تهيمن حرب غزة ومجرياتها وانعكاساتها ومآلاتها والتوقعات بشأنها، فضلا عن تفاصيل الحدث على الفضاء العام، بل والاحاديث الخاصة والجانبية للمهتمين والمراقبين ولطيف واسع من الناس، وفي هذا السياق انقل بعض من حديث لي مع مختصين ومهتمين بالحدث..
ابتداء.. قلت لمحدثي.. هل تعرف ما هي اهم وسيلة وانجح منهج تتبعه اسرائيل، وتحقق من خلاله اهدافها خلال هذه السبعين سنة، وكيف استطاعت ان تحول واقعها المرفوض الى وضع تصالح معه عدد غير قليل؟
– كلا..
-الجواب يا صديقي ببساطة هو الوقاحة، ان الوقاحة هي الاسلوب الامثل الذي تؤمن به اسرائيل..
– وكيف تكون الوقاحة منهجا منتجا، فيما ينبغي ان تكون محل رفض واستهجان، ومبعثا لاستثارة الآخرين ضدها؟
– هذا الكلام صحيح عندما يكون القانون الدولي والمشهد العام لواقع العلاقات الدولية ومجريات شؤون العالم، قد كانت منتجا للعقلاء والحكماء واهل الاخلاق، وكان العدل والانصاف هو محور الترتيبات التي نظمت وضع العالم، لكن الواقع خلاف ذلك تماما، فعالمنا وترتيباته هو نتيجة لصراع الاقوياء وافرازات الحروب، وقد رسمت خارطته لغة التغالب والتكالب، فهذا مجلس الامن وهذه فكرة العضوية الدائمة، وما سمي بحق النقض الفيتو وغيرهن، خرجت وتمخضت عن ماذا، عن نقاش الحق والعدل ام هي اكراهات باطلة رسمها الاقوياء العتاة في ظل ظروف من القهر والحروب والغلبة، اذن نحن امام عالم لا اخلاقي، عالم تأسس على لغة القوة والقهر، ومنهج الوقاحة منهج منتج في هذا العالم، ويحقق الكثير من المنجزات والاثار، فهذا العالم اللا اخلاقي يراوغ ويتختل خلف العبارات الملتوية من اجل ان يستر عورته، ولا يريد القول بصراحة نحن لا ننصاع إلا للوقاحة، و الحقيقة هي هكذا.
– طيب، هل يعني ان السبيل لنيل الحقوق هو منهج الوقاحة وحسب؟
– بصراحة ووضوح، هناك طريقان للعالم الذي لم يكن جزءاً من ترسيم وتقعيد هذا العالم اللا اخلاقي والفج، الطريق الاول، هو الثورة على كل هذه المعادلات الباطلة، والنظام الظالم، ونسف كل الترسيمات التي جاءت عقب الحربين العالميتين، وما خطته اقلام المنتصرين، فينبغي الثورة على جملة من معاقل الظلم وفي مقدمتها فكرة الدول دائمة العضوية وحق النقض الفيتو والنادي النووي وغيرهن من وسائل الهيمنة الباطلة، وفي موازاة هذا الحراك ينبغي خلق معادلات ترويض لمن يستفردون بأدوات القوة، فيمكن لتجمعات من اقوياء معادلة تفرد متنمر، واما الطريق الثاني، فهو العمل وفق سياق ومقولات هذا العالم الوقح، وهنا ايضا لا بد من فرض الخيارات بصراحة وقوة ووضوح وبلا خجل ولا تهيب ولا تردد… كما يقف الوقحون ويدعمون ظلم اسرائيل واستهتارها وضربها لكل الاعراف والمحددات وايغالها في الجريمة، ويبررون لها ذلك، لا بد من صوت اقوى واعلى واكثر صراحة في مواجهة هذه الوقاحة، فمن لا يخجل منك ولا يستحي، لا ينبغي لك ان تخجل وتستحي منه.
– هل يساوي هذا ان ننخرط في حرب مفتوحة؟
– كلا، وان كان التلويح بالقوة الجدي ضروري ومهم، ولكن لدينا ألف خيار وخيار يمكن ان نوظفها، وهي قادرة على انتاج زخم عظيم اكبر من زخم الرصاص، المهم، اننا نفهم اولا، ان الآخر وقح ولا اخلاقي، وينبغي التعامل معه بما يوقف وقاحته، لن يوقفها الحديث الاخلاقي، بل يوقفها حديث الردع المتسلح بالادوات المناسبة، فبين ايدينا ما يجعل العالم يجثو صاغرا بين ايدينا اذا قلناه بكلمة مجتمعة وتآزر وتبادل ادوار حكيم، وجمع منظم لموارد القوة.
– من اين نبدأ؟
– هناك استحقاق يسبق كل الاستحقاقات، يتمثل في تسوية حقيقية للخلاف الفلسطيني – الفلسطيني، وكل خلافاتنا البينية التافهة، واختلاق العداوات الوهمية بين دولنا وشعوبنا، بل للاحتراب الفلسطيني الخفي، نعم، اقول وبكل صراحة، لا يزال في كلا الفريقين من يتمنى زوال الفريق الآخر ولو على يد الاسرائيلي، بل، ولا استبعد ان يعمل مع الاسرائيلي بشكل مباشر او غير مباشر من اجل تحقيق هذا الهدف..
وبناء على هذا، اول خطوة في تحقيق النصر في هذه المعادلة هي تسوية الخلاف الفلسطيني، وينبغي ان تكون التسوية بلا وساطة، فمعظم الوساطات تستثمر في كل خطوة..
الان.. الان.. وتحت وابل الرصاص والقصف.. لا بد ان يقدم كل من شقي الخلاف باتجاه الاخر الى منتصف الطريق، ويلتقيان قرب جثث الموتى والمنازل المهدمة، ليستشعرا المسؤولية الاخلاقية والقانونية والوطنية تجاه ما يجري… بعيدا عن النفاق والبيانات الكاذبة..
بعد هذا الوفاق سوف يدخل الصراع في مسار مختلف وجديد، ويكون منطلقا لعملية التوازن واعادة رسم الخارطة العالمية..
– اذن نحن امام خيارات معقدة وصعبة؟
– بكل صراحة، القول المأثور.. اجتمعوا على باطلهم، وتفرقنا عن حقنا.. هي التي تلخص الواقع اليوم.. وما لم نجتمع على حقنا لنردع باطلهم بطريقة حكيمة، لا تنتظر من هذا العالم الوقح ان يكون مؤدبا..