استفادت أغلب الدول خلال العقود الماضية من النفايات واستثمارها، بعد فرزها ونقلها إلى معامل ومكبات وحاويات نظامية مغطاة قبل معالجتها، لكن سورية بقيت تعاني من صعوبة التخلص من نفاياتها، إذ ما زالت أغلب البلديات تجمعها دون فرز وتتخلص منها بجمعها في مكبات مكشوفة، في مناطق بعيدة نسبياً عن التجمعات السكانية، ثم حرقها.وتستفيد الحكومات من النفايات بتحويلها إلى طاقة، ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تدوير 50% من النفايات بحلول عام 2020، بالمقارنة مع 35% عام 2010، و23% عام 2001. نشرت وكالة البيئة الأوروبية (EEA) في 2013 إحصائية صنفت بها الدول العشر الأوائل من حيث التخلص من النفايات وهي: النمسا 63%، ألمانيا 62%، بلجيكا 58% وهولندا وسويسرا 51%، الولايات المتحدة والسويد 49%، لوكسمبورج 46%، النرويج 42%، وأخيرًا الدنمارك 40%. ، وعملت بعض الدول على إصدار قوانين صارمة منها منع طمر النفايات في باطن الأرض، إضافة إلى تخصيص بعض الدول أكياسًا خاصة بكل نوع من النفايات، فالأصفر للورق والكرتون، والأزرق للبلاستيك والمعادن، والأخضر لمخلفات الحدائق، والأبيض لبقية المخلفات.
حال البيئة في سورية مخيف من عشر سنوات
كشف «تقرير حال البيئة في سورية 2010» الذي أعدته وزارة الدولة لشؤون البيئة آنذاك، أن كمية النفايات البلدية في عام 2009 تقدر بقرابة 4.5 مليون طن، ما يعني أن متوسط انتاج الفرد يومياً من النفايات البلدية الصلبة هو 0.56 كيلوغرام. تتكوّن هذه النفايات من الأنواع العضوية، والنفايات غير الخطرة، والنفايات الخطرة. ويشمل النوع الأخير، البطاريات والأدوية والمنظفات والمصابيح وأجهزة قياس الحرارة والمذيبات العضوية وغيرها. لقد دقّ التقرير ناقوس الخطر بإشارته إلى أن 40 في المئة من النفايات البلدية يجري التخلص منها في مطامر صحية، لكنها تفتقر للإشراف الكفوء والتشغيل الجيد. في المقابل، يتم التخلص من القسم الأكبر من النفايات (55 في المئة) في مكّبات عشوائية تنتشر على أطراف المدن والقرى. والتناثر عشوائياً للمكبّات حول المدن وتلوث الهواء فيها بسبب الحرق عشوائياً، وهي طريقة شائعة في الريف على وجه الخصوص. والمعلوم أن حرق كيلوغرام من النفايات بطريقة الحرق الخارجي يصدر من الملوّثات ما يعادل حرق 10 أطنان من النفايات في المُرمّدات. ونبّه التقرير إلى التلوث الناجم عن مطامر النفايات، إذ يعتبر الطمر الوسيلة الأشد تلويثاً، خصوصاً إذا لم تُجمع السوائل التي ترشح منها، كي تُعالج بالطرق العلمية المناسبة. ويعتبر عدم تجهيز مطامر النفايات البلدية بطبقة عازلة تحمي التربة الطبيعية من التلوّث، عنصراً يؤدي إلى مخاطر كبيرة على البيئة. إذ تتسرّب السوائل التي ترشح من النفايات المطمورة، فتُلوّث المياه الجوفية والطبقات الحاملة للمياه القابلة للشرب وغيرها. وأظهرت بعض التحريات لمطامر في اللاذقية وطرطوس والقامشلي، وجود تهديد واضح لمصادر الطبقات الحاملة للمياه في المناطق المجاورة للمطامر. وغالباً ما توجد معادن ثقيلة أيضاً في تلك السوائل الراشحة كالزئبق والكروم والنيكل والرصاص والنحاس والتوتياء وغيرها.
النفايات بسورية تملك نسبة مرتفعة من المواد العضوية
البروفسور ديتر شتاينبريشت استاذ تكنولوجيا الطاقة والبيئة في جامعة روستوك قال: تتميز النفايات في سورية مقارنة بمثيلتها الألمانية بارتفاع نسبة المواد العضوية فيها، إذ تصل هذه النسبة إلى 78 بالمائة. وفي حالة كهذه تنص القوانين الألمانية الخاصة بالنفايات وجوب معالجتها وتحويلها إلى أسمدة بغية إعادة الاستفادة منها في الزراعة والبناء بدلا من حرقها. ولا يسمح هذا القانون بالحرق إلا في حالة عدم إمكانية تدويرها أو تصنيعها وينبغي أن يتم الحرق كذلك على أساس الاستفادة من الحرارة الناتجة عنه لأغراض صناعية، لاسيما في تشغيل محطات الطاقة.
مشاريع ورقة ولفظية
تواترت أقوال وأحاديث عن وجود دراسات للاستفادة من النفايات وتأسيس مشاريع وإنشاء مصانع، وبقيت هذه الاقتراحات غير ظاهرة، في حين كانت محاولات إنشاء مصانع بجهود شخصية قليلة، لأسباب منها ضعف الموارد المالية اللازمة لتأمين المعدات.وتكون خطورة انتشار النفايات في أوجها في فصل الصيف إذ تنتشر الحشرات الناقلة للأمراض وخاصة حبة اللشمانيا.وتصبح مكبات النفايات مكشوفة لانتشار الأمراض، ومشاع لأشخاص يعملون بجمع البلاستيك والكرتون وغيره، من أجل بيعه وخصوصاً الأطفال .أما عملية التدوير وإعادة تصنيع النفايات فغير موجودة، لأن إنشاء المصانع يلزمه تمويل كبير، وفي الوقت الحالي لا توجد بوادر لذلك كون الأولوية هي لتنظيف البلدات والطرقات وتعزيز المياه والكهرباء والخدمات الأولية، بحسب تعبير العامل.في الأشهر الأخيرة بدأت بعض المجالس بالتعاقد مع مستثمرين لاستثمار المكب عبر مناقصة، ليقوم بعدها العمال بفرزمواد النايلون والحديد والبلاستيك وبيعه إلى أطراف أخرى غير محددة، في حين تحرق البقية.
مكبات النفايات أصبح واقع مألوف
التخلص من النفايات الصلبة مشكلة تعاني منها مختلف البلدان على حد سواء. غير أن العديد من الدول مثل ألمانيا قطعت شوطا كبيراً، في التوصل إلى طرق صديقة للبيئة في مجال التخلص منها. وتعتمد هذه الطرق على فرزها قبل نقلها إلى المعامل أو إلى مكبات وحاويات نظامية مغطاة قبل معالجتها. وبالمقابل فإن دولة نامية مثل سورية ما تزال ترميها دون فرز في مكبات مكشوفة في الغالب. كما إن التخلص منها يتم في معظم الأحيان عن طريق الحرق ليس بعيداً عن التجمعات السكانية
شكاوى عديدة منذ سنوات دونما جدوى
يشكو أهالي ركن الدين ومساكن برزة في العاصمة دمشق من الدخان المتصاعد والروائح المنبعثة من مكب وادي السفيرة بمنطقة ركن الدين، وأهالي المناطق المجاورة لمكب النفايات في رخلة التابعة لمدينة قطنا بريف دمشق فمعاناتهم قد مضى عليها أكثر من عشرون عاماً ، وتحوّلت قصة مكب البصة في اللاذقية إلى واحدة من أشهر قصص فشل الإدارات المتعاقبة في المدينة على مدار عقود في تقديم حلول حقيقية لمشكلة مزمنة طالت في ضررها منطقة واسعة من الساحل السوري. أما مكب النفايات في منطقة رودكو في الحسكة والذي عمره عشرون عاماً لم يفكر أحد به بشكل جدي. وتشترك كل الشكاوى بين هذه المكبات بالتذمر من الحرق اليومي وتبعاته من الروائح والأمراض وتواجد الكلاب الشاردة وانتشار النباشين ناهيك عن التشوه البصري للمناطق المحيطة والقريبة من المكبات .
وصرح مدير النظافة في محافظة دمشق عماد العلي: أن كمية القمامة التي يتم ترحيلها يومياً من دمشق تصل إلى ما يقارب ثلاثة آلاف طن يومياً، أي أكثر من مليون طن سنوياً.وأكد، في آب 2017، أن تكلفة ترحيل النفايات في دمشق في 2016 وصلت إلى 4.7 مليارات ليرة سورية، لكنه لم يكشف عن أماكن تجميعها وطرق التخلص منها.
تصريحات حكومية
يوجد معملين لمعالجة النفايات في طرطوس وريف دمشق وثالث متوقف في القنيطرة منذ بداية الحرب لكن هناك خطط لتأهيل واستثمار في البنى التحتية تعد بتحسين الواقع وتطويره وتعود فكرة معالجة النفايات في سورية لعام 1990 حيث تم إنشاء معمل في الغزلانية لمعالجة النفايات وتحويلها إلى سماد وكان يغطي محافظة دمشق بالكامل وخلال السنوات العشر الماضية تم توسيعه بأقسام وآلات جديدة لمعالجة النفايات الطبية والخطرة وفرم الاطارات وأصبح يغطي دمشق وريفها تحت اسم (إدارة النفايات الصلبة بدمشق وريفها).وفي عام 2011 أحدث معمل آخر في طرطوس فيما معمل القنيطرة الذي تتراوح طاقته الاستيعابية بين 15 و20 طناً يومياً متوقف عن العمل منذ بداية الحرب على سورية.
أما بالنسبة لمطامر النفايات غير الصالحة للتدوير فهناك أربعة مطامر بريف دمشق اثنان منها قيد العمل وجميعها معروضة للاستثمار وفق حداد الذي يلفت إلى تجهيز البنية التحتية لمطمر رخلة بريف دمشق بشكل كامل تمهيداً لعرضه للاستثمار وهو ذو استطاعة تتجاوز 400 طن يومياً إضافة إلى مطمر الغزلانية الحالي ومطمري منطقة جيرود والرمادان المتوقفان عن العمل.
وتوجد 15 محطة نقل نفايات “مكبات” مؤقتة وسيطة موزعة على مناطق ريف دمشق بالإضافة إلى محطة رئيسة ضمن دمشق “مكب الزبلطاني” علماً أن هذه المحطات موضوعة ضمن خطة عام 2020 للتأهيل والاستثمار.
آخيراً
حديثنا السابق غيض من فيض، عن المكبات والنفايات وهنا لابد من حلول جذرية وسريعة وناجعة، وخصوصاً بعد تجربة العالم مع وباء كورونا، وللعلم حاولنا التوسع بالمعلومات إلا أن البعض من المعنيين لم يكونوا متفرغين، بسبب الضغط الناتج عن الغياب الخاص بالإجراءات الاحترازية للوقاية من وباء كورونا من جهة، ومن أخرى بسبب الاجتماعات المتواصلة والتي نأمل أن تكون لحل مشكلة المكبات.