تعرفت في إحدى سفرياتي على “منى منصور” وهي سيدة دمشقية تعيش الغربة في فرنسا، أسست وترأست في فرنسا جمعية “قلب بلا حدود” وهي جمعية صغيرة، لكنها ناشطة بفضلها.
اتصلت بي وأعلمتني أنها ستأتي إلى سورية لتوزيع بعض الهدايا والمعونات البسيطة في عدة مدن، ومنها حلب وأنها اتصلت بصديقي الفرنسي الرائع بيير لو كورف لتأمين ذلك.
لم أكن أتوقع أن تكون زيارتنا الليلية لهذه الدار، “دار العجزة” في المشاطية، ستأخذ تفكيري وتريني وجه الخير في حلب تجاه أولئك الذين نبذهم الجميع.
أسس الدار الحاج عبد العزيز بوشي على أن تضم العجزة من منطقة المشاطية في مدينة حلب القديمة، وأسسها مع مجموعة من أهل الخير، وكبرت الدار لتضم إليها أكثر من مائتي شخص بين رجل وأنثى واولاد، كلهم من المتخلفين عقليا.
ويتابع شؤونها اليوم الحاج عبد الرحيم بوشي الذي استشهد أبناؤه الأربعة، فجعل من أولئك المتخلفين عقليا أبناء له.
صعقت من الذي رأيته، انا الذي اعتقدت بأنني أعرف حلب.
العشرات من الرجال والنساء والاولاد والفتيات، بلغت أكثر من مائتين، من المتخلفين عقليا وجسديا، تركهم المجتمع فتركوه، وعاشوا في مجتمعهم الخاص.
لكل منهم ومنهن قصة، فالبعض تركهم أبناؤهم لكبر سنهم، والبعض لمرض بهم، ولكن ما أحزنني أن البعض من الأبناء أو الإخوة، تركهم لأنهم يسيئون – بتخلفهم العقلي – إلى صورتهم الملمعة بعناية أمام المجتمع.
منهم ونتيجة للأزمة السورية من قتل – بضم القاف – جميع أهله الأصحاء وبقي هو أو هي.
منهم من لا تعرف الجمعية إسما له ولا نسبا.
منهم من لا يسأل ذويهم عنهم.
ومنهم ومنهم …
ونحن نتراكض لكي نقيم المهرجانات على أساس أن “عادت أيامك يا حلب”.
نتراكض لنبذخ، ونتباهى، ونقيم حفلاتنا، ونأخذ الصور لكي نضحك على أنفسنا أننا بخير.
لا لسنا بخير …
أيها البعض من لابسي العمامات والقلنسوات، ومن مسؤولي الأضواء ..
أيها البعض من تجار المعابد بكل أنواعها، لسنا بحاجة إلى خطب ومواعظ فقط.
لا يكفي أن تتراكضوا لترميم المساجد والكنائس ودور العبادة الأخرى، علينا أن نرمم تلك النفوس والأجساد التي بحاجتنا.
الفقراء والجوعى و المعوزين بحاجتنا، و “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” وكلكم يعلم بذلك ولا استثني أحد منا.
نحن بحاجة إلى عمل وفقط العمل “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” (التوبة: ١٠٥)
الكثير من أهلنا حزانى
والكثير من أهلنا جوعى.
ويقول الإنجيل المقدس: “طُوبَى لِلْحَزَانَى، فَإِنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ. طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ، فَإِنَّهُمْ سَيَرِثُونَ الأَرْضَ. طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، فَإِنَّهُمْ سَيُشْبَعُونَ”
شكرا لمن يعمل ويتابع ويعطي لأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس
أجمل ليلة رمضانية قضيتها معكم انتم العجزة من مختلف الأعمار.
شكرا لكم لأنكم جعلتموني أشعر أكثر بانسانيتي.
كل عام وداركم وأنتم بخير