بقلم : م أبوزيد
الحاضر جزء من التاريخ ، يقتضى التعامل مع إشكالياته الإلمام بالعملية التاريخية .
ولأننى قد لمست عند البعض من الطيبين المخلصين لسوريا ، قلقا وتوجسا من الإجراءات العثمانية التى تمارسها العثمانية الأردوغانية فى المناطق التى تحتلها سواء بنفسها كما فى عفرين وجرابلس وغيرها ، او بواسطة الجماعات الإرهابية الخاضعة لها كما هو الحال فى محافظة إدلب مثل إستبدال العملة السورية بالليرة التركية ، وفرض المناهج الدراسية التركية كما هو الشأن فى بعض المناطق .
ولأن أغلب الجماعات الرعوية التى إستطاعت خلق كيانات مصطنعة بفضل السلب والنهب والإصطفاف إلى جانب حركة الإستعمار ( وأهمها الكيان التركى ، والكيان السعودى ، وكيانات الخليج المجهرية ) ، لا تاريخ لها ، ولا دور فى النشاط الإنسانى الواعى الذى خلق الحضارات ، وصنع المدنية ، فإن علاقتها بالتاريخ وعبره تكاد تكون معدومة ..
سأحاول هنا إيراد بعض الحقائق التى يتعين على كل سورى أن يعرفها حق المعرفة ، وأن يؤمن بها أشد الإيمان ، من خلال سرد وقائع تاريخية وأحداث يجب ألا تغيب عن بال احد ، بل يجب تذكرها ، وتأملها ، والإتعاظ بها .
شهدت الأشهر الأخيرة من عام ١٩٢٠ ، والأشهر الأولى من عام ١٩٢١ ولادة خمس دويلات عربية على أرض الوطن السورى المنهك بفعل أحداث يوم ميسلون ..ففى أقصى الشمال قامت دولة حلب ، وفى أقصى الجنوب دولة شرق الأردن ، وبينهما دولة جبل الدروز ( جبل العرب ) ، ودولة دمشق ، ودولة جبال العلويين ( جبال الساحل السورى ) .
كانت دولة شرق الأردن وليدة الإنتداب البريطانى ، اما الدول الأخرى فكانت ثمرة الإنتداب الفرنسى .
فبعد ان تمكن الفرنسيون فى أعقاب معركة ميسلون إحتلال سوريا ، قرر المندوب السامى والقائد العام الجنرال غورو تجزئة ارض سوريا ليسهل عليه حكمها ، فقام فى أيلول ١٩٢٠ بسلخ البقاع مع بعض الأراضى الأخرى وألحقها بلبنان ، ثم بعد ذلك بأسبوع قام بفصل حلب وأعلن إنشاء دولة هناك ، وبعد فترة وجيزة أعلن قيام فى جبال الساحل التى أطلقوا عليها إسما إستعماريا منذ العصر العثمانى البغيض وهو جبال العلويين ، وبعدة عدة شهور اعلن قيام دولة فى جبل العرب الذى كانوا قد اطلقوا عليه اسم جبل الدروز …
كانت دولة حلب هى الأقصر عمرا ، فلم تعش سوى اربع سنوات وزالت من الوجود سنة ١٩٢٥ ، ولم تترك أثرا ، سوى علما محفوظ فى متحف ، وبضع ألواح رخامية ،حفر عليها إسم ( مرعى باشا الملاح رئيس دولة حلب ) ..فإعتقاد الفرنسيين ان المعارضة لإجراءاتهم تنحصر فى دمشق ، حاولوا تدعيم سلخ حلب عن سوريا بأن قاموا بإجراء إنتخاب لتأليف مجلس يقرر دستور دولة حلب ، وقد جرت الإنتخابات تحت مراقبة رجال الإنتداب ، ورغم ذلك عندما إجتمع المجلس الذى تشكل بموجب تلك الإنتخابات ، وقرر على الفور وبإجماع الآراء إنهاء الإنفصال والإتحاد مع دمشق . وعلى مضض وافق المندوب السامى على توحيد حلب مع دمشق وجعلها جزء من الدولة السورية إعتبارا من بداية ١٩٢٥
درس حلب الموجع للفرنسيين جعلهم لا يكررون التجربة فى جبال الروز وجبال العلويين ،بل أبقوا الولتين تحت سيطرتهم المباشرة وقد إستمر الحال هكذا حتى عام ١٩٣٦ حين اضطرت فرنسا الى الدخول فى مفاوضات لإبرام معاهدة مع رجال الحركة الوطنية السورية الذين أصروا فى تلك المعاهدة على ضم جبل الدروز وجبل العلويين إلى سوريا ، فأصدر المندوب السامى قرارا ينص على ان جبلى الدروز والعلويين جزء من سوريا على ان ينفذ القرار من تاريخ إبرام المعاهدة ، ولما كان البرلمان الفرنسى لم يبرم المعاهدة فقد ظلت اوضاع هاتين الدولتين معلقة ومذبذبة ، إلى ان قامت حركة التحرير الأخيرة سنة ١٩٤٤ ، وتم ضم الجبلين الى سوريا بصورة نهائية . وبهذه الصورة تكونت دولة سوريا الحالية من اتحاد دويلات حلب ودمشق وجبل العرب وجبل الساحل التى كان قد خلقها غورو عند استيلائه على سوريا
فلم يحارب البطل الوطنى العظيم إبراهيم هنانو من اجل حلب وحدها ، بل انه عندما أحرق اثاث بيته معنا إندلاع الثورة ضد الإستعمار الفرنسى ، ومطلقا صرخته الخالدة : لا اريد أثاثا فى بلد مستعمر ، كان يناضل من اجل سوربا الكبيرة ، بل ويذكر له التاريخ أنه كان مهموما بإدب أكثر من حلب ، حتى انت إبنته طلبت مهرا لها رؤوس خمسة من الجنود الفرنسيين . وعندما أطلق سعد الله الجابرى صرختة المدوية بقاعة المحكمة التى كانت تحاكم البطل ابراهيم : نحن طلبنا من الزعيم هنانو محاربة الاستعمار الفرنسى ، وسنستمر فى محاربتكم…كان يصرخ لأجل سوريا …بل وتشهد جبال حمص وحماه لسلطان باشا الاطرش وحدويته ونضاله من اجل سوريا ..وكذا الشيخ المجاهد صالح العلى بطل جبال الساحل …
شعب هكذا تاريخه ، وهكذا ابطاله ، لن تسلب من ارضه حبه رمل واحدة ،فسوريا بلد مهموم بو