في لحظات لا بد من التوقف ولو لبرهة …
د . م . عبد الله احمد
اليوم وفي وقت الاستراحة من ترجمة كتاب مهم سيصدر قريبا ، قمت بجولة عادية في دمشق ..لم يكن في ذهني شيء إلا في أيجاد الوسيلة للتعايش والاستمرار في ظل هذه الظروف القاسية التي فرضتها الحرب …تجولت قليلا في أحياء دمشق المختلفة ،ولكن ما لفت انتباهي وجعلني أغرق في التفكير هو اختلاف الحال ما بين شوارع ومناطق دمشق الراقية وبين أغلبية المناطق المكتظة بالسكان من العشوائيات والمناطق المهملة …فالناس والشوارع هناك لا تشبه الشوارع وجوه الناس هنا ، في العشوائيات والمناطق المهملة الشوارع مكتظة ومستباحة من قبل الباعة ، ولا يجد المارة طريقا لسلكه ، وكذلك السيارات …الغبار ،النفايات ، وفي الشوارع نساء وأطفال على الاغلب ، لكن لا تجد ابتسامة ، ولا ترى نظرات الأطفال التي تعتريها الدهشة الجميلة ، إنها نظرات وتصرفات قد تصلح للكبار …الدراجات النارية والفوضى تعم المكان ..والمواد الغذائية المتناثرة تجتاح المكان …إنه التحضير للعيد ، ولكن أي عيد؟ بماذا نحتفل ..لا أحد يهتم! فالحسابات هي حسابات الاستمرار في الحياة …ولا أحد يسأل ..ماذا تخفي تلك النظرات والعيون، وكيف يمكن التعامل مع هذا الكم من البؤس والغضب ….وعن أي جيل قادم نتحدث …وعقول الأطفال تبرمج ببرنامج هدام مستوحى من واقع شاذ …ولد شاذ وماذا مستمرا …لقد تغير كل شيء، حتى القيم الأخلاقية والافتراضات البسيطة، كل ذلك أصبح مقلوبا بشكل خطير ..فهل أحد يهتم بالأجيال القادمة؟ لن نتحدث عن التعليم والمدراس والاعلام ..فلا قيمة لذلك إن لم يتغير هذا الواقع وهذا الوعي الجمعي الخطير …
عدت الى منزلي ، من جديد ..أستأنف الترجمة …وهكذا كنت أقرأ كيف تعاملت ثورة ال 58 في العراق مع المعارضين …سحل وتقطيع وتشويه …وتعليق ..والجمهرة تمارس السادية على الجثث …وكنت أفكر …أهكذا تكون الثورات؟ وماذا عن التاريخ القديم والحديث …كما من الضحايا من أجل لا شيء الا القتل من أجل القتل ….والنتيجة نراها فيما يحدث في المنطقة …
لم يكن لدينا فكر إستراتيجي ولم نعترف أبدا بالخطايا لكي نتعلم …بينما الغرب يدرس التاريخ لكي يتعلم منه، وليس من أجل الغرق فيه كما نقوم تحن …
لقد تعلمنا في السابق …أنه كان هناك ثورة عربية كبرى …لكننا كنا أمة ..وأصبحنا دولا متفرقة وضعيفة وكنا دمى في يد بريطانيا وفرنسا ، واخبرونا أن ثورة حدثت “الضباط الاحرار في مصر وأخرى في العراق ” ولكن لم يخبرونا بالفشل الذريع الذي دمر المنطقة بسبب السياسات الارتجالية والسعى الى المجد الشخصي …فإين مصر آلان ، وأين كانت في 67 وفي حرب اليمن ، وفي توقيع إتفاقية العار مع إسرائيل ..
أين هو العالم العربي آلان …كيف يمكن تجاوز كل ذلك؟ …الرهان كل الرهان على الاجيال القادمة (فنحن آلان في الحفرة),..ولكن مع البرمجة الحالية للوعي الجمعي كل شيء في خطر …ولابد من وقفة لعكس ذلك المسار …
علينا أن نعترف بأخطائنا …وبهزائمنا …وعندها فقط يمكن أن نتعلم وننجو …أنه عالم لا يعرف الرحمة …
كل عام وأنتم بخير …