تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية، يوم 26 أغسطس/آب من كل سنة، بيوم مساواة المرأة، وهو اليوم الذي تم فيه التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي، سنة 1920، والذي أعطى حق التصويت للمرأة.
وبالرغم من أن حق المرأة في التصويت، أو في المشاركة السياسية لم يكن جديدًا حينها، وإنما كانت له جذور تعود للعصور الإسلامية، إلا أنّ بعد هذا التاريخ، بدأت فكرة حق تصويت المرأة تنتشر بشكل كبير في العديد من الدول الأخرى، سواء في المجتمعات الغربية أو العربية.
إلا أنه ومع ذلك، فقد كانت فكرة التدخل النسائي السياسي موضوع نقاش معقد في العديد من الدول، حسب الديانات والثقافات، لكنه شهد العديد من التغيرات في العصر الحديث، وقد وصل إلى إمكانية ترشح المرأة للرئاسة، لقيادة دول كبرى.
المرأة وحق المشاركة السياسية في الإسلام
كانت تُعتبر البيعة واحدة من بين أولى مظاهر التصويت، والممارسات السياسية بين أفراد الأمة في التاريخ الإسلامي، إذ إنها لم تقتصر فقط على الرجال، بل شارك فيها عدة نساء كذلك.
على سبيل المثال، في بيعة العقبة الثانية، حضر عدد من النساء وأخذ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم منهن البيعة.
ومن أشهر النساء اللاتي شاركن في هذه البيعة أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، والتي عُرفت بشجاعتها في الحروب.
أما خلال فترة الخلافة الراشدة، كانت المرأة تُستشار في بعض القرارات المهمة، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشير النساء في بعض القضايا المهمة.
وفي العصور الأموية والعباسية، كانت هناك نساء تركن بصمة في الساحة السياسية، وعلى سبيل المثال، في العهد العباسي، كان هناك نجد الخيزران، والدة الخليفتين الهادي وهارون الرشيد، التي لعبت دوراً مؤثراً في البلاط العباسي.
وكانت تتدخل في الشؤون السياسية وتتخذ قرارات مهمة تخص الدولة، كما كانت تُعتبر مستشارة قوية وكان لها تأثير على ابنها هارون الرشيد، الشيء الذي يظهر الدور المحوري للمرأة في هذه الفترة.
وقد برزت نساء في الأندلس مثل الشاعرة ولادة بنت المستكفي، التي كانت تُعقد في مجالسها السياسية والثقافية مناقشات حرة بين النساء والرجال.
وعند الحديث عن العصر الفاطمي، كانت النساء من أسرة الخلفاء يلعبن دوراً مهماً في الحياة السياسية والدينية.
السيدة عائشة القرشية، المعروفة بالست الجليلة، كانت شخصية بارزة في هذا العصر، وكانت تُعتبر مستشارة موثوقة للخليفة وتلعب دورًا في القرارات السياسية والدينية.
كل هذه الأمثلة تبرز الأهمية التي كانت تلعبها النساء في العملية السياسية في التاريخ الإسلامي، وهو الشيء الذي يكشف أن الإسلام كان سبّاقًا في منح المرأة حقوقها في الكشف عن صوتها بشكل علني، وهو ما أصبح يُترجم حاليًا في عدة صور سياسية، من بينها التصويت في الانتخابات.
تصويت المرأة.. التحولات السياسية في العصور الوسطى
عرفت العصور الوسطى، والتي يقصد بها تقريبًا من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر، العديد من التغييرات فيما يخص الشأن السياسي، وقوانين بناء السلطة، والتفكير الاجتماعي في العديد من الدول حول العالم.
ومن بين الأمور التي أثيرت للنقاش حولها، هو المشاركة النسائية في القرارات السياسية، خصوصًا أن دورها كان مُقصى بشكل كبير، وكاد يكون منعدماً في العديد من المجتمعات.
وبشكل عام، كانت المجتمعات الأوروبية في العصور الوسطى تهيمن عليها أنظمة بطريركية، حيث كان الرجال هم المسيطرون على معظم المناصب السياسية والسلطات الدينية.
وكان تقييد أدوار المرأة في المشاركة السياسية يعود جزئيًا إلى التفسيرات الدينية والثقافية التي تعزز الفروق بين الجنسين في هذه المجتمعات.
على سبيل المثال كانت الكنيسة الكاثوليكية، التي كان لها سلطة كبيرة خلال هذه الفترة، غالبًا ما تعزز فكرة حصر دور المرأة في كونها أمًا وزوجة فقط.
لذلك فقد كانت دائمًا ما تستبعد من الأنظمة السياسية الرسمية، مثل البرلمانات والمجالس الاستشارية، خصوصًا أن الدول الأوروبية حينها كانت تعمل بالنظام الإقطاعي، والذي يعتمد على توريث السلطة والنفوذ من خلال النظام الذكوري.
ومع ذلك، كانت هناك بعض الحالات الخاصة التي برز فيها دور المرأة، من خلال بعض النساء اللواتي تمكن من الوصول إلى السلطة، وذلك في حال كانت هي الوريثة الوحيدة لعائلة نبيلة على سبيل المثال. وفي مثل هذه الحالات، كان بإمكان النساء حكم الأقاليم، كما في حالة، الملكة إيزابيلا الأولى، التي كان لها دور كبير في تأسيس دولة إسبانيا في شكلها الحالي.
وعلى الرغم من أن حق المرأة في التصويت أو بقية الممارسات السياسية في تلك الفترة الزمنية كان شبه منعدم، إلا من بعض الحالات الخاصة، لكن كانت هناك بعض المؤلفات والأفكار التي بدأت تظهر في نهاية تلك الفترة، والتي تنتقد القيود المفروضة على المرأة.
ومن بين المؤلفات التي ظهرت خلال هذه فترة أواخر العصور الوسطى، كانت للكاتبة والمفكرة الفرنسية كريستين دي بيزان، من خلال كتابها “مدينة السيدات” الذي نُشر في عام 1405، دافعت من خلاله عن حقوق المرأة وقدرتها على تولي المناصب العامة، ورفضت الأفكار السائدة التي تعتبر المرأة أدنى من الرجل.
هناك كذلك الراهبة والكاتبة الألمانية هيلدغارد من بنغن، التي عُرفت بكتاباتها المختصة بالعلوم السياسية، حتى وإن لم تتحدث بشكل مباشر عن حق المرأة في التصويت، لكنها كانت دائمًا ما تشير إلى قدرتها على إحداث تغييرات في المجال السياسي، انطلاقًا من قدراتها التي تظهر في الحياة العامة.
كانت بداية الحديث عن دور المرأة السياسي في نهاية هذه الحقبة الزمنية، سببًا في فتح باب جديد أمامهن، من أجل القدرة على التواجد فيما بعد كعنصر ومكون أساسي من مكونات المشهد السياسي.
القرن التاسع عشر.. الطريق نحو المساواة
شهد القرن التاسع عشر تحولات جذرية في تكوينات المجتمع العالمي، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين.
وكانت بداية ظهور الحركات النسائية التي تطالب بإعطاء المرأة حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية سببًا في هذه التحولات.
ويمكن القول إن هذه الفترة الزمنية كانت نقطة تحول تاريخية للنساء في مختلف دول العالم، بعد أن بدأت تُعطى لهن حق التصويت والمشاركة السياسية.
وقد كانت البداية في القرن التاسع عشر، عندما بدأت تنشط هذه الحركات النسائية، والتي كانت مدفوعة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الثورة الصناعية.
في تلك الفترة، بدأت النساء في العالم الغربي يطالبن بحقوق متساوية مع الرجال، مثل حق التعليم وحق الملكية وحق العمل.
وواحدة من أولى المنظمات النسائية التي ظهرت كانت حركة “حق الاقتراع” في بريطانيا، التي تشكلت في منتصف القرن التاسع عشر.
وقد كانت هذه الحركة تستعمل أساليب احتجاجية مختلفة، بما في ذلك المظاهرات والإضرابات عن الطعام.
وكانت لهذه الحركة نتائج إيجابية، بعدما تم إعطاء المرأة ما فوق سن الثلاثين حق التصويت سنة 1918، لتحصل جميع النساء على هذا الحق بعد عشر سنوات من ذلك.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت أولى الخطوات نحو بداية الحراك النسائي من خلال مؤتمر “سينيكا فولز”، الذي عقد في نيويورك سنة 1848، وتم من خلاله مناقشة الوضع السياسي والاجتماعي والديني للمرأة في أمريكا.
وقد كانت إليزابيث كادي ستانتون وسوزان بي أنتوني من أبرز القادة النسائيين اللاتي ساهمن في هذا المؤتمر، واللواتي أشرن إلى أحقية المرأة في التصويت والمشاركة السياسية.
حق المرأة في التصويت.. نيوزيلندا كانت السبّاقة لذلك
خلال القرن العشرين، ومع مرور الوقت، توسعت حركة حقوق المرأة بشكل ملحوظ وانتقلت من أوروبا وأمريكا الشمالية إلى أجزاء أخرى من العالم.
كانت بداية الاعتراف بدور المرأة السياسي نهاية القرن التاسع عشر، بعد أن كانت نيوزيلندا أول دولة تمنح النساء حق التصويت في الانتخابات العامة، وذلك ابتداء من عام 1893.
كان هذا الإنجاز نتيجة لحملة مكثفة قادتها كيت شيبارد، وهي واحدة من رائدات الحركة النسائية في نيوزيلندا، مما أعطى قوة أكبر للحركات النسائية عبر العالم.
أما فنلندا فقد كانت من بين الدول الأوروبية الرائدة في منح المرأة حقوقها السياسية، وذلك عام 1906، عندما أعطتها حق التصويت، إضافة إلى حق الترشح للانتخابات البرلمانية.
وفي العام التالي، تم انتخاب 19 امرأة للبرلمان الفنلندي، مما جعلها الدولة الأولى في العالم التي تتمتع فيها النساء بهذه الحقوق السياسية الكاملة.
أما في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من معارضة واسعة النطاق، نجحت النساء في الحصول على حق التصويت بعد سنوات من الحملات والاحتجاجات.
إذ إنه في عام 1920، تم التصديق على التعديل التاسع عشر للدستور الأمريكي، الذي منح النساء حق التصويت على المستوى الوطني.
وقد كان هذا الحدث عبارة عن تحول كبير فيما يخص حقوق المرأة، ليتحول إلى يوم يتم الاحتفال به سنوياً، تحت مسمى مساواة المرأة.
وهذا التغيير الكبير كان نتيجة عمل دؤوب من قبل منظمات مثل “الرابطة الوطنية الأمريكية لحق المرأة في التصويت”، التي قادتها كل من سوزان بي أنتوني وإليزابيث كادي ستانتون.
أما في الهند، و بعد الاستقلال عام 1947، منح للنساء حق التصويت الكامل والمشاركة السياسية كذلك. وقد جاءت هذه الخطوة نتيجة للنضال المشترك بين النساء والرجال في حركة الاستقلال الهندية، خصوصًا بعد بروز أسماء العديد من النسوة اللاتي كانت لهن بصمة مهمة خلال هذه الفترة، من بينهن ساروجيني نايد.
المرأة في الدول العربية وحق التصويت والمشاركة السياسية
لم يكن القرن العشرين مرحلة تحول للمرأة فقط في الدول الغربية، وإنما كذلك في العديد من الدول العربية، التي أعطتها حق التصويت والمشاركة السياسية.
وقد كانت مصر أولى هذه الدول، وبالضبط سنة 1956، بعد ثورة 23 يوليو 1952 التي أدت إلى إلغاء الملكية وتأسيس الجمهورية.
إذ تم اعتماد دستور جديد يضمن للنساء حق التصويت والترشح في الانتخابات، وذلك بعد حملة واسعة قادتها الناشطة درية شفيق، التي كانت تدافع عن حقوق المرأة.
وفي الانتخابات البرلمانية لعام 1957، مارست النساء المصريات حقهن في التصويت لأول مرة، وأصبح ذلك علامة فارقة في تاريخ الحركة النسوية في مصر.
كانت تونس أيضًا من الدول الرائدة في مجال حقوق المرأة في المنطقة، بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1956.
إذ قام الرئيس حينها الحبيب بورقيبة بتقديم إصلاحات اجتماعية وسياسية شاملة، ومن بين هذه الإصلاحات حق تصويت النساء والترشح للانتخابات، ابتداءً من عام 1959.
وقد كان الدستور التونسي الجديد يمثل نموذجًا للدستور المتقدم في الوطن العربي حينها، خصوصًا أنه نص كذلك على المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
في الجزائر، حصلت النساء على حق التصويت والترشح في الانتخابات ابتداءً من عام 1962، وذلك بعد الاستقلال عن فرنسا.
فقد ساهمت النساء بشكل كبير في حركة التحرير الوطني ضد الاستعمار الفرنسي، مما ساعد في تعزيز دورهن في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال.
المغرب كذلك أعطى حق التصويت والترشح السياسي في الانتخابات للمرأة بعد الاستقلال عن فرنسا، وذلك ابتداءً من سنة 1963.
إذ كانت هذه الخطوة جزءًا من الإصلاحات السياسية التي تهدف إلى تحديث النظام السياسي المغربي. ومنذ ذلك الحين، شهد المغرب سلسلة من الإصلاحات لتعزيز حقوق المرأة، بما في ذلك الإصلاحات الدستورية لعام 2011 التي أكدت على المساواة بين الجنسين وأهمية مشاركة المرأة في الحياة العامة.
أما في العراق، حصلت النساء على حق التصويت والترشح ابتداءً من عام 1980، خلال فترة حكم حزب البعث.
وبعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، تم تعزيز حقوق المرأة من خلال الدستور العراقي الجديد الذي نص على ضرورة تخصيص نسبة محددة من المقاعد في البرلمان للنساء، والتي تبلغ 25%.