تربّينا منذ الصغر على أن الحياة مليئة بالخير والأمن والسعادة التي نحصل عليها بسهولة ومن دون أن ندفع مقابلها أي ثمن، إلى أن صدمنا بواقع يقول لنا حان وقت الفطام عن الأوهام بأن القليل الذي قد ندفعه يمكن أن يأتي بالكثير الذي نتوقّعه.
العيش مع هذا الوهم اليوم لن يجعلنا نصل إلى ما نريد أو نحصل عليه ما لم نبذل الكثير لتحقيقه، فلا شيء تمنحه لنا الحياة بالمجان.
فعلى صعيد الأفكار تجدنا نتبنى بعضٍ منها ونوجدها لنغذي شيء ما بداخلنا سواء أكانت سلبية أم إيجابية فهي تأتي إما لتبرير أفعال معينة أمام أنفسنا أو لتبرير تخاذلنا عن تحمل مسؤولية ما، أو للهروب أمام وضع عاجزين أمامه فنلجأ لحلول خرافية نُجمّل فيها حياتنا لنعيش الاستثنائية.
وعلى صعيد الجسد فكثيرة هي مظاهر المعاناة التي نعانيها، وما هي إلّا أقنعة تخفي شيئاً ما وراءها لا نريد مواجهته أو الاعتراف به، فنهرب منه إلى المرض لنبدأ من خلال المرض باتهام الآخرين وتحميلهم أسباب فشلنا وتقصيرنا وعجزنا ليتحوّل المرض من جسدي إلى نفسي.
وننسى أن تجاربنا في الحياة بخيباتها وانتصاراتها ما هي إلّا دروس لم تأتي إلّا لتعلّمنا أن تحقيق الإنجازات على كافّة الأصعدة العلمية والعملية والمادية والعلائقية يحتاج لبذل الكثير من الجهد الذاتي بالاستعداد والجدّ والإصرار والمثابرة والالتزام.
حتى الحبّ الذي ربّما نعتقد أنّه يمرّ بالصدفة ليُسعدنا، تجدنا نحاول الحصول عليه ربّما بالعمل على جاذبيتنا الخاصة أو من خلال المساهمة والعطاء والاهتمام.
كثيرة هي الحقائق التي نهرب منها عادةً ولا نعرفها إلّا بعد هدر الفرص في الحياة. وهو أنّ لا شيء في الحياة من دون مقابل أو ثمن، فالحياة لا تمنحنا شيئاً بالمجان.