أن لا أقبل من أهلها اي مساعدة فقط صفيحة الزيت، وذلك لقناعتي بحق زوجتي بها.
أكاد أجن كيف يجدني بخيلا قد يكون لأنني لم أساهم معه بحفلاته الماجنة…. وقد يكون لأنني لم ادفع تبرعات للانتفاضة…. أي انتفاضة وثيابي تحتاج لانتفاضة كي تتحرر مني..!!!
نعم يجب أن اشتري ثيابا لائقة، قال وهو يخرج من بيته ممتناً للصدفة التي جعلت البيت على غير العادة خال تماما من اهله.
كان لابد من تدبر مبلغ كبير، فهو يؤمن بمقولة لست غنيا لاشتري الرخيص.
ساحضر الاجتماع واجعله يندم على كل ما فعله بي.. …. بدأ المارة يلتفتون إليه…أخذ يكلم نفسه… وكأنه يروي فكاهة بموسيقا مع رقصة لرأسه يمينا و يسارا وفي عينيه وميض التصميم :ماذا سأفعل!!!! سافضح المدير… أمام الوزير… و أخذ يقهقه مما جعل البائعة التي تقف قبالته تخاف منه..
طلب منها أفضل بدلة تليق بالحفلات فحضوره الاجتماع سيكون حفلة تاريخية نظرت إليه بازدراء وهي تمسح بنظراتها طوله بالكامل.سرعات ما تغيرت نظراتها وهي تراقب تمخض جيبه عن رزمة المال تمانعها شبكة خيوط
. ارتدى ثيابه الجديدة واحتفظ بالمهترئة ضمن حقيبة فخمة.. تمنى لو أنه عريس الآن ثيابه أفضل مما كانت عليه يوم عرسه .ألا يحق للمهترئ أن يفرح ولو مرة في العمر؟ قال في نفسه وهو يلج الحارة البائسة تربكه نظرات
مدهشة … وكل الهمسات التي كان يتوقعها
تصب في سؤال واحد من أين له هذا !! ؟؟ .
وبسؤاله لنفسه كيف سيبرر لضميره، ولرفاقه، ولعائلته، ما قام به… (لن أبالي بهم ولست مضطراً للتبرير)
دخل البيت مطأطأ الرأس كطفل مذنب طالعه وجه زوجته المحتقن غضبا ،أخذت تتفحصه لقد بدا غريبا عنها بثيابه هذه على غير عادتها صرخت به بشماتة…
_أين كنت…..مديرك اتصل ليخبرك بأن لقاءكما مع الوزير قد ألغي.
أخرسه الخبر ، جال بنظراته الرطبة بين وجوه وأيادي أولاده، وهم يغمسون بصحن الزعتر خبزاً مبللاً بالماء.
الكاتبة صديقة صديق علي