صديقة صديق علي
وأنا أتحدث عن الترجمة الفورية على الغوغل ، لمحت حزنا في عينيها ،ودموع أبية , تهدل الجفنين حمى جمالا كسرته الأيام ،كلما استفضت بالشرح كانت وجنتاها تزدادان احمرارا وتشيران لنجاح يد طبيب تجميل في رفع آثار الزمن ،لكنه لم ينجح في العنق ،كل خط فيه يشير إلى الهوة بين عقدين من عقودها الستة . وأمام ارباكها تعاظم فضولي حيث أنني
ما كنت أتكلم عن فقدان لعزيز يذكرها بمن فقدت، وما كنت أتكلم عن وطن غص بالفقد، وما كانت أم أو زوجة، لأقدر حجم خسائرها المؤلمة بحرب طويلة الأمد، حصدت كل ما تشتهيه الحروب ، بل هي سيدة عرفناها باتزانها وتفانيها وطيبتها .أمضت عمرها لا وقت لديها للحب والزواج، ونذرت نفسها لخدمة والديها المقعدين على التتالي إلى أن بقيت وحيدة..
ما أن انفض الحاضرون حتى عدت بإلحاح لسؤالها عما عجزت عن مداراته بصمتها
بصوت يشوبه الاعتراف بالذنب قالت لي :
أرسل لي يطلب صداقتي وهو من غرب مبهر كنت أتوق للهروب اليه كان قاربا للنجاة من حرائق الوطن وصقيع الروح .
اهتمامه اليومي بوحدتي جعلني أتفقد ما لم تشوهه الأيام بي ،فعثرت على روحي، أقنعني بأن الحب عمي عن خطوط الزمن ،وأن حرارة المشاعر تصهر المسافات ،ذهلت باستسلامي لأسره .
صرت طفلة تحتاج حليبها اليومي من هاتفها النقال ،صرت مراهقة تتلمس أول قبلة على شفاها ،صرت أما حنونا تقلق لغياب ولدها ، علمني الخوف عليه من مخاطر مهنته في البحار، أصبحت اتتبع نشرات الطقس في بلدان يبحر فيها .كيف لا وهو الذي أهداني بحارا من الأمل وأحياني باشعار وورود تذهلني بوصولها الى عنواني.
يكلمني من وراء زجاج بارد فيغرقني بطوفان المحبة النابعة من عينيه يسألني عن ابسط تفاصيل حياتي فيعطي لكل تفصيل قدسية .أشرح له عن عادات الشرق فاكتشف فيه ثقافة عابرة للقارات . عام كامل لا وقت لدي إلا لحروفه وللترجمة الفورية …بدأت أتعلم لغته ومنه سمعت أجمل صباح الخير باللغة العربية وكل صباح يأتيني صوته ليعيدني الى الحياة من جديد .
كنت اسأله عن نساء الكون الذين تركهم ليتعلق بي فيقول أنني أجملهن روحا وحنانا ..كنت أشك أحيانا بقطرات العسل التي تنساب من حروفه ..لكن سعادتي بها تبدد كل ظنوني.
بعد عام من تواصلنا اليومي فقدته فجأة ، أخذت بالبحث عنه لا جديد على حسابه …وأخذت أرسل له رسائل الشوق اليومية محملة بدموع تضاهي محيطات يمخر عبابها فراغ يومي منه كشف لي كم أنا مدمنة عليه كم أحتاجه .ودون ان يقدم مبررات لغيابه عاد يقول سنتزوج ..عندها وافقت بفرحة لا يمكن وصفها الآن . وباشرنا بترتيبات الزواج كنت كفراشة زاهية الألوان وسط لوم اللائمين، الذين حسدوني على فرحتي فصاروا يطلقون النار عليها وأخذت مقصاتهم تستطيل للنيل من أجنحتي لكن حبه حصنني فامضيت قدما باتجاه عمر جديد وهب لي .تخلصت من ثقل ريشي وعدت كصقر نبت منقاره وريشه من جديد ومنح سنوات أخرى للطيران .لم أكترث لتحذيراتهم الجبانة ..فحبه أكسبني شجاعة لا يدركونها .
إلى أن تعثرت الترجمة …فذهولي مما كتبه جعلني لأول مرة اشك بدقة الترجمة …طلبه كان يصعب تصديقه لا سيما ،ونحن في حرب كنت قد شرحته له كم افقرتنا ومع ذلك ،طرقت باب كل من يستطيع مساعدتي كي لا أخذله كان علي أرسال عشرة الاف دولار لحسابه بحجة أنه في مأزق ،ولما اعتذرت طلب مني ان أبيع البيت الذي لن احتاجه بعد اليوم ، وعملت بنصيحته لكن في اخر لحظة تعثرت البيعة. كل من حولي استغرب غياب عقلي ووضع لي فرضية وحيدة ان يكون كاذبا . لكن أنا صدقته ومضيت أبحث عن طريقة كي اساعده فاستدنت مع ما في الدين من ذل لم أعتده، فاقتصر المبلغ المحول لحسابه على الألف دولار ..استلمها وكتب لي :
كنت حكيمة جدا كلفني ترويضك وقتا طويلا .سأعتبر الألف دولار ثمنا بخسا للحلم .ثم قام بحظري واختفى.
صديقة صديق علي