_______________
حرمان
مع شروق الشمس اراقب بيت عمتي أصيلة المجاور لبيتنا ، انتظر بشوق أن أسمع صوت شد حبل مزلاج الباب الخشبي وهو ينزاح من الداخل، ثم مصراعي النافذة وهما ينفرجان، لتطل عمتي برأسها وتناديني :
– اطلعي يا حنان .
وقبل أن تكمل كلماتها اكون قد دفعت الباب الخشبي الثقيل بكل قوتي، وطويت بفرح الدرجات الحجرية صعودا في بضع قفزات؛ فأنا الوحيدة من بين كل البنات التي سمحت لها عمتي أصيلة باللعب مع ابنتها الوحيدة جميلة، والتي تمتلك الكثير من اللعب،والعرائس الرائعة لأنها – كما قالت أمي – بنت شهيد !! .
تتلقاني عمتي أعلى الدرج، وهي تتهيأ للنزول إلى الوادي لجز العشب، ترفع الشريم فوق رأسي مبتسمة :
– حنان ..العبي بهدوء ..وانتبهي تكسري العرائس ، و…..
اتجاوزها بسرعة، وفي قفزة أكون قد عبرت عتبة الباب، ودخلت الغرفة لأنضم إلى جميلة، التي تباشر في اخراج العرائس من الحقيبة الحديدية الكبيرة بحذر وهي تهمس لي :
– دلآ دلآ ..يا حنان ..عاد الأميرات راقدات .
و يبرز مع إحدى العرائس جزء من فستان جميلة الوردي الذي ارتدته في العيد الكبير، ذلك الفستان ذو الكشكشة، والذيل الطويل الذي جعلني أبكي طوال يوم العيد، ووعدتني أمي أن تشتري لي مثله، ولم تفي بوعدها .
ترجيت جميلة أن تخرج الفستان من الحقيبة فترددت طويلا، ثم سحبته من تحت العرائس بحذر، ووضعته بكل زهو بين يدي ..احتويت الفستان برفق، ورحت أتامله بشغف، اتحسس ذيله، وتلك الأوتار الدائرية تحت بطانته… وما إن التفتت جميلة لتكمل ترتيب العرائس حتى غافلتها، وهربت بالفستان إلى بيتنا !!، ارتديته بسرعة، وقبل أن أرى نفسي في المرآة.. استيقظت بعد يومين في المستشفى ! .
عرفت أن طائرة العدوان قصفت قريتنا، وحين عدت إلى القرية ارعبتني مشاهد الدمار التي حدثت ، فقد مات الكثير من الناس والأطفال، واختفت كثير من البيوت من بينها بيت عمتي(أصيلة) وجزء من بيتنا …
وزادتني نظرات عمتي أصيلة رعبا وخوفا، ومنظر شعرها المنكوش، وعيناها الجاحضتان،وصوتها المبحوح… سمعت إحدى النساء تهمس لأمي – التي انفجرت بالبكاء – أنها قضت اليومين هائمة على وجهها تبحث عن ابنتها (جميلة)، لكن ما إن رأتني حتى صرخت، واندفعت نحوي !!
ظننت أنها ستضربني، أردت أن أعتذر لها، وأن اخلع الفستان الوردي الذي تمزق وتلطخ بالدم والطين من كل جانب، وتحول ذيله إلى رباط تعلقت عليه ذراعي المكسورة،حاولت الهروب، والاختباء خلف أمي لكنها اختطفتني وضمتني فى حضنها وأخذت تقبلني وهي تبكي :
– جميلة ..جميلة وين رحت يابنتي؟ وين اختفيتي وتركتيني وحدي؟ جميلة بنتي !!
مرت سبع سنوات على تلك الحادثة، ومع شروق شمس كل يوم جديد تكون عمتي أصيلة قد استيقظت؛ لتقف أمام بيتنا تترقب بشغف متى تشد أمي حبل مزلاج الباب الخشبي لينفتح من الداخل، ثم تفتح مصراعي النافذة وتناديها :
– اطلعي يا أصيلة .
فتصعد عمتي وهي تطوي بفرح الدرجات الحجرية في بضع قفزات، وتدخل محتضنة العرائس وسط خرقة متسخة من الفستان الوردي، فتضعهن برفق أمامي وهي تهمس :
– دلآ دلآ .. يا جميلة..عاد الأميرات راقدات ! .
عبدالله عبدالإله باسلامه
يوليو / 2021م .
__________________
//القراءة //
ان نظرية العتبات لا تجبر الناقد او القارىء على أن يقرأ بعين العتبة
ان كان عنوانا فهو في اغلب الاحيان يكون تابعا للنص وليس العكس ..
فهل يشكل العنوان الافتراض او التوقعات للقارىء ..؟
تلك معيارية قسرية على القارىء ان يمشي معها بحذر شديد بمعنى انها قد تكون متاهة له ..فعليه ان يحمل قنديلا آخر عينا له…
الحروب كوارث معروفة النتائج وكذلك الفقر
ما هي الاسباب ..كذلك قد تكون غير مخفية .
فلا العنوان حرمان يقود النص ولا بنيات الحرب والفقر يقودان النص ..مع اهمية ذلك
انما الذي يكشف النص ليبين ويفصح هو امر آخر .: الحركة في المكان ..
واللغة الصامتة لها
التي رسمت حروفها حركة الشخصيات نحو المكان .
القرية مكان …أهلها فلاحون ..تذهب” الى الوادي لجز العشب “.
لها انتماء وهوية ..ففيها شهداء ..
اذن ..
لنتبع الحركة ..
كلها انفتاح على امكنة مغلقة ..من شروق الشمس تطلع على ظلام فتنفيه.. انفتاح النوافذ
والبوابة الكبيرة الخشبية تفتح للدخول الى البيت والى الغرفة ..
اذن الاتجاه الى الداخل ..من الرحب الوسيع الى مكان محدد له ابواب ..
يصعد اليه بدرج اي عال …في ذلك المكان ..لعب ..كثيرة فحنان تدخل وهي تحمل معنى اسمها لتكون لطيفة مع الالعاب ..وتكون مع طفلة اخرى جميلة تحمل معنى اسمها كمكانين للسلام حنان وجمال ..ولعب اطفال..
وفيها من اثر الهوية نصيب ..جميلة ابنة الشهيد عندها كل الفرح كنتيجة للشهادة ..وكذلك الفستان الذي تمنته حنان في العيد وبكت لانها لم تحصل عليها راته في داخل علبة حديدية .ما علامة ذلك ؟
ان اثر العيد محصن .. فتلبسه حنان ليكون زمن العيد فرحا الآن ..فتنقله الى مكان لا يعرف العيد لعلة الفقر.. ..فتأتي القذائف لتمنع ذلك فتدمر المكان والعيد الذي استيقظ ..وتدمر السلام الذي استعصم في غرف ..
هنا يكون المكان القرية غير آمن مهدد ومعرض للعدوان حتى في داخل غرف مغلقة على اطفال ما زالوا يحملون هوية المكان ..لينقلوه في الزمان الى الآتي..
جميلة تختفي تحت الانقاض اي محو وتدمير اثر الفرح والسلام الذي امنته الشهادة ..وحنان تنجو لانها حاولت ان تخرج من “الغرفة” الى مكان آخر..
..فالصعود الاول كان الى السلام
اما صعود اصيلة وهي تحمل معنى اسمها اذا تسعى لتربية جميلة التي هي الهوية ..
فصعودها بلا هوية اي فاقدة لعقلها الا من ذلك الاثر هو فستان واسم ..يحمله من حاول نقله..
اذن
ان الحركة في المكان
هي لغة قصة ” حرمان”
التي رسمت لغتها حركة الهوية للمكان..في الارض وفي النسل
وفي كينونة الشخصيات .
وقرابتها كلحمة متماسكة الاخ واخته واطفالهما..
اذن العدوان هو محو لهوية مكان ..يريد ان يعيش داخل السلام ببراءة الاطفال..

















