قصص مجموعة ( جدراني أولى ) القصصية للقاص محمد عزوز
( 6 )
صراخ دون صوت
سقطت من طولها أمامه كالجثة الهامدة ، خاف أولاً وظنها ماتت ، لكن الطبيب كان له
رأي آخر :
– شلل نصفي غير خطير .. اطمئنوا قد تعيش طويلاً .. لكن مسالة الحركة والكلام عندها مشكوك بعودتهما .. الأمر يتوقف على استجابتها للعلاج ..
طمأن نفسه :
– سأرتاح من نقها ونقيقها .. سيرتاح البيت كله من أوامرها ..
ولم تجد كل المحاولات في إعادة شيء من الحركة إلى نصفها الأسفل ، بينما استجاب لسانها للعلاج بسرعة .
خاب أمله عندما عادت تثرثر كعادتها ، بل تصاعدت وتيرة الثرثرة أكثر بعد أن صارت قعيدة الفراش في الغرفة التي اعتادوا قضاء جل نهاراتهم وربما أجزاء من لياليهم فيها ..
لم تكن تملك من هذه الدنيا إلا ذاكرة زادتها الأدوية نشاطاً ، ولساناً لايكف عن الحركة ، ومعدة لاتنفك تطلب المزيد .. وعلى أولئك الذين كانوا يعيشون معها أن يلبوا على مضض كل الأوامر ، حتى المنفر منها .
وكان عليه أن يجيب على بعض استفساراتها أولاً ، وعندما تطورت هذه الإستفسارات لتصبح أوامر ، صار يتحرك ، ينفذ هذا الأمر أو ذاك صامتاً ..
أحس أهل البيت بصمته المتفاقم ، حاولت ابنته الكبرى أن تستنطقه ، فخرج الكلام متقطعاً ، ثم تحول إلى فحيح غير مكتمل ..
هالهم الأمر ، ولم تنفع أدوية الأطباء الذين استدعوا للعلاج وكذلك وصفات المشعوذين الذين وصلتهم أخبار صمته وفحيحه ..
ظنت أنه إنما يفعل ذلك عامداً متعمداً ليهرب من خدمتها ، فتأجج غضبها ، وتحولت أوامرها إلى صراخ
مستمر ..
لم يجد مفراً من صراخها إلا الإنفلات ، فاعتاد أهل الحي والمدينة بعد ذلك على مرآه في كل صباح ومساء ، يواجه الحر صيفاً والصقيع شتاء ، وهو يجول في الشوارع والأزقة ، يفح دون كلام .. بينما اعتاد أهل البيت الذين اضطروا لعزلة أكبر على الإستجابة لأوامر وصراخ الأم بصراخ آخر دون صوت …
محمد عزوز