يبدو أن الجائحة الأساسية التي أصابنا بها كورونا، ليست كما اعتقدناها تصيب أجزاء الجسم والرئتين، بل تضرب في أعماق الدماغ حد النخاع، وقد أصابت العالم أجمع الغربي والعربي، بمجموعة ظواهر وأفكار تبدو لسامعها كأنها خارجة من عالم العجائب الذي سقطت بداخله أليس.
منذ انتشار الجائحة ولا تزال كوارث الفتاوى والأخبار المغلوطة ووصفات العلاج السحرية تنهال فوق رؤوسنا وتضرب يمنة ويسرة وتخترق كل العقول، وعالم السوشال ميديا يغذي هذه النيران الناهمة بمنحاه التوسعي الكبير في الوقت الحالي.
انتشر مقطع لشخص يدّعي أنه طبيب وقال أن الفيروس تقضي عليه حرارة السيشوار لذا وجه السيشوار على أنفك وسيقضي عليه، بعيداً عن الأضرار الصحية التي ستواجهك من جراء هذا العمل، الفيديو يستشهد بمقال لمنظمة الصحة العالمية بأن الفيروس يُقتل بدرجة 57 ولكن لمن يقرأه سيعلم أن المقصود فيروس سارس وليس كوفيد 19 والمقال قديم للمنظمة، وكما أوضحت المنظمة، الفيروس يعيش في الجو الحار والرطب.
ومنهم من ينظر إلى الفيروس على أنه لعنة أو تعويذة يتم التخلص منها بالإيمان والأدعية وجلسات التطهير بالآيات كما فعل أحد الأشخاص بقيامه بتصوير مقطع يوضح فيه استدراج الشيطان المسؤول عن كورونا ويحاول التخلص منه بجلسات لطرد الأرواح الشريرة.
ثم نرى في مجموعات العائلة والأصدقاء والأقارب، عشرات من الوصفات المؤكدة بالتجربة بحتمية قضائها على الفيروس من خلال شرب عشائب البابونج وإكليل الجبل والمردكوش، ولا ننسى التوابل والبهارات فالفيروس كما تعلمون لا يحب طعم البهارات الحادة فيهرب منه ويدعكم وشأنكم، وخطتكم في القضاء عليه تحقق نجاح باهر بهدف لكم مقابل لا شيء للفيروس!!
والأخطر من كل هذا أن من بين من ينشر مثل هكذا أخبار أشخاص لهم قيمتهم بين الناس فيكونون معروفين مثلاً أو مشهورين، ومن بينهم من له آلاف المتابعين على صفحته ولكم أن تتخيلوا حجم الكارثة من التعليقات والمشاركات والتأييد، إضافة إلى ضيوف القنوات والمذيعين أنفسهم الذين لا يكفون عن إبهارنا بإبداعاتهم الاستنتاجية ووصفاتهم السحرية.
ومن باب التكرار للتأكيد، استخدام المضادات الحيوية لا يقضي على الفيروس، فالمضادات للجراثيم، قد يتم أخذها بسبب عدوى جرثومية مصاحبة فقط، الثوم لا ينفع للوقاية من فيروس كورونا، الكلور والكحول لتعقيم الأسطح لا لغسيل الجسم بها…. ولا للشرب قطعاً…
كمية المعلومات المغلوطة والشائعات وطرق العلاج غير معروفة المصدر ومن يقوم باختراعها ونشرها، كلها قد تكون أموراً مستفزة مؤذية نفسياً يُتغاضى عنها في الظروف العادية، أما في ظرف وباء خطير يهدد حياة البشر بشكل مباشر كالحدث الذي نعيشه حالياً، يصبح معه انتشار مثل هكذا ترهات شفير نتائج كارثية مميتة في درجة خطورتها.
ليصبح معه عمل منظمة الصحة العالمية بدل الاهتمام بمواكبة الإحصائيات ودرجة انتشار الفيروس والبلدان الأكثر تضرراً به والتزويد بآخر التطورات والتجارب العلمية لمواجهة الجائحة إضافة لطرق الوقاية الصحيحة منه، بأن تنشغل بضرورة ملاحقة هذه الأخبار أينما وجدت وتصحيحها لدرجة خطورتها حد التعب.
أرجوكم ثم أرجوكم ثم أرجوكم، جل ما تنصح به المنظمة وتأمل أن تقوم به البشرية هو متابعة كل تقاريرها حول الفيروس المستجد، وتوخي الدقة والحذر بالتقاط المعلومات ونشرها والتحقق من مصداقيتها بالتفكر الجيد بها، مع الإلتزام بطرق الوقاية الصحيحة والتباعد الاجتماعي المدروس، فهي تعطيكم المفتاح لألّا تطرقوا الباب الخطأ.
رغد النجم