العلمانية نشوؤها وآفاقها
تحت هذا العنوان كانت محاضرة الدكتور طلال حسن التي قدمها في المركز الثقافي العربي في جبلة
في مقدمته ذكر د حسن :
العلمانية من المصطلحات التي أثارت جدلا واسعا وصراعا حادا منذ ظهر , واتخذ هذا الصراع طابعا أكثر حدة عندنا نحن العرب منذ بدايات عصر النهضة حيث ظهرت ثنائيات العلماني \ الاسلامي وكانت أكثر الثنائيات تداولا واتخذ كل فريق موقعه متمرسا بقاناعاته ونظرياته مدعيا احتكار الحقيقة لدرجة أدت إلى تحجر المفهومات فتمايزت المواقف وتنافرت الطروحات إلى حد بعيد … مضيفا هذا أمر يدفعنا للتساؤل عن جدوى طرح قضية كهذه ؟ ترى هل يمكن أن تتبدل مواقف أتباع كل موقف وكل طرف من طرفي هذه الثنائية؟ أم أن المواقف صارت أكثر حدة ورفضا للآخر ؟؟؟
وقبل الدخول في صلب الموضوع أشار د طلال حسن إى أن الفكر الأحادي لا يمكن أن ينجب تقدما حضاريا ومعرفة لأنه فكر عقيم وأن التعصب لابد أن يترك صدى سلبيا على صاحبه , مؤكد على أنه لابد من السعي لقراءة الحياة قراءة ناقدة قادرة على تجاوز رؤية ما يتفق مع قناعتنا وما يخالفها عندنا وعند غيرنا وأن نسعى معا إلى رعاية الجيد وقبوله ورفض الميت منها ودفنه .
ثم تطرق إى مصطلح العلمانية وتاريخ النشوء الذي اعتبر تأسيسا لهذا المصطلح .
وقال : مصطلح العلمانية من أثر المصطلحات إثارة وانتشارا وكثير ا ما يتم التعامل معه وكأنه مصطلح محدد الملامح والأ”بعاد والدلالات الظاهر منها والخفي , وتمثل لفظة ( علمانية ) الترجمة الدقيقة لكلمة ” سكيولاريزم ” وقد ظهر هذا المصطلح مع بدايات ظهور الدولة القومية في أوروبا عام 1648 وهو تاريخ يعتمده معظم الباحثين على أنه بداية العلمانية وفيه تمت الإشارة إلى ( علمنة ممتلكات الكنيسة وحسب ) بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي سلطة الدولة التي لا تخضع لوصاية الكنيسة .
مضيفا إلى أنه في القرن الثامن عشر وفي فرنسا تحديدا حملت اللفظة دلالة جديدة هي \ المصادرة غير الشرعية لممتلكات الكنيسة \ في حين أصر الفلاسفة المتنوريون على أنها : المصادرة الشرعية لممتلكات الكنيسة .
وأشار إلى أن جون هو ليوك يعد أول من صاغ المصطلح معناه الحديث وحوله إلى أحد أهم المصطلحات في الخطاب السياسي والاجتماعي والفلسفي الغربي وقد حدد هذا المصطلح بأنه ( الإيمان بامكانية أصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية من دون التصدي لقضية الإيمان لا بالقبول ولا بالرفض .
تقلص دلالة المصطلح : هنا يضيف المحاضر د طلال : إلى أنه تقلص عند بعض المفكرين إلى حد أنه أصبح فصل الدين عن الدولة …. وقد حصر بعض المفكرين نطاق العلمانية في دائرة ضيقة واستبعدوا الدائرة المعرفية الأكثر رحابة وشمولا متجاهلين ما يمكن أن نسميه المرجعية , فتحول بذلك إلى مجموعة من الإجراءات التي يختلف مدلولها باختلاف مرجعيتها ولا يتحدد معنى المصطلح إلا بالعودة إليها .
ماذا عن المصطلح في البلدان أو المجتمعات البدائية ؟ يجيب المحاضر بالقول :
إن الأمر مختلف في المجتمعات البسيطة أو البدائية التي مازالت تخطو ببطء على درب الحضارة والمدنية , حيث نجد أن رئيس القبيلة هو النبي والساحر والكاهن وقد يقدم كسليل للآلهة متصير طقوس الحياة اليومية طقوسا دينية .
إضافة إلى من يظن أن العلمانية مجموعة من الأفكار مثل : الهجوم على الكتب السماوية والمطالبة بالحرية المطلقة , أو هي مجموعة ممارسات ومخططات واضحة ومحددة يجري تطبيقها من خلال آليات محددة مثل إشاعة الإباحية ومصادرة أموال الكنيسة أو الأوقاف وإصدار تشريعات سياسية معينة . وكل ذلك أمور يمكن التصدي لها واستئصالها من خلال ممارسات محددة مضادة .
وعن العلمانية في شرقنا أضاف : هناك من يرى أن العلمانية ظهر في أوروبا المسيحية بسبب طبيعة الديانة المسيحية لأنها تفصل الدين عن السياسة ( اعطوا ما لقيصر لقيصر ما لله لله ) \ انجيل متى \ وبسبب فساد الكنيسة وسطوتها هذا يعني أن العلمانية ظاهرة مسيحية مرتبطة بالغرب ولا علاقة لها بالعرب والمسلمين , لكن ما حصل أن بعض المفكرين العرب وخصوصا مسيحيي الشام قاموا بنقل الأفكار العلمانية إلى بلادنا ووصل الحد إلى الاعتقاد بأن عملية النقل وتطبيق الأفكار العلمانية يتم من خلال مخططات محكمة ومؤامرات عالمية صليبية يهودية غربية .
آليات علمانية :
تحدث المحاضر عن العلمنة البنيوية الكامنة التي تقوم بها مؤسسات الدولة المركزية الأمنية والتربوية والمؤسسات الإعلامية وخاصة التلفزيون وإعلاناته وبرامجه التي تؤثر تأثير كبيرا في المواتطنين فتعيد صياغة رؤيتهم لأنفسهم وللعالم , ولعل أكثر آليات هذه العلمنالبنيوية الكامنة شمولا هو قطاع المتعة واللذة ككل خصوصا الأفلام الامريكية والبرامج التلفزيونية التي تصل إلى قطاع واسع من الشعب وتقوم بإادة صياغةرؤيتهم لأنفسهم وللعالم في إطار دارويني او فرويدي او براغماتي . مثال توم وجيري وأفلام الكاوبوي التي تطرح أفكارا تبيح استخدام مفهومات بعيدة عن الأخلاق لا علاقة لها بالخير والشر بل هي قيم نسبية وظيفية براغماتية وهي غالبا ما تبقي الصراع مفتوحا بحيث يتحول العالم إلى غابة مملوءة بالذئاب التي ترتدي ثياب القط والفأر أو ترسخ فكرة البقاء للأقوى أو البأكثر دهاء ومكرا وهذه قيم لا صلة لها بأية منظومة أخلاقية أو دينية أو إنسانية
وختم د طلال حسن محاضرته بالقول :
هناك عناصر علمنة كثرة موجودة في النفس البشرية وهناك إجراءات علمانية زمنية متجاوزة الإخلاق توجد في كل المجتمعات , هذا يعني أن العلمانية ليست مجرد مجموعة من الأفكار المستوردة أو الممارسات الواضحة , إنما هي عملية أكثر عمقا من ذلك وقد تكون غير واعية .
ولو نظرنا حولنا للاحظنا أن الكثير من الأشياء والظواهر المحيطة بنا على تباينها تجسد نموذجا حضاريا متكاملا وتستند إلى رؤية شاملة تحوي في داخلها إجابات عن الأسئلة الكلية التي تواجه الإنسان فإذا كانت هذه الأشياء ( مثل شاورما – همبرغر – تي شيرت ) وكانت الظواهر مثل الانتقال من القرية إلى المدينة , والأفكار التي تبدو بريئة مثل الانتقال إلى اقتصاد السوق , وإذا كان كل هذا يجسد رؤية علمانية ويخلق تربة خصبة لنمو موقف علماني من الحياة فإنها ستقوم بإعادة صياغة وجدان وأحلام ورغبات الناس وتعلمنهم بشكل كامل دوم أن يشعروا بذلك .
بالمحصلة العلمانية في الواقع مركبة وغير محددة المعالم ولا وجود لها خارج واقع اجتماعي وحضاري محدد يمتلك خصوصية . مما يجعلنا بعد التمعن نلاحظ أن كثيرا مما كان ممجوجا ومرفوضا في قترة زمنية محددة ولتكن بداية ستينات القرن الماضي قد صار مقبولا ومباحا ومحل فخر في نهايتها .
في ختام المحاضرة دار نقاش ما بين المحاضر والحضور النوعي حول عنوان ومضمون المحاضرة
تقرير منيرة أحمد \ نفحات القلم