رحل في باريس أول أمس الأحد 9 أكتوبر 2022، عن 75 عاماً، الفيلسوف والأنثروبولوجي الفرنسي برونو لاتور حسب ما أعلنت الدار الناشرة لأعماله.
وكتبت دار “منشورات لا ديكوفرت” في بيان أرسلته إلى وكالة الصحافة الفرنسية أنها “تلقت بحزن نبأ وفاة برونو لاتور ليلة الأحد في باريس. وجداننا مع عائلته وأحبائه”.
ويُعَدّ برونو لاتور من أبرز الأسماء التي أضافت إلى الفكر الإيكولوجي والنقاشات حول دور العلوم وحدودها وحول معنى الحداثة، عبر سلسلةٍ من الأعمال التي حوّلته، بدءاً من عام 2007، إلى واحد من أكثر الباحثين الذين تُقتبَس أعمالهم ويُستشهَد بها في دراسات وكتب العلوم الإنسانية حول العالم.
ولد برونو لاتور يوم 22 يونيو/حزيران 1947 في بون (وسط فرنسا الشرقي) لعائلة من تجار النبيذ، ونال شهادة في الفلسفة قبل أن يتدرب في الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في ساحل العاج. ثم عمل أستاذا في كليات للهندسة في فرنسا وبلدان أخرى، بينها ألمانيا والولايات المتحدة، حيث كان أستاذا زائرا في جامعة هارفارد.
ومنذ بداياته، أظهر لاتور اهتماماً بالبُعد التطبيقي للعمل الفكري، إذ ما إنْ أنهى دراسته للفلسفة حتى بدأ بحثاً ميدانياً في مختبر للتنمية والتكنولوجيا في أبيدجان بساحل العاج، في محاولة لفهم العلاقة بين مسائل العِرق والاستعمار والنضال بعالم التصنيع والتكنولوجيا، وهو بحثٌ سيقدّم نتائجه في كتابه الأول: “حياة المختبر: البناء الاجتماعي للحقائق العلمية” (بالإنكليزية، بالاشتراك مع ستيف وولجر).
وبعد عدّة أعوام،قدم لاتور عملاً مهمّاً في سوسيولوجيا العلوم، هُو “العِلم فاعلاً” (Science in Action)، الذي صدر بالإنكليزية عام 1987، والذي يقترح فيه منهجاً بحثياً عملياً لدراسة العلوم التقنية.
على أن عمله البارز خلال هذه السنوات، وربما خلال مجمل تجربته الفكرية، يتمثّل في “لم نكن حداثيّين أبداً: بحث في الأنثروبولوجيا التناظرية”، والذي يقترح فيه قراءة جديدة للعديد من النظريات التي شكّلت الحداثة الأوروبية، والتي تجتمع كلّها في الفصل الحاد بين الثقافة والطبيعة، بين الإنسان والأشياء، وهو ما يفنّده لاتور عبر إظهار الهجنة الجوهرية في مختلف الكائنات والأشياء والمواضيع التي يمكن لنا التفكير بها، والتي غالباً ما يختلط فيها الطبيعي بغير الطبيعي، الحيّ بغير الحي، والسياسي بالحيوي بالاجتماعي بالثقافي… إلخ.
وضع لاتور أكثر من ثلاثين كتاباً في حقول تمتدّ من فلسفة العِلم إلى التنظير البيئي والإيكولوجي والبحث الأنثروبولوجي والسوسيولوجي، مروراً بالحقوق ومناهج البحث والمستقبليات، وهو ما جعل تصنيفه أمراً شديد الصعوبة، وربما ساهم هذا التنوّع في الاهتمامات والمشارب النظرية والمعجمية في عدم وصول أعماله سريعاً إلى العالم العربي، الذي لم يُترجِم من كتب المفكّر الراحل إلا كتابين: “لم نكن حداثيّين أبداً” و”أين نرسو؟”.
حظي لاتور بمتابعة وتقدير كبيرين في الخارج، خصوصا في البلدان الناطقة بالإنجليزية. ووصفته صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) سنة 2018 بأنه “أشهر الفلاسفة الفرنسيين وأكثر من أسيء فهمه من بينهم”.
وحصل برونو لاتور على جائزة هولبرغ (2013) وجائزة كيوتو (2021) عن جميع أعماله.
وآخر ما ألفه كتاب “أين أنا؟” الذي ألفه في خضم جائحة كورونا.
إعداد : محمد عزوز
عن ( صحف ومواقع )