ا. عبد الله لالي
كاتب و ناقد من الجزائر
كان لقاءً على غير ميعاد وحوارا بقلوب مفتوحة، وأرواح ( بدويّة ) الهوى، بدويّة المشرب تعارفت فتآلفت، وكان ميلاد الحكي الإبداعي المجنّح، أقبلت فيه درّة الكاتب الكبير سعدي صبّاح المجموعة القصصيّة ( سرّ البيت المفتوح ) في يوم ميلادها، لتضاعف فرح ذلك اللّقاء وتضفي عليه نبضا خاصّا..
خطّ بيده إهداء لامس شغاف القلب، وترك بصمة على مشارف الروح لا تمحّي، وزادت نبرات صوته الجلفاويّ ( الوسّاري ) برنّتها ( العروبيّة ) المشحونة بلباب الفصيح السّاحر، فأمسى موعدنا غير المتواعَد عليه؛ كأنّه اللقاء التاريخي للأرواح المبدعة تذكره حيثما حلّت أو ارتحلت..
( سرّ البيت المفتوح ) قبل الولوج إلى دلالة العنوان في المتن، يعطيك انطباعا كأنّه مغامرة من مغامرات سلسلة ( آغاتا كريستي ) الشهيرة، عنوان بسيط مفتوح، لا شيّة فيه.
وإن كان صديقنا الأستاذ عامر شارف الشاعر المعروف، قرأه قراءة سميائيّة مرتجلة ( لم ترقني كثيرا )، ومما قالها فيها أنّ هناك نوعا من التوافق اللّطيف بين العنوان واسم الكاتب ( سرّ البيت المفتوح )، و( سعدي صبّاح )، فالسين في أوّل كلمة ( سرّ ) ، والحاء في آخر كلمة ( المفتوح ) يوافقان حرفي السّين والحاء في كلمتي ( سعدي صبّاح )، وأنّ الحاء فيها إيحاء بالحرقة والتوجّع مثل ( أح ) التي تخرج من حنجرة كلّ متألم.. ولا أحبّ أن أجور في الحكم على صديقي الشّاعر الكبير شارف عامر ( وهو المجلّي في مثل هذه القراءات )؛ فهي قراءة لها اعتبارها ووقعها في السّاحة النّقديّة.
لكنّ الذي يزعجني كثيرا هو أن نسرف في القراءة السيمائيّة إلى حدّ التكلّف، الذي يبعدنا عن حقيقة النّص البسيطة والجميلة، وربّما يُضيّعنا في مسارب من التأويل لم تخطر على الكاتب ببال، ولا قصد أيَّ معنى منها ولا يرضاه.
( سرّ البيت المفتوح ) مجموعة قصصيّة جديدة للقاص المبدع المقتدر سعدي صبّاح، ثريّة بالمعاني والرؤى السّاحرة تطغى عليها طبيعة الباديّة ورهبتها، المحبّبة بسمتها الصّحراوي المعرق قي الأصالة العربيّة. صدرت عن دار علي بن زيد للطباعة والنّشر..
قطف لنا القاص من حبّات قلبه ثماني عشرة ( 18 ) زهرة بريّة، تعبق بريح الزعتر والشيح، ونكهة حليب النّوق الملحيّة المذاق، مع طعم رجولة وفروسيّة عربيّة تلتحف السّماء رداء قبل البرنس والشّاش.
” أسير الخشخاش ” و” دّقت الخلاخل أجراسها ” و” العاصفة البريّة ) و( سرّ البيت المفتوح ) و( ظبية الصحاري ) وأخواتها، المتدلّهات في عشق الخيمة والإبل والصّحراء وكثبان الرّمال النّاعمة، المتماوجة على الشفق كأنّها تنافس البحر، في مدّه جزره..
زاخرة حدّ الهدير بحياة البادية، وأصوات البادية وألوان البادية، المفتوحة على كلّ ما هو جميل وساحر، تستحق أن تعشق وأن يذوب الكاتب بها وجدا وهيمانا، وأن يخلّد مشاهدها في لوحات قصصيّة كأنّه ناصر الدّين دينيه ) في ولهه الأكبر..
ولي إطلالة أكثر أناة مع ( سرّ البيت المفتوح ) لسعدي صبّاح..