ترجمتي لخطاب ألقاه أحد قادة تنظيم اتحاد البروليتاريا في اسبانيا خلال تظاهرة مناهضة لحلف شمال الأطلسي نظمها الاتحاد بالاشتراك مع تنظيم المبادرة الشيوعية في اسبانيا في شهر آذار الماضي.
الخطاب يتضمن الرأي الذي أتبناه شخصياَ ويتبناه العديد من الأحزاب الشيوعية والعمالية وحركة التحرر الوطني في مختلف أنحاء العالم حيال الحرب في اوكرانيا وهو رأي يستند إلى الماركسية-اللينينية وخاصة فيما يتعلق بالامبريالية والحرب العادلة والتناقض الرئيسي. هذا الخطاب لن يعجب بعض “اليساريين” وبعض الأحزاب الشيوعية لأنه يوجه النقد للحزب الشيوعي اليوناني الذي يقود ما يمكن تسميته حملة تضليل بخصوص الحرب حيث يعتبرها حرباً بين دول امبريالية وغزواً بل ويعتبرها بعض قادته حرباً عادلة بالنسبة لأوكرانيا! علماً أنّ الشيوعيين الروس وفي طليعتهم الحزب الشيوعي لروسيا الاتحادية وحزب العمال الشيوعي الروسي يعيتبرونها حرباً وطنية جديدة ضد النازية المتجددة في اوكرانيا والغرب.
——————————————————————————-
26/05/2023
مساء الخير أيها الرفاق. أحمل لكم التحيات من اتحاد البروليتاريا.
سأحاول أن أوضح من وجهة نظرنا ما يجب أن يكون عليه الموقف الشيوعي البروليتاري فيما يتعلق بالصراع في أوكرانيا (وكذلك فيما يتعلق بالصراعات الدولية بشكلٍ عام)، خاصةً في بلدٍ إمبريالي مثل إسبانيا. إنني أفترض أنكم تعرفون جيداً خلفية هذا الصراع وأسبابه. وإذا لزم الأمر، سوف نعيد التذكير بها خلال المناقشة اللاحقة.
لقد اتخذت الطبقات والأحزاب الأخرى موقفها بالفعل:
1. غالبية السكان، كما يحدث عادة في أيّ وضعٍ غير ثوري، تتقبل السرد الذي تطرحه السلطات، خاصةً عندما يكون هناك إجماع بينهم كما هو الحال في الوقت الحاضر. الرواية اليوم هي: لقد غزت روسيا أوكرانيا بشكلٍ غير مبرر وحلف الناتو هو الذي يحمينا من روسيا.
2. مناهضو الحرب من الناحية النظرية وأغلبية العمال، انطلاقاً من درجةٍ من الوعي الطبقي، لا يثقون بإمبرياليي الناتو، لكنهم يعتبرون روسيا الرأسمالية إمبريالية وغزت أوكرانيا لأغراض إمبريالية.
وهذا الموقف الثاني اتخذته العديد من الأحزاب الشيوعية في العالم. ردا على ذلك، اسمحوا لي أن أقرأ عليكم واحدةً من تلك الاقتباسات من لينين والتي لا يمكن إخراجها من سياقها لأنها تناقش المسألة من وجهة نظر مبدأ عام:
“من الضروري شرح معنى عمليات الضمّ، ولماذا وكيف يجب على الاشتراكيين محاربتها. لا يمكن وصف كل استيلاء على أراضٍ “أجنبية” على أنه ضمّ، لأنّ الاشتراكيين، بشكلٍ عام، يفضلون إلغاء الحدود بين الأمم وتشكيل دولٍ أكبر؛ ولا يمكن وصف كل اضطراب في الوضع الراهن بأنه ضمّ، لأن ذلك سيكون رجعياً للغاية واستهزاءً بالمفاهيم الأساسية لعلم التاريخ؛ ولا يمكن تسمية كل استيلاء عسكري على الأراضي ضمّاً، لأنّ الاشتراكيين لا يستطيعون نبذ العنف والحروب من أجل مصالح غالبية السكان.
” يجب أن يتم تطبيق مفهوم الضمّ فقط على الاستيلاء على الأراضي بالضد من إرادة سكان ذلك الإقليم؛ بعبارةٍ أخرى، يرتبط مفهوم الضم ارتباطاً وثيقاً بمفهوم تقرير الأمم مصيرها بنفسها. ” (المقترحات المقدمة من اللجنة المركزية لحزب العمال الإشتراكي الديمقراطي الروسي إلى المؤتمر الاشتراكي الثاني، نيسان/أبريل 1916 ، الأعمال الكاملة المجلد 22)”
ويمكننا خلال المناقشة، إذا رغبتم بذلك، توضيح كيفية تطبيق معيار لينين هذا على الحرب الحالية في أوكرانيا.
إنّ معظم الأحزاب الشيوعية، خاصة في الغرب الإمبريالي، لا تعتبر روسيا إمبريالية، لكنها مع ذلك لا تجرؤ على دعمها خوفاً من الإضرار بعلاقتها مع الجماهير. وهذا يدل على أنّ الجماهير لم يتم إخبارها بالحقيقة الكاملة لكيفية عمل المجتمع الذي نعيش فيه: لم يشرحوا لها الصلة بين الانتهازيين الذين يخونونهم يومياً واستغلال معظم دول العالم من قبل حفنةٍ قليلة، لم يشرحوا لهم أنه يجب علينا دعم كل من يحارب هذا النير الإمبريالي، ليس من باب التعاطف فقط، بل لأن هذا النير نفسه هو الذي يبقينا مستعبدين.
هذه الأحزاب لم تتصرف كأحزابٍ ثورية بل كأحزابٍ وسطية.
ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنه على الرغم من أنهم أحسنوا صنعاً في محاولة تحقيق وحدة العمل مع المنظمات الجماهيرية الإصلاحية، إلا أنهم أخطأوا في فعل ذلك على حساب الحاجة إلى شرح المسألة الجوهرية للقمع الإمبريالي الذي تمارسه بلادنا على الآخرين.
هناك أيضاً أقلية من الشيوعيين ليست الوسطية خطيئتهم، بل العكس: خطيئتهم هي “اليسارية”. إنهم يخلطون بين الجزء والكل.
يبالغون في بعض الحقائق الخاصة على حساب الحقيقة الملموسة (في المناقشة، يمكننا توضيح الفرق بين الخاص والملموس). إنها نفس العملية التي يتبعها كل أولئك الذين يضعون العراقيل أمام بناء وحدة العمال والشعب الضرورية من خلال الإصرار على قبول فكرةٍ ما خاطئة، عقيدةٍ ما.
هؤلاء يقودهم حالياً الحزب الشيوعي اليوناني ونظريته عن “الهرم الإمبريالي”. تأخذ هذه النظرية من لينين بعضاً من أهم أفكاره حول الإمبريالية وتطبقها على التطور الرأسمالي الحالي، لكنها تتجاهل أفكاراً أخرى لا تقل أهمية. وهكذا، انطلاقاً من حقيقة أنّ الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية وأنها تتميز بخمس سمات، يستنتجون أنّ كل الدول الرأسمالية أصبحت إمبريالية، بعضها قوي وبعضها ضعيف، لكن يجب أن نحاربها جميعها بالتساوي.
في هذا المفهوم الجديد للإمبريالية، يختفي التمييز بين البلدان المضطهِدة والمضطهَدة، كما تختفي رشوة طبقة الأرستقراطية العمالية في البلدان المضطهِدة كنتيجة لعلاقة الهيمنة هذه. إنهم يدافعون عن الانتقال البهلواني من الإمبريالية إلى الاشتراكية البروليتارية، مع الاستخفاف بالنضالات الديمقراطية للقطاعات الاجتماعية الأخرى والأمم المضطهَدة. لقد فاتهم الفصل الأخير من البيان الشيوعي، وهو بالتحديد الفصل الذي يخبرنا كيف نضع دروسه موضع التنفيذ.
باختصار، هذه “يسارية” بين علامتي اقتباس، لأنها مفيدة للإمبريالية مثلها مثل التحريفية اليمينية أو الإصلاحية.
أخيراً، نحن الشيوعيون معرضون لخطرٍ أخير، وهوالخلط أيضاً بين الجزء والكل، ولكنه في هذه المرة يساوي بين مقاومة الإمبريالية وزوالها.
يتمثل هذا الخطر في الانتظار السلبي لأحدٍ ما آخر يأخذنا إلى عالمٍ مثالي متعدد الأقطاب يكاد يكون اشتراكياً، أو على الأقل يحترم الخيارات السياسية لكل شعب.
مع أنّ الانتصار الافتراضي لروسيا والصين ودول الجنوب على النظام الإمبريالي العالمي الحالي لن يؤدي في حد ذاته إلى إحلال الاشتراكية محل الرأسمالية. إنّ الرأسمالية، في هذه المرحلة من تطور القوى المنتجة، تميل إلى أن تكون احتكاريةً، بكل ما ينطوي عليه ذلك من سيطرةٍ وعنفٍ رجعي.
حتى الآن، لم نعرف سوى إمبريالية القوى الاستعمارية القديمة: حروبها أولاً ونظامها الدولي في الفترة الأخيرة. لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن ينبعث نظام آخر من رماده. إذا أردنا وضع حدٍّ للإمبريالية بشكلٍ كلي، يجب علينا تطوير الصراع الطبقي للبروليتاريا من أجل الثورة الاشتراكية في جميع البلدان. حينها سنجد العالم البرجوازي ضدنا، مهما كان متعدد الأقطاب.
سوف أختم هذا الخطاب باستنتاجٍ عملي: من أجل تحقيق التحرر الاجتماعي للعمال، يجب أن ندعم كلّ نضالٍ يضعف النظام الإمبريالي الحالي، الوحيد الموجود حالياً ويعمل على هذا النحو – أي ذلك النظام الذي يدور في فلك الولايات المتحدة الأمريكية. لذلك يجب تقديم الدعم إلى روسيا والصين والدول المضطهدَة الأخرى من أجل الإطاحة بهذا النظام.
في الوقت الحاضر، بسبب الأزمة المستمرة التي أثارتها التحريفية في الحركة العمالية والشيوعية، فإنّ أكبر قوةٍ مناهضةٍ للإمبريالية هي حركة التحرر الوطني. وعلى الرغم من أنّ نجاحاتها لا يمكن أن تقضي على الإمبريالية بشكل نهائي (ما لم تستتبعها إعادة إحياءٍ ثورية للحركة العمالية)، فإنها تضعفها من خلال فتح نافذة من الفرص أمام الشيوعيين لتحقيق ذلك.
يجب أن يكون التضامن مع حركة التحرر الوطني هذه أحد جوانب –سويةّ مع جوانب أخرى- برنامج وتكتيكات القوة البروليتارية التي يجب أن نجمعها معاً حتى نركز جميع النضالات الشعبية باتجاه تحقيق الاشتراكية. فلنتفق قريباً على خطة التوحيد هذه وننفذها خطوة بخطوة وبصورة منهجية.
إنّ الأولوية هي هذه: إعادة تشكيل الحزب الشيوعي.

كل التفاعلات:
١١