د.حمدي موصللي
– نص بصري –
(( ان تموت شريفاً ومنتصراً خير من أن تموت نذلاً وخاسراً ))
– قطع / 1 –
– حربوق أخو حفيانة .. أنا الذي أعرفه تماما .. هو حربوق من فصيلة الحرابيق الموالية للباشا المعظّم .. ما شاء الله وكان !. يخلق من الشبه اربعين .. إلا أن معادلة الشبه ( الاربعينية ) هذه فاقت النظر وجاوزت الحسبة !!. السبب بسيط ، وهو أنّ صاحبنا الحربوق هذا .. إضافة ِلمَا يتمتع به من مزايا الحرابيق ومواهبهم العديدة إلا أنه قد أضاف موهبة جديدة إلى مواهبه الفذة جعلت منه سيد الحرابيق بلا منازع .. ألا وهي موهبة القفز أو الوثب وبالعامية نسميها (النط) ..
– قطع / 2-
– اذكر أنه في مراهقته كان شهيرا مولعا بالنط على أسطح بيوت الحيِّ إلى أن جاء وقت تمّت فيه سرقة أحد البيوت فيه .. لكن سرعان ما تمّ القبض على الملثم السارق وتسليمه مكبلا إلى مخفر الحي ،وهناك أماطوا اللثام عن وجهه وإذ بالحرامي هو النطاط بعينه ابن الحي ذاته!. وأن البيت المسروق هو بيت أهله ،وأنّ المبلغ المسروق هو راتب أبيه والبالغ ٧٠ سبعون مصرية
– المهم أن هذا النطّاط اصبح من المناضلين * النطّاطين * والمؤدلجين المشبعين ، والاشتراكيين المؤمنين بالصراع الطبقي ، وبهمِّ القومية والعروبة ، ومن رافعيِّ الشعارات الخشبية الطنانة السائدة وقت ذاك من مثل .. الارض لمن يعمل بها .. بترول العرب للعرب.. وتغنى مرددا أغاني النكسة .. ميراج طيّارك هرب.. ورقص على نغم .. عبّيلي الجعبة خرطوش وهيئ لي هالبارودة .. وردد مع ام كلثوم : أصبح عندي الان بندقية إلى فلسطين خذوني معكم .
– لم يعبأ صاحبنا بما حدث ويحدث ، واستمر صديقنا الحربوق لفترة طويلة يمارس موهبته بعشق زائد عن الحاجة ،فما ترك مكانا إلا ونطّ عليه .. من مختار حارة إلى عضو في المجلس النيابي ،ومن ثّم إلى وزير ثمّ بنطة واحدة تربّع على كرسي الحكومة ،وبعد سنوات مضت.. قالوا له : قف يا باشا !!.
– قطع / 3-
– من جملة ما أذكر أنه كان يعمل في صغره ( صبي بوفيه ) في ملهى ليلي رخيص .. حتى أنه كان ينام فيه بعد أن طرده زوج أمه من منزل أمه ، ومع الأيام ،وبفعل النط والتحول ، تحوّل صاعدا الى قارع طبل ثّم إلى مردد ( كورس ) وراء مغنية من أسفل السلّم الموسيقي ، ثم جامع نقوط وراء راقصة ( لهلوبة ) مخضرمة في ذات الملهى ، ومن ثم تابع النط ،وتحوّل إلى خاتن أطفال ، وفجأة هبط الملاك عليه في بابل وحوله إلى مقرئ في الجامع الكبير ، وإلى منشد بالتكايا والزوايا ، ثمّ إلى مصلّي بالجماعة ( إمام جامع ) وخطيب محدث لا يشق له غبارا ثم أوحى الله له في المنام ان يستر عورة راقصة تتوب على يديه فتزوج من ( هنوف ) الغجرية الرقّاصة التي أوصلته وأجلسته في أماكن لا يحلم بها بفعل علاقاتها مع كبار أعيان البلد ومسؤوليها .. كل هذا مقابل أن يحجز لها مكانا بالجنة التي وهبه الله مفاتيحها وجعل منه كاشفا للستر، والمخلّص الذي اختاره من بين عباده ، وارسله سرا للمؤمنين الضعفاء .. صدقته وآمنت بما خصّه الرب من كرامات ، فكتبت له أملاكها من عقارات ومغازل صوف ، ودكاكين وشقة فارهة وحتى سيارتها من نوع الكاديلاك الاميركية، ثم ماتت بظروف غامضة .. وعندما حللوا جثتها وجدوا كميات زائدة من المخدر في أنسجتها .. ترى من له مصلحة بقتلها ؟. هذا الحربوق حكم المدينة وتحكّم بمصائر سكانها .. تبوأ أعلى المناصب .. أوهموه أنه المخلص فصدقهم !.. إلى أن جاء يوم بعد أن أجبروه على ترك منصبه وفرضوا عليه الإقامة الجبرية.
– قطع / 4-
– أخيرا قرر الرب كما زعم صانعوه الذين أسهموا بصناعته وأمرهم بالبحث عن الشبيه .. فسرعان ما وجدوا نسخة القرين ..عند بزوغ خيوط الفجر الأولى في صباح شتوي بارد وجد مقتولا، و مرميا فوق كومة زبالة في حاوية عند مكب الزبالة الكبير قرب سور المدينة العتيق ..
_ قطع / 5 _
– على ذمة من حضر ..
– لفوا نعشه براية البلد وحملوه فوق عربة مدفع وشيّعوه بموكب جنائزي حافل ، وأطلقوا إحدى وعشرين طلقة ثمّ واروه الثرى في مقبرة العظماء !.
– قال الراوي .. يا سادة يا كرام
– في تقرير سري أصدره الطب الشرعي وسرّبه رجل الإخفاء مكون من ثلاث كلمات .. القتيل مات منتحرا .
– في نهاية البروفة وقف الممثلون وكأنهم يحييون المتفرجين ومعهم المؤلف والمخرج وبقية صانعي العرض ، ونسوا أنّ الممثل مازال في التابوت موصدا عليه .. سرعان ما تذكروا وفتحوا الغطاء .. لكن أمر الله كان
– جرت البروفة بلا جمهور.. غاب التصفير و التزمير والتصفيق و قضم * البزر* وقرع ” الدربكّة ” وصمت المغني .
اللاذقية / ٢٠٢٢م