رحلت الشاعرة اللبنانية السورية هدى النعماني في 31 ت1 2020 عن 90 عاماً، بعد انعزال عن المعترك الشعري، فرضته شيخوختها، هي التي كانت حاضرة على طريقتها، شعرياً وفنياً، ومن خلال صالونها الأدبي الذي كان يلتقي فيه شعراء ونقاد وصحافيون، في جلسات حوار ومؤانسة.
كانت هدى النعماني دمشقية الهوى، بيروتية الشغف، لم تتخل يوماً عن جذورها الضاربة في عمق الوجدان السوري ولا عن انتمائها اللبناني الذي زادته الحرب الأهلية رسوخاً. وغالباً ما تُدرج النعماني في خانتيين: خانة الشعر السوري والشعر اللبناني، على الرغم من تفردها عن سائر الشعراء الذين جايلوها، وانفرادها الشعري الذي جعلها شاعرة، لا تشبه أحداً، في تجربتها الصوفية، الأصيلة والمعاصرة.
ولدت هدى النعماني في دمشق في 2 يونيو 1930، من عائلة بيروتية كانت تمارس مهنة التجارة فيها . توفي ابوها عام 1938 فتربت في بيت جدها لأمها عبد الوهاب الغزي. تاثرت كثير بالأجواء الدينية لعائلتي الغزي وأنسبائها آل النابلسي، وافتخارهما بجدهما العلامة الشيخ المتصوف عبد الغني النابلسي الذي سمح لها بالانفتاح على أفكار التصوف التي كانت سائدة أنذاك والتعبير عن هذه الافكار من خلال الشعر.
بدا تعليمها في المدارس الابتدائية والثانوية، ثم درست في التجهيز، وهي المؤسسة الرسمية السورية للتعليم ونالت شهادة البكالوريا. ثم اختارت نعماني دراسة القانون في كلية الحقوق في الجامعة السورية، وكانت من أوائل السيدات السوريات اللواتي تخرجن منها. عملت بداية في مكتب محاماة خالها سعيد الغزي، رئيس وزراء سوريا السابق. ثم تزوجت نعماني ابن عمها عبد القادر نعماني الذي كان عميد الجامعة الامريكية في القاهرة. هناك التحقت بكلية الدراسات الشرقية.
في عام 1968 استقرت هدى النعماني في بيروت وكانت تجيد منذ مطلع شبابها، الفرنسية والإنجليزية، وكتبت فيهما قصائد عدة، عطفاً على قراءاتها فيهما أيضاً، ما منحها ثقافة عالية. لكنّ غايتها كانت اللغة العربية، التي تبحرت فيها وفي أصولها التراثية، لا سيما عبر النصوص الصوفية والعرفانية، التي كان لها فيها أثر كبير جعلها تنتمي إلى تيار الشعر الصوفي في صيغه الحديثة.
أصدرت هدى النعماني دواوين تقارب العشرة، يتجلى فيها عالمها الشعري الواسع ، ومن أعمالها المطبوعة :
لك(1970)
أصابعي …لم (1971)
رؤية على العرش(1989)
هدى انا الحق (1991)
كتاب الوجد والتواجد(1998)
العديد من الشفاه لديك الراعي، الكثير من الايدي(2001)
نقطة على الهاء
وترجمت اثنين من أعمالها إلى اللغة الإنجليزية هما ( حافة القفل – هاء تتدحرج على الثلج)
تُرجمت قصائد عدة لهدى النعماني إلى الفرنسية ولغات أخرى أيضاً ، ويُحفظ لها تسجيل شعري بصوتها في مكتبة الكونغرس الصوتية التي تضم تسجيلات لشعراء من العالم، وهي العربية الوحيدة الحاضرة في هذه المكتبة. وعطفاً على كتابتها الشعر، كانت هدى النعماني رسامة، تخاطب القماشة البيضاء بحرية، وتحاور الألوان مانحة إياها أبعاداً غنائية شعرية صرفة.
عاشت نعماني في باكستان والمملكة العربية السعودية و الكويت ، بالإضافة إلى بريطانيا و الولايات المتحدة. وبقيت في السنوات الأخيرة في بيروت للعمل على النصوص الأدبية، والنشر .
توفيت في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2020، عن عمر يناهز التسعين عاما، ودفنت في مدافن الباشورة في بيروت.
إعداد : محمد عزوز
عن ( صحف ومواقع )