منذ ان بدأت حياة الانسان بالتطور، تزايدت قائمة احتاجاته في كل اتجاه، وصعد الكثير مما كان مصنف تحت عنوان غير الأساس الى رتبة الضروري، وقد غذى حب التملك الفطري في الوجود الانساني هذا التوجه، حتى صار الكون مكتظا بالسلع والمواد والاشياء إلى الدرجة التي باتت تغطي وجودنا، بحيث يصح القول: (ان العالم اشياء وبشر).
مفهوم الزائد احد اكبر الاسئلة الفلسفية والاخلاقية والعملية التي لا تزال تتحدى العالم، والزيادة هنا في كل جوانب حياتنا، فكيف يتسنى لنا، ان نرسم خطا دقيقا بين ما هو ضروري وما هو زائد عن حاجتنا، ووفق اي مرجعية يتم تصنيف الامور الى ضروري وزائد؟
قد يتصور الكثير، ان اجابة هذا السؤال يسيرة وبسيطة، وان مصاديق الزائد والفائض عن الحاجة وغير الضروري واضحة، إذ يمكن لاي انسان ان يلقي نظرة الى ممتلكاته واشيائه، فيعرف الزائد من غيره إلا ان الواقع خلاف ذلك بكثير، والامر اكثر تعقيدا.
في خمسينات القرن الماضي ظهر اتجاه المينياليزم والذي يعني التبسيط والاختصار في الاشياء واصبح تدريجيا مذهبا حياتيا يتبناه عدد من افراد المجتمعات، والذي يقتضي الاقتصار على اشياء محدودة للعيش سواء في المسكن او المأكل او في كل الجوانب الحياتية، وهكذا صارت البيوت الصغيرة والاثاث المحدودة والحياة البسيطة إلا ان هذا المذهب رغم محاسنه وصورته الجميلة لا يستطيع مقاومة حب التملك المستشري والانكباب على المظاهر والنزعة الاستهلاكية والانبهار بمظاهر الحياة، ومصالح الشركات والمنتجين.
واذا كان الزائد في الجوانب المادية من الحياة سهل التشخيص، فكيف السبيل لتشخيص الزائد من الجوانب المعنوية، فما هو الزائد في خارطة علاقاتنا، وفي قراءاتنا، وفي احاديثنا، وافكارنا، وسلوكياتنا، وهواجسنا، وهمومنا، وطموحاتنا وآملنا، بل في مشاعرنا واحاسيسنا..؟؟
ان مجرد التفكير في فكرة الزائد والفائض في هذه القضايا تدخل الانسان في دوامة اسئلة معقدة، لا يملك إلا القليل من الاجابة عنها، ومع ادراك بعض الحدود الفاصلة بين الضروري والزائد في شؤوننا المعنوية، يقفز التحدي الاكبر والمتمثل بالقدرة على التعاطي مع هذا الزائد والتخلي عنه والاقتصار على ما هو ضروري، فكيف السبيل الى التخلص منه؟
في احد اعظم الاوصاف لشخصية المؤمن من خلال الرواية الشريفة : (المؤمن، الناس منه في راحة ونفسه منه في عناء)، وهي معادلة معقدة وصعبة، تقتضي درجات عالية من ترويض النفس للتأقلم مع قلة الطلب وقلة الاحتياج للاخرين وعدم مزاحمتهم في كل شيء حتى في القضايا الخيرة والايجابية، فيما يلقي بالضغط كله على النفس سواء لجهة محاسبتها ومراقبتها او لجهة اعتماده على ذاتها في كل شيء، وهذا الباب يمثل احد اهم المداخل التي تفضي الى التعاطي مع الزائد بروح متصالحة وراضية، بل متحفزة ومؤمنة بضرورة التخلص منه.
ماذا لو اقتصر كل اهل الارض على ما يحتاجونه ضرورة من المسكن والمأكل والملبس وكل الاشياء الاخرى؟ وماذا لو رفع المحتكرون والمستغلون والطامعون ايديهم عن كل ما لا يحتاجون إليه؟ وماذا لو بدأنا بالتفكير في التخلص من الزائد في كل جوانب حياتنا؟ وماذا لو قرر العالم ان يتوقف عن انتاج كل ما هو غير ضروري؟ وماذا لو استطعنا ان نقارب بين النظرات والفلسفات فيما يتعلق بالضروري والزائد؟
اترك لكم تقدير النتائج بناء على تخيل الاجابة عن هذه التساؤلات.