صفحات من حروب خط الشيطان..
(اغتيال المشاريع الإلهية)
نعمه العبادي
كرر الشيطان في اكثر من محاورة نقلها القرآن الكريم، بينه وبين المولى الجليل، توعده ووعيده لذرية آدم بالاغواء والانحراف والشطط والوقوف في طريق إيمانهم واستقامتهم، وذكر في بعض الموارد اشارات لجنوده وادواته ووسائله، وقد حصل على وعد رباني بإمهاله إلى يوم القيامة حتى يتم محاسبته عن افعاله، ويمثل وجوده وفتنته احد اهم وجوه الحكمة الربانية لهذا الخلق العظيم.
تزامنا مع نمو خط الايمان الفردي والجماعي، يتحرك خط الشيطان في صراع مرير وقاس، وكما ان هناك تكامل في خط الايمان عبر طبيعة وخصوصية الرسل والرسالات وصولا الى الرسالة الخاتمة ورسولها الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، فإن تزايدا في الشيطنة (مضمونا ووسائل) في خط الشيطان يوازي تكامل الرسالات وتصاعدها، وقد اخذ هذا التشيطن اعلى مدياته على ايدي اليهود، إذ مثلت مرحلة ما بعد نبينا موسى عليه افضل الصلاة والسلام المرحلة الاخطر والاعتى لحروب خط الشيطان.
استعان الشيطان الاكبر في معاركه بأتباعه من الجن والانس، وكان اتباعه من الانس هم الاخطر في هذا الصراع.
قادة دهاقنة اليهود ومكرة خط الانحراف معارك خط الشيطان بعد الاجهاز على رسالة النبي موسى عليه السلام، ولا يزالون يتصدرون المشهد في قيادة هذا الخط، إذ يصرون على تصفية كل الرسالات اللاحقة.
تمثل صفحة اغتيال المشاريع الربانية احد اخطر الصفحات في معارك خط الشيطان، واتخذ هذا الاغتيال سبيلين في تنفيذ غاياته، السبيل الحسي المادي والسبيل المعنوي، ففي الاتجاه الحسي كانت المحاولة الاوضح والاصرح تتمثل في اغتيال نبي الله عيسى سلام الله عليه، ولا يزالون يصرون على ان عملية القتل قد تمت فعلا، لكن القرآن الكريم ينفد هذه المزاعم بقوله (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)، كما انهم استمروا في خط الاغتيال المادي، لذا تعرض الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم الى اكثر من (٢٠) محاولة اغتيال، وانتهت بنجاح آخرها، إذ يعرف كل متدبر واع، ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات شهيدا مسموما، وقد كان مردة اليهود خلف هذه الاغتيالات مستعينين بمن تطابقت مصالحهم من خط النفاق والكفر داخل المشروع الاسلامي، واستمرت العملية بتصفية امير المؤمنين علي عليه السلام واهل بيته عبر اشكال مختلفة من التصفيات بما في ذلك كربلاء، ولم تكن يد اليهود بعيدة عن كل هذه الصفحات.
واما في مسار الاغتيال المعنوي، فكان الامر اخطر واشد، إذ تم استهداف روح التوحيد والايمان في المسيحية والاسلام، فقد تم تخليق عقيدة التثليث المسيحية، والتي لا يستطيع توصيفها بدقة اكابر علماء المسيحية، بل يدورون حول مضمون ملتبس ينتهي في آخره الى الوقوع في شرك الربوبية وخدش التنزيه الإلهي فضلا عن افراغ مسار التوحيدي العيسوي من مضمونه المنتج، وهكذا تم تخليق فكرة الرسل والاناجيل والكنائس لتكون المسيحية بمضمونها الحالي مع اقحامها لتبني توراة منحولة تحت مسمى العهد القديم، وما تضمنه من مشاكل ايمانية ومعرفية، ويدرك المنصفون والعارفون من اهل المسيحية حقيقة ما اشير إليه، كما ان الامر لم يتوقف عند هذا الحال، بل استمر الامر في اغتيال حتى هذه النسخة عبر ما سمي بالبروتستانتية واخيرا المسيحية الصهيونية.
ولم ينتهي اغتيال المشاريع الالهية عند هذا الحد، بل تعرض الاسلام المحمدي الى اعتى انواع الاغتيال المعنوي، حيث منع تدوين سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تم اختطاف الرسالة من قبل خط النفاق وتم اقصاء علي وآله سلام الله عليهم والذين هم الامتداد الولائي للمشروع النبوي، وبهم ومن خلالهم تبلغ الرسالة الخاتمة مآلاتها، لكن خط الشيطان، اخذ الاسلام ليضعه في خندق تخادم السلطة، وهكذا كان الدين ضحية ما سمي بالدولة، واخيرا تم ابتداع الوحدة بين السلطان الدنيوي غير المعصوم والخلافة الالهية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليكون الدين اداة للحاكم، وانتج دين بني أمية الذي يمثل دين الاغلبية المسلمة اليوم.
لقد تقدم خط اغتيال المشروع النبوي في خطواته ليؤسس (عقيدةً وفقهاً) على مقاس خط السلطة، ويلزم الناس بأن يكون هذا هو دينهم الرسمي، وهكذا تم ابتداع المذاهب والفرق والتشعبات الاخرى، وقد كانت اعتى صور الحرب في هذا الاتجاه ضد خط التشيع الذي كان الممثل الحصري للاسلام المحمدي الخالص، إذ تم اختراق هذا الخط عبر اشكال مختلفة من الاغتيالات المعنوية.
ان طابع هذه الحرب وإن بدى دينيا، لكنه في ارض الواقع اخذ اشكالا مختلفة، فمنها الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي… الخ، وهكذا هناك خطوط متعددة تتآزر فيما بينها لتحقيق هذا الاغتيال المعنوي، لذلك يتصور الكثير من البسطاء والسذج، ان المشاريع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعيدة عن الحرب الدينية ومشروع اغتيال الخط الالهي، وهذه الخطوط التي تلبس قناع السياسة والاقتصاد والثقافة والفن… الخ هي الاخطر، حيث يتم تمريرها عبر ما يسمى بالقوى الناعمة.
ان هذا العرض لا يتجاوز حدود الاشارة والتذكير ودق اجراس الانذار وإلا فإن المواجهة والتصدي لهذه المعارك يقتضي اعمالا تتناسب مع حجم هذا المشروع الشيطاني.