هل نحن أمام الصـــيحة الأخـيرة ( وليـــست الصحوة ) للحركات الاسلامية ؟
…..هل نحن أمام نســخة جـديدة من ( الربيــع العـربي ) أم نحـن أمـام ارتدادات ؟
المحامي محمد محسن
يحق لكل مهتم أن يسأل : لماذا الغربُ المستعمرُ، يأخذ على عاتقه منذ قرن من الزمان ونيف، حرمان المنطقة العربية من طعم الاستقرار، والحرية ؟؟ وما مبعث هذا الحقد ؟، هل هو نتاج غلٍ تاريخي يحمله الغرب ضد العرب، ثأراً لحروب الفرنجة الذين دُحروا عن المنطقة ابان الحروب التي سميت ( صليبية ) ؟؟، أم لقربنا الجغرافي من أوروبا ؟؟، أم لأهمية المنطقة استراتيجياً ؟؟ أم للثروات النفطية التي تعوم عليها أرضنا ؟؟ أم رعبٌ من استفاقة العرب مجدداً واستعادة زمام التاريخ من يد الغرب الغاشم ؟؟ والذي يُمكنهم ذلك من السيطرة على الشاطئ الشرقي والشاطئ الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط ؟؟ أم لكل هذه الأسباب مجتمعة ؟؟؟ ألا تجد هذه الأسئلة مشروعيتها من : لماذا لم يمزقوا الهند عند خروجهم منها، والتي يتحدث سكانها بأكثر من ثلاثين لغة ؟؟ وقس ذلك على الصين، وتركيا، وإيران، وغيرها ؟؟؟.
.
وكان العثمانيون قبلهم، قد استعمروا شعوبنا وشعوب المنطقة لأربعة قرون، باسم الدين الذي لم يعرفوا منه إلا الطقوس، وأغلقوا على العقل العربي بالضبة والمفتاح خلال تلك القرون، تسلم الغرب العهدة من العثمانيين، وأكملوا المشوار في التجهيل، والافقار، وتقسيم البلدان العربية إلى دويلات على أسس مذهبية أو دينية، أو قبلية، أما سورية على وجه الخصوص، فكان حظها أن قسمت إلى أربع دول صغيرة، لم يكتفوا بذلك بل سلموا فلسطين العربية السورية إلى الصهاينة، لتكون خنجراً مسموماً في الخاصرة، فلماذا سورية، ؟ أليس سؤالاً مشروعاً أيضاً ؟؟
.
لم يكتفوا بذلك، بل أغرقوا المنطقة بالحروب، فقبل أن تنتهي الحرب الأولى، أو قبل أن تتم عملية لملمة ذيولها، يكون الغرب قد فكر بكيفية إدارة حرب ثانية، وبدأ بزراعة بذور أسباب تفجير الحرب الثالثة، وكانت قد كلفت اسرائيل الوكيل الحصري بذلك، كمتعهدة للحروب، والمصنعة خصيصاً لتنفيذ برنامج الحروب الدائمة، فهي المعنية باغتيال أية بارقة تقدمية عقلانية في المنطقة، قبل أن يشتد عودها، فإن لم تكن اسرائيل، فلا بد من حروب بينية داخل المجتمع الواحد، والدولة الواحدة، مذهبياً أو اثنياً، أو بين دولة ودولة أخرى جارة، إلى الدرجة التي بات فيها تاريخ المنطقة تاريخ حروب، موت، وإفقار ، ودمار، وتهجير .
…….[ إذن إن أي مفكر يعتبر التخلف أمر ذاتي بنيوي عربي، هو غير ………………………………منصف على الأقل. ]
.
ومع أننا لا زلنا نواجه الموجة الأولى من [ الربيع العربي ] التي لا تزال تتفاعل موتاً ودماراً في ليبيا، واليمن، وسورية، ولم يَشفَ العراق منها بعد، التي فجرها الحلف الأمريكي ـــ الأوروبي ـــ التركي ـــ والذي كان ملوك وامراء الخليج الأجراء مطاياها ـــ ولا زالت الحروب في الدول الأربع تقطر دماً ، وخراباً بشكل يومي، ولكن ولأن التحدي والصمود والمواجهة على الميدان السوري، جاء بالنصر الذي لا يحيطه وصف، ولا يحده مدى، والذي أوقف الحلم الأمريكي، وحلفائه وتابعيه .
جاءت الموجة الثانية من الحروب التي لم تُسَمَّ بعد، فهل هي ( ربيع عربي ” تو ” ) أم ( استفاقة ) .
…….أم هزيـــــمة تاريخـــــية للحــــــــــركات الاســـــــلامية ؟؟؟.
.
1ـــ …………….الســـــــــــــــــــــــودان :
الذي يجعل محصلة اطمئنانا على مستقبل السودان كبيرة، هو إدراكنا لحجم الوعي السياسي العام الذي ورثه المجتمع السوداني، من التركة التي تركها المناضل الكبير الشهيد [ ( عبد الخالق محجوب ، الذي أعدمه العميل النميري ) والمناضل محمد ابراهيم نقد ورفاقهما ] والزرع الذي زرعوه في كل قرية ونجع، وستبقى ممارساتهم وأفكارهم وما تركوه مخزوناً فكرياً تحررياً عقلانياً، يعززان الروح النضالية عند الشعب السوداني، والتي لابد وأن تكون قد أعطت دفعاً نضالياً للأجيال الواعية والمناضلة، ويمكن أن أتشجع واقول إن المرأة في السودان، قد لا تكون الأعلى ثقافة، من مثيلاتها من النساء العربيات، ولكن وبكل تأكيد هي الأكثر انخراطاً في العمل السياسي مع الحركات الثورية، والأكثر تحدٍ ورغبةٍ، في المساهمة بالنضال الاجتماعي إلى جانب الرجال، بما يفوق أقرانها في البلدان العربية على وجه العموم .
.
ولقد تأكد لي ذلك بشكل مباشر من خلال اطلاعي الشخصي على عمق الوعي السياسي في السودان، عندما قمت بزيارة إلى السودان، وزرت الكثير من المديريات، والنجوع، وأهمها مزرعة الجزيرة والمناقل، التي استقبلتنا فيها سيدة أعطتنا دروساً في النضال والتحدي، والذي لفتني استعدادها للتضحية من أجل مبادئها، كل هذا الارث النضالي، والوعي الجمعي الواسع، عبر عنه الشعب العربي السوداني، باعتماد الثورات الشعبية في عمليات التغيير، بدلاً من الانقلابات العسكرية، ويكاد السودان يتفرد بهذه الخصيصة .
[ كما يدهشك انتماء السودانيين المتجذر إلى عروبتهم . ـــ وقد يستغرب البعض هذه الحقائق ـــ ] .
.
لذلك لا يجوز أن يضعف أملنا بتوجه ثوار السودان، وامكانية تحقيق برنامجهم الوطني، وما نهضوا من أجله، ولكن وبنفس الوقت لا يجوز أن نستهين بما زرعه نظام البشير الاسلامي المتزمت، عبر سنوات حكمه المديد الذي زاد عن ثلاثين عاماً، والذي ساهم من خلال تطبيقه القسري للفقه الإسلامي السلفي الذي يقصي الفكر العقلاني الحداثي .
سنبقى نترقب خطوات هذا التحرك ومواقفه، الذي نبني عليها آمالاً عراضاً استناداً لما أسلفنا، ولكن ليست المهمة سهلة لأن التحرك يحمل مهمات جسام ، فهو مطالب ليس بإقصاء الحكم الاخواني عن الحكم، بل محاربته أينما وجد فكراً، وتنظيماً، وملاحقته في جميع مؤسسات الدولة التي عشش فيها وفرخ، وبخاصة في الجيش، وتحميل القيادات السابقة وزر، انفصال الجنوب، والاضطرابات والمواجهات القمعية الي مارسها النظام السابق في مواجهة جميع التحركات الشعبية، وافقار السودان الغني بمياهه وبأرضه الزراعية، والرعوية، الشاسعة والواسعة .
2 ـــ ……………الجــــــــــــــــــــــــــــــزائر :
وما أكدناه بشأن السودان يمكن أن نسحبه على الجزائر، في معركتها الثانية، وكل المتتبعين للشأن السياسي في المنطقة يعلم، أن أوروبا استقبلت ، واحتضنت، ورعت، وشجعت، ومولت، قيادات الحركات الاسلامية جميعها في عواصمها، وكانت تعدها ( ليوم كريهة ـــ الربيع العربي ) وكان هدفها النهائي، تنصيب تلك الحركات على رأس الأنظمة العربية، لأنها المؤهلة لإنجاز أهم مهمتين : ابقاء التخلف والجهل، والصراع المذهبي والطائفي، مسيطرين، وهما شرطان كلازمتين للسيطرة الغربية على المنطقة حتى طلوع الفجر.
.
بدأ الغرب تجربته الأولى بتنصيب الحركات الاسلامية المتوحشة، من الجزائر ـــ بلد المليون شهيد ـــ ، ولم تتمكن الجزائر من سحقها إلا بعد أن قدمت عشرات الآلاف من الشهداء، وهي الآن في حالة ترقب في الموجة الثانية .
ثم راحت الموجة تجتاح المنطقة دولة اثرى دولة، ـــ ليبيا، تونس، مصر، سورية، اليمن ـــ وكاد الغرب وحلفاؤه أن يحققوا الحلم، فجاءت الصفعة الثانية والأهم من مصر، حيث سُحق ( مرسي ـــ شقيق بيريزـــ ) والذي جيش ضد سورية، وتتالت الصفعات ولا تزال الحرب مشتعلة في سورية واليمن وحتى في ليبيا .
.
[ فجــاءت الموجـــة الثــــانية التي نخــتلف حتــماً في تقييـــمها ] :
.
أكاد أجزم أن لا رجعة للوراء في المنطقة، حيث أعطت الموجة الأولى دروساً للعدو والصديق :
.
فمعسكر العدو أدرك بشكل قاطع، أن الرهان على الحركات الاسلامية بفصيليها الأكبر ـــ الوهابية ، والاخونجية ـــ قد فشل، لأن البنى الاجتماعية العربية قد أنكرتها، بعد الصورة القبيحة التي عبرت عن نفسها من خلال الارهاب المتوحش، والقاتل، وكانت هزيمتها الأهم في الجزائر، ومصر، ثم جاء دور الميدان السوري، حيث تم تحطيم رأس الأفعى .
.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بذلك يكون رهان الغرب على الحركات الاسلام السياسي ـــ التكفيري ـــ الأسود ـــ الذي كسرت رأسه في سورية، قد خاب نهائياً وإلى الأبد، وستلعن أوروبا قياداتها الموجودة في عواصمها، لأنها باتت بالنسبة للشعوب الأوروبية مجرد ألغام ارهابية ستتفجر في كل حين، لذلك ستكون هذه ( الصيحة الاسلامية وليست الصحوة ) هي الأخيرة .
كما وستتحمل الحكومات الأوروبية من قبل شعوب العالم، وزر تصنيعها واستخدامها لهذا الطاعون القاتل، حتى ممالك الغباء، ستدرك ولكن بعد فوات الأوان، أنها كانت تعمل ضد مصلحة ممالكها .
.
…..فتعالوا نتخيل واقع الملوك والممالك لو نجح الارهاب في سورية ؟؟ وكم كان سيستقيم الحال في ( المملكة الهاشمية ) ؟ ، أما مملكة بني سعود، وجيرانها من الإمارات البلورية ؟؟
فلقد قلت قبل أربع سنوات، أن شعوب الجزيرة العربية عندها ستلعن أمريكا، وقواعدها، وستطلب العون من الجيش العربي السوري ……