م. ميشيل كلاغاصي
6/3/2023
لم يُثبت مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته التاسعة والخمسين ، خلال الفترة من 17 – 19 فبراير/شباط الماضي ، وبحضور ممثلين عن ما يقارب 100 دولة من جميع أنحاء العالم , إدعاءاته التأسيسية , وبأن أهم أهدافه تشجيع الحوار حتى بين الخصوم, وبدا مؤتمراً أحادي اللون , وظهر على حقيقته بعدما فقد أدنى درجات المصداقية والحياد السياسي , وفقد معهما هويته كملتقى أمني دولي جامع , بغياب روسيا التي لم تدع أصلاً إلى المؤتمر, ومع ذلك كانت فعلياً أبرز الحاضرين الغائبين , وربما كان غيابها أو استبعادها , بحد ذاته هو “الإنجاز” الأبرز لهذا المؤتمر المسبق التعليب.
لقد وجد غالبية المشاركين الغربيين في المؤتمر, الفرصة لإظهار إصرارهم على الإستمرار في الحرب على روسيا لأطول فترة ممكنة , وبإستمرار دعمهم لكييف وتزويدها بالأسلحة , بهدف منع روسيا من تحقيق الإنتصار, وحاولوا إظهار إيمانهم بحتمية إنتصار أوكرانيا , وبأن مفاوضات السلام لم يحن أوانها بعد , مع تأكيد ألمانيا “استعداد الجميع لحربٍ طويلة” , والوعود الفرنسية بتقديم “المزيد من الأسلحة” , مواقف سرعان ما تبخرت ونسفتها نصائح ماكرون وشولتز, في اليوم التالي , بدفع المهرج الأوكراني للتفاوض مع موسكو !.
ومن خلال المؤتمر, لم تظهر أوروبا أياً من علامات أو دلائل الحياد أو النأي بنفسها عن الولايات المتحدة, أو أياً من إشارات التراجع عن الدعم العسكري لأوكرانيا , بل جاءت “الرسالة” الأوروبية لتؤكد وقوفها واصطفافها الحازم داخل مربع الحرب الأمريكية على روسيا , وسط التظاهرات والإحتجاجات أمام مقر انعقاد المؤتمر, ومطالبة المتظاهرين بإنهاء الصراع في أوكرانيا , وبدء محادثات السلام , معربين عن استيائهم من المؤتمر, وواصفين المشاركين فيه بـ ” دعاة الحرب” , وفي خلاصة القول , لم يبدو ميونخ مؤتمراً للأمن , بقدر ما بدا مؤتمراً لإشاعة الفوضى وتسعير الحروب وتدمير الأمن والسلام الدوليين.
بات واضحاً أن الولايات المتحدة استخدمت المؤتمر لتشكيل تحالف موسع مناهض لروسيا ، ولحشد ما أمكنها من حلفاء حلفائها ومن يقعون في مصيدتها ، للرد على التصريحات الروسية التي لم تنفك تؤكد إنتصار موسكو والرئيس فلاديمير بوتين , فعين واشنطن والناتو والإتحاد الأوروبي, تتطلع إلى الإنتصار بمعنى عزل روسيا سياسياً وإقتصادياً ومالياً , وتحويلها إلى دولة يرفضها العالم وينبذها , ويحتاج إلى الإقتراب من حدودها عسكرياً , وفرض قواعده الأمنية عليها, وتفتيش منشآتها النووية , وكل ذلك بهدف إخضاعها , وفي هذا الصدد أكد الرئيس بوتين عشية توقيعه على تعليق معاهدة ستارت – 3 , بالقول: “يريدون تفتيش منشآتنا الدفاعية, وتسلق منشآتنا النووية”.
وعلى الرغم من فشل الولايات المتحدة في عديد النسخ المشابهة للمخطط والاّلية التي تتعامل فيها مع موسكو, والتي سبق وإعتمدتها في إخضاع كوريا الشمالية ويوغوسلافيا والعراق وليبيا وإيران وأفغانستان وتركيا وسورية , إلاّ أنها لا تزال تصر على استخدامها, لرخص تكاليفها , ولتوفر أرخص المفتشين والعشرات من شهود الزور, وكاتبي وصائغي التقارير الأممية المزيفة والمضللة , تحت الرعاية الأمريكية بشكلٍ دائم.
الأمر ذاته بالنسبة للصين , فعلى الرغم من التصريحات الأمريكية بعد بدء المؤتمر, وبأنها تراقب “السلوك الصيني” , وعن المساعدات المؤثرة والحاسمة التي قدمتها لموسكو , بما يخالف “تقاليد الدبلوماسية الصينية” , في إشارة واضحة إلى أن بكين تكذب حيال حيادها ومقترحاتها لتسوية الصراع الأوكراني , وبأنها ستقف إلى جانب روسيا , وستمدها بالأسلحة , وعليه لا يقل سعي وإهتمام واشنطن بحصار بكين سياسياً , عن إمداد تايوان بالأسلحة , وبالتنكر لمبدأ الصين الواحدة , ناهيك عن محاولاتها المستمرة للضغط على الدول للإبتعاد على تعاونها التجاري معها , وبإنضمامهما إلى فريق العقوبات عليها.
لم يحقق مؤتمر ميونخ ما كانت تحتاجه الولايات المتحدة , ولم تنجح بإضافة أي وافدٍ جديد إلى تحالفها الغربي ضد روسيا , وأقله للإبتعاد عن الصين , سواء كان وافداً سياسياً أو عسكرياً أو تجارياً , كالبرازيل وجاراتها اللاتينية , والأمر ذاته بالنسبة إلى كازاخستان وأوزبكستان اللتين طالبهما بلينكن لاحقاً بالإنضمام إلى فريق العقوبات على روسيا , وتعويضهما بالمال لتعويض الخسائر التي ستنجم عن قطع تبادلهما التجاري معها , كذلك حثهما على الحد من التعاون مع الصين , التي أعلنت صراحةً عزمها على دعم روسيا بشكل أكبر, وساهمت برفع وتعزيز الهواجس الأمريكية من تشكيل كتلةٍ روسية صينية إيرانية , تقوم على أساس مقاومة الهيمنة الأمريكية والتحالف الغربي.
بات على واشنطن الإقتناع بمكونات تحالفها الحالي , وهشاشة قدراته العسكرية , بعدما تأكد لها وبعد عام من المواجهة الشاملة مع روسيا , أنه غير متجانس ومتاّكل من داخله , وغير قادر على تزويد أوكرانيا بالأسلحة والإمدادات , وبالأموال الكافية , وببدائل الطاقة الروسية الرخيصة , لمواصلة تحمل نتائج وتداعيات الحصار والعقوبات والحروب العسكرية والإقتصادية والمالية على روسيا بمفردها , فكيف الحال بهزيمة روسيا والصين مجتمعتين.
م. ميشيل كلاغاصي
6/3/2023
اكتب إلى Michel Kalaghassi