بقلم: عبد الحميد الملا
تعتبر سوريا اليوم واحدة من أكثر الدول التي تحتاج إلى إعادة بناء شاملة بعد سنوات من الصراع المدمر الذي أتى على بنيتها التحتية وأدى إلى نزوح ملايين من سكانها.
إن عملية إعادة بناء سوريا ليست مجرد مهمة هندسية، بل هي مشروع اجتماعي واقتصادي ضخم يتطلب تضافر الجهود من الداخل والخارج، والاستفادة من الموارد الطبيعية والطاقات البشرية المتاحة.
تكاليف إعادة البناء
تشير تقديرات مختلفة إلى أن تكلفة إعادة بناء سوريا قد تتراوح بين 250 مليار إلى 400 مليار دولار أمريكي. هذه الأرقام الكبيرة تعكس حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، والمرافق العامة، والاقتصاد بشكل عام. الطرق، الجسور، المستشفيات، المدارس، شبكات المياه والكهرباء، كلها تحتاج إلى إعادة تأهيل أو بناء من جديد. إلى جانب ذلك، هناك حاجة ماسة لاستعادة الثقة الاجتماعية وإعادة بناء النسيج الاجتماعي الذي تمزق خلال سنوات الحرب.
الإمكانيات المتوفرة في سوريا
على الرغم من حجم الدمار، تمتلك سوريا مجموعة من الإمكانيات الطبيعية والاقتصادية التي يمكن أن تكون أساسية في عملية إعادة البناء:
1. الموارد الطبيعية:
– النفط والغاز: سوريا تمتلك احتياطيات من النفط والغاز الطبيعي، خاصة في المناطق الشرقية. استغلال هذه الموارد بشكل مستدام يمكن أن يوفر جزءاً من التمويل اللازم لإعادة البناء.
– الزراعة: تمتاز سوريا بتنوعها الجغرافي والمناخي، مما يجعلها ملائمة لزراعة مجموعة واسعة من المحاصيل. إعادة تأهيل القطاع الزراعي يمكن أن يساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وخاصة أن سوريا كانت من الدول القليلة في العالم التي حققت الاكتفاء الذاتي قبل الحرب.
2. الإمكانات الاقتصادية:
– الموقع الجغرافي: تتمتع سوريا بموقع استراتيجي يربط بين آسيا وأوروبا، مما يجعلها نقطة مهمة للتجارة والنقل الدولي. تحسين البنية التحتية التجارية واللوجستية يمكن أن يعيد إحياء الاقتصاد.
– الصناعة: كان قطاع الصناعة السوري من القطاعات الهامة والصاعدة قبل الحرب، خاصة في مجالات صناعة الآلات, و النسيج والغذاء. وإن إعادة تشغيل المصانع القديمة وتحديثها يمكن أن يعيد النشاط الاقتصادي ويوفر فرص عمل للسكان.
الطاقات البشرية السورية
الطاقة البشرية هي المفتاح الحقيقي لإعادة بناء سوريا. السوريون، سواء في الداخل أو في المهجر، يمتلكون المهارات والخبرات التي يمكن أن تكون عاملًا حاسمًا في هذا المشروع:
1. الطاقات البشرية داخل سوريا:
– القوى العاملة: رغم الظروف الصعبة، بقي في سوريا العديد من المهنيين والحرفيين الذين لديهم خبرة في مجالات البناء، والهندسة، والطب، والتعليم. تدريب هذه القوى العاملة على أحدث التقنيات وتوفير المعدات اللازمة يمكن أن يسرع من وتيرة إعادة البناء.
– *الشباب*: يشكل الشباب نسبة كبيرة من السكان في سوريا، وهم قادرون على المساهمة في عملية إعادة البناء إذا تم توفير التعليم والتدريب المناسبين لهم.
2. الطاقات البشرية السورية في المغترب:
– الخبرات والمعرفة: يعيش في المهجر ملايين السوريين، بينهم أطباء، مهندسون، علماء، رجال أعمال، وغيرهم من المهنيين. هؤلاء الأفراد اكتسبوا خبرات قيمة في البلدان التي استقروا فيها، ويمكن الاستفادة من هذه الخبرات عبر برامج عودة مؤقتة أو دائمة، أو من خلال استثماراتهم في الوطن.
– التمويل والاستثمار: السوريون في الخارج يشكلون شريحة اقتصادية هامة، ويمكن أن يكونوا مصدرًا للاستثمارات المباشرة في مشاريع إعادة البناء. إنشاء صناديق استثمارية أو مشاريع مشتركة بين الداخل والخارج يمكن أن يعزز من فرص نجاح إعادة البناء.
كيفية الاستفادة من طاقات السوريين في المهجر
للاستفادة من طاقات السوريين في المغترب، يمكن اتباع عدد من الاستراتيجيات:
1. برامج العودة المؤقتة أو الدائمة: تشجيع السوريين المغتربين على العودة إلى بلدهم عبر تقديم حوافز مالية، وتسهيلات إدارية، وضمانات أمنية، يمكن أن يسهم في توفير الكفاءات اللازمة لعملية إعادة البناء.
2. التواصل مع الشتات السوري: إنشاء منصات للتواصل بين السوريين في الخارج وداخل سوريا يمكن أن يعزز من التعاون و يخلق شبكة قوية لدعم عملية إعادة البناء.
3. الاستثمار في المشاريع الصغيرة والمتوسطة: تشجيع رجال الأعمال السوريين في الخارج على الاستثمار في مشاريع صغيرة ومتوسطة داخل سوريا، والتي يمكن أن تكون أساسًا قويًا لإعادة بناء الاقتصاد المحلي.
4. التعليم والتدريب عن بعد: يمكن للسوريين في الخارج المساهمة في تدريب وتعليم الكوادر داخل سوريا عن بعد، من خلال برامج تعليمية وتدريبية عبر الإنترنت، ما يعزز من قدرات العاملين المحليين.
5. إنشاء شركة خاصة مساهمة لإعادة إعمار سوريا: يمكن لجميع السوريين المساهمة في تلك الشركة أو مجموعة من الشركات المتخصصة وبذلك يساهم كل سوري أو في إعادة بناء بلده ويحفظ ماله وبنفس الوقت يأتيه دخل من أرباح الأسهم في تلك الشركات.
6. فتح المجال للشركات العربية والأجنبية للاستثمار في سوريا مع منحهم ميزات تحفيزية من الإعفاء الضريبي لفترة محددة, أو منحهم تسهيلات أخرى, وذلك في القطاعات التي لا تشكل منافسة للشركات الوطنية, مع مراعاة أن تعطى الأولوية أولاً للشركات الوطنية ثم العربية ثم الدول الصديقة ثم الدول الأجنبية بشكل عام.
الخلاصة
أهم مسألة في إعادة بناء سوريا هي إعادة بناء التآلف الوطني والروح الوطنية لدى جميع مكونات وأطياف المجتمع السوري, وجمعهم على مهمة وطنية واحدة يعملون عليها ألا وهي إعادة بناء سوريا, إعادة بناء وطن وليس إعادة بناء الحجر فقط.
إعادة بناء سوريا هي عملية متعددة الأوجه وتتطلب تعاونًا دوليًا ومحليًا. استغلال الموارد الطبيعية، وتفعيل الطاقات البشرية، خاصة تلك الموجودة في المهجر، سيكون لهما دور محوري في نجاح هذا المشروع.
إن سوريا بحاجة إلى جميع أبنائها، سواء كانوا داخل الوطن أو في الخارج، لإعادة بناء وطنهم وفتح صفحة جديدة من الاستقرار والازدهار